أخبار وتقارير

العمى في المنطقة العربية مشكلة إقليمية

المنستير – تقع هذه المدينة في الجزء المركزي الساحلي لتونس وتمثل قلب الاقتصاد السياحي للبلاد. إذ بُنيت منتجعات الخمس نجوم والتي تشتمل على كافة الخدمات بشكل جماعي لإيواء السياح الأوروبيين الذين ينزلون على الشواطئ الرملية خلال أشهر الصيف. مع ذلك، وخلف كل هذه العظمة، لا يزال السكان المحليون في هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا – ولاسيما النساء – يعانون من فقدان البصر والعمى بسبب أسباب يمكن الوقاية منها أو علاجها مثل إعتام عدسة العين.

يقصد بالساد (أو الماء الأبيض) اعتام عدسة العين. ليس في الإمكان علاج المشكلة بواسطة الأدوية، ومع ذلك يمكن إجراء عملية جراحية بسيطة نسبياً لإزالة العدسة المعتمة واستبدالها بأخرى اصطناعية واضحة. تعتبر جراحة الساد (الكاتاراكت) أكثر أنواع العمليات التي يتم إجراؤها في المملكة المتحدة، وعادةً ما تستغرق 30 إلى 45 دقيقة فقط، لكن الكثير من الناس في العالم العربي لا يحصلون على هذه الجراحة.

يشهد عدد الأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر أو العمى الناجم عن أسباب يمكن الوقاية منها أو يمكن علاجها بسهولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضًا، ولكن بمعدل أبطأ مقارنة مع المناطق الأخرى، كما يقول الخبراء.

أجرى منصف خير الله، الأستاذ المساعد في قسم طب العيون في مستشفى فطومة بورقيبة الجامعي في المنستير، مراجعة منهجية للدراسات الطبية حول العمى وفقدان البصر بسبب إعتام عدسة العين.

وخلُص خير الله إلى أن النسبة المئوية لحالات الإعاقة البصرية المتوسطة والشديدة الناجمة عن إعتام عدسة العين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد انخفضت بنسبة 28 في المئة بين عامي 1990 و2010. وهذا يتماشى مع المعدلات العالمية، التي انخفضت بنسب مماثلة جدًا، ولكنها لا تزال بعيدة جدًا عن المناطق الأخرى ذات الاقتصادات المماثلة التي تحققت في الوقت نفسه. على سبيل المثال، تمكنت بلدان أميركا اللاتينية في المناطق الاستوائية من تحقيق انخفاض بنسبة 37 في المئة.

فيما حققت المناطق الأكثر ثراء انخفاضًا أكبر، مثل أوروبا الغربية التي شهدت انخفاضا بنسبة 43 في المئة.

قال خيرالله “لا يزال الساد سببًا رئيسيًا للمشاكل البصرية في منطقتنا. لكن، في الإمكان معالجته وتصحيحه بسهولة. إنها حالة يمكن الوقاية منها.”

حذر خير الله أيضًا من ظهور الأسباب الجديدة لضعف البصر أو العمى ـ التي غالبا ما ترتبط بالتغييرات في نمط الحياة. وقد يكون مرض السكري المثال الأكثر وضوحًا على ذلك. حيث يمكن أن يقلل من تدفق الدم إلى العين إلى الدرجة التي يمكن أن تتسبب في فقدان البصر أو حتى العمى.

وعلاوة على ذلك، تقل احتمالية حصول النساء على الخدمات الطبية للمشاكل البصرية مقارنة بالرجال.

لا تعتبر هذه الأنماط فريدة من نوعها وخاصة بتونس، حيث تواجه بلدان أخرى في العالم العربي تحديات مماثلة.

قال أحمد موسى، مؤسس ورئيس مؤسسة نورسن الخيرية لأمراض العيون في مصر، “يقل احتمال سعي النساء للحصول على خدمات الرعاية الصحية ذات الصلة بـ [المشاكل البصرية]  بمقدار ثلاث مرات في البلدان النامية.”

وفي دراسة أجريت عام 2014، أجرى موسى دراسة استقصائية لتقدير مدى انتشار فقدان البصر وأسبابها في أربع قرى في صعيد مصر. وكان الساد هو السبب الرئيسي للعمى السريري، حيث كان مسؤولا عن 60 في المئة من الحالات. فيما كانت الأخطاء الانكسارية غير المصححة السبب الثاني الأكثر شيوعًا، بنسبة 16 في المئة، وتشمل هذه الأخطاء قصر النظر وبُعد النظر، والتي يمكن حلها بسهولة مع تدخلات أساسية مثل اختبارات العين والنظارات.

ووجد موسى بأن النساء في هذه المجتمعات كن أكثر عرضة للإصابة بالعمى من الرجال.

قال موسى “تشكل المشكلة في العادة واحدة من مشاكل الاقتصاد. إذا كان لديك أم وأب مع إعتام عدسة العين، فإن الرجل يذهب لإجراء الجراحة لأنه من المحتمل أن يكون الشخص الذي يكسب المال للعائلة.”

مع ذلك، هناك أيضاً حواجز ثقافية أمام النساء. قال موسى “هناك عوامل أخرى مثل القدرة على مغادرة المنزل والوصول إلى المستشفى. فقد تحتاج المرأة لشخص ما لرعاية أطفالها، على سبيل المثال. لكل هذه الأشياء تأثير، ولكن القيود الاقتصادية لا تزال تشكل السبب الرئيسي.”

تتفق دراسة أخرى من العام 2015، نظرت في أسباب وانتشار فقدان البصر في الأردن، على أن إعتام عدسة العين هو السبب الرئيسي للعمى، يليه في ذلك مرض السكري.

تشير هذه الدراسات، بحسب خير الله، إلى أن الدول العربية تواجه سيفاً ذا حدين عندما يتعلق الأمر بمكافحة العمى. قال “نحن نواجه أمراضًا جديدة مثل مرض السكري، المعروف عنه كونه يمثل مشكلة في الدول المتقدمة، لكن ذلك يتزامن مع استمرار أمراض مثل إعتام عدسة العين.”

ويضيف بأن من المهم معرفة هذه الاتجاهات وتحديدها كميًا. قال “من شأن هذا أن يساعد صُناع القرار على وضع سياسات قائمة على الأدلة لتقليل العمى.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى