أخبار وتقارير

فنان مصري يستكشف موضوعات الهوية والانتماء

القاهرة – قطع الفنان المصري إبراهيم أحمد عدة أميال للوصول إلى وطنه. اليوم، يقع الاستوديو الخاص به في أرض اللواء، وهو حي تسكنه الطبقة المتوسطة الدنيا في الجيزة، على مشارف وسط مدينة القاهرة.

في هذه المنطقة المكتظة بالسكان، يتشارك أحمد، البالغ من العمر 34 عامًا، الاستوديو مع فنان شاب آخر. وخارج فضائهم المشترك يقع عالم يستحضر أجواء الكاتب نجيب محفوظ، من الأطفال الذين يركضون عبر الأزقة الضيقة، والنساء اللاتي ينشرن الغسيل، والرجال الأكبر سناً الذين يجلسون لتدخين الشيشة في مقاهي على جوانب الأرصفة، وسوق يبيع أشهى الفواكه في القاهرة.

تعتبر أرض اللواء أيضاً موطناً لعدد كبير من اللاجئين والمهاجرين القادمين من السودان، والصومال، وسوريا، واليمن وأماكن أخرى. يقطن معظمهم في بنايات منخفضة الارتفاع شُيّدت حديثًا في الغالب من الطوب الأحمر، وقد تركت عارية ومن دون طلاء. إنه أحد أكثر الأحياء تنوعاً وعالمية في مصر اليوم.

ولد أحمد في الكويت لأبوين مصريين وترعرع في البحرين خلال طفولته، قبل أن ينتقل مع أسرته إلى الولايات المتحدة في سن المراهقة، ليبدأ هناك صراعه مع هويته قبل أن يصبح فنانًا.

عاش أحمد في نيوآرك بولاية نيوجرسي، ودرس الأدب الإنجليزي في جامعة روتجرز، ليصبح بعد تخرجه عضوًا نشطًا في المشهد الفني المحلي، بعد أن حصل على تعليم فني غير رسمي من وظيفته اليومية كمتخصص فني في مدينة نيويورك، التي تقع على بعد رحلة قصيرة عن منزله.

على الرغم من عدم التحاقه بمدرسة للفنون أو برنامج مرموق يمنح درجة الماجستير في الفنون الجميلة (وهو المعيار لمعظم الفنانين من جيله ممّن يحاولون النجاح في عالم الفن المعاصر)، إلا أن أحمد تمكن من بناء سمعة عالمية لنفسه على أساس الرسم والمفاهيم المختلطة الوسائط والمتجذرة بعمق في نظريات الهوية والجغرافيا السياسية وأنماط الهجرة – وهي أعمال فريدة من ناحية الأصالة والجانب الجمالي من حيث أنها سرعان ما اكتسبت اهتمام القيمين العالميين.

شارك أحمد في بينالي الفن الإفريقي المعاصر في داكار في أيار/ مايو الماضي مع أحدث أعماله، بعنوان وحدهم الحالمون يغادرون، والذي يتكون من أشرعة متعددة مع زخارف مطرزة صنعها أحمد بمساعدة خياط محلي.

قال أحمد “هذا التركيب مجاز لسرد حلم المهاجر ليشمل واقع أنظمة الإقصاء والفصل في العالم.” عند التدقيق في العمل عن كثب، نرى بأن الزخارف على الأشرعة تمثل أنماط من البوابات المعدنية المطلية للفيلات الفخمة في القاهرة – في إشارة مباشرة إلى الإحساس بالإقصاء من المجتمع الذي خبره الكثيرون في بلادهم، بما في ذلك أولئك الذين يتطلعون إلى حياة أفضل في مكان آخر.

قال أحمد “تولدت فكرة “وحدهم الحالمون يغادرون” من تجاربي في التنقل. فمن خلال المحادثات مع الآخرين، أدركت أن تجربتي الشخصية تتطابق مع تجارب العديد من الأشخاص الذين اختاروا أو اضطروا إلى مغادرة المكان الذي يسمونه وطنًا.”

مؤخرًا، تلقى أحمد دعوة للمشاركة في بينالي هافانا، الذي يعتبر نفسه مكانًا للفن غير الغربي، في عام 2019 بعد أن رأى القائمون على البينالي أعماله في داكار.

القناع، من أعمال إبراهيم أحمد.

وجد أحمد مهنته في صنع الفن من المواد المتوفرة عندما عاش في نيوآرك. قال “في عام 2010، كانت مدينة نيوآرك مدينة متداعية وكان الوصول إلى المواد المكتشفة وفيراً. رغبت في إعادة توظيف المواد وإضافة بُعد قصصي جديد إلى حكاياتها.”

بإنتقاله إلى القاهرة عن طريق الصدفة قبل أربع سنوات خلال ما كان من المفترض أن يكون رحلة بحث قصيرة في جميع أنحاء منطقة البحر المتوسط، يسعى الفنان اليوم للحصول على الراحة في حالة عدم الكشف عن هويته هنا.

قال “شعرت بأن في إمكاني التواجد في القاهرة فقط – وهو أمر لم يكن متوافراً لي في الولايات المتحدة. فكوني من شمال أفريقيا، وبمظهر محدد يدل على شيء ما في السياق الأميركي، كنت دائمًا رمزًا للسياسة، وكان الناس يشعرون بالحرية دائما للانخراط في نقاش سياسي معي. لم يكن يتوافر لي امتياز أن أتواجد في حفلة أو حانة من دون أن يتم استجوابي. في القاهرة، كنت مجرد وجه أسمر آخر وسط الحشد.”

عند الضغط عليه، يعرّف أحمد نفسه بأنه ليس عربياً وإنما مواطن من دولة شمال إفريقية. قال “يعكس عملي تجربتي، مرّت تلك التجربة على الدوام بمرحلة انتقالية، ولم ترتبط بمنطقة أو جنسية محددة. آمل أن أتوسع إلى ما يتجاوز هذه التصنيفات المقيدة، لأنها لا تتحدث عن التعقيد الذي تمتاز به تجربتي الفردية، ناهيك عن تعقيد العديد من المناطق.”

تعتبر الهوية والانتماء من الموضوعات التي يستكشفها أحمد في أعماله الأولى مثل سلسلة أرض اللواء، وهو مشروع يسلط الضوء على “نقاط التلاقي في التاريخ” للأشخاص الذين يواجهون بعضهم البعض على طرق الهجرة والتنقل.

من الواضح في هذه الأعمال كيف استمد أحمد إلهامه من الحي الذي اختار العيش فيه، والناس الذين يقطنون فيه. صُنعت هذه الأعمال من قصاصات من النسيج، أعطيت له من قبل العديد من الجيران، قام بتجميعها في كولاجات معاً قبل أن يرسمها. قام أحمد بدمج عناصر معمارية وزخرفية في هذه الأعمال لتذوب معا بانسجام.

كرر أحمد تمرينًا مشابهًا في سلسلته التالية، جنوبًا جنوبًا. ففي محاولة لمحاكاة الطوب الذي يؤلف المباني المنخفضة في حيه، أخذ الفنان نسيج الباتيك الأفريقي، وقماش التاربولين المصري ونسيج الدينم، من بين منسوجات أخرى، وقام بوضعها في طبقات كثيفة، ثم ثبتها معا باستخدام حمام من الغراء، مما أعطى الأعمال كثافة وملمس قاسٍ أقرب إلى تلك المميزة للطوب. عند الفحص الدقيق للعمل، يكشف الطوب عن مجموعة متنوعة من التصاميم حيث اندمجت أنماط مختلف القصاصات مع بعضها البعض. يقول أحمد بأن هذه السلسلة “تعيد التفاوض حول معايير وشروط العالمية من خلال إعادة النظر فيها جغرافيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعرقيًا.”

يسلط مشروع سلسلة أرض اللواء الضوء على نقاط التلاقي في التاريخ، من أعمال إبراهيم أحمد.

وفي الفترة الأخيرة، تحول أحمد إلى الذات أكثر ليعكس المزيد من الأسئلة الشخصية في سلسلته احرق ما يلزم احراقه، وهو مشروع متعدد التخصصات يستخدم المواضيع الدينية والجماليات المعمارية وعناصر ثقافة السيارات لمناقشة الذكورة باعتبارها بناء مجتمعي – وهو البناء الذي، يرى أحمد بأنه يملي أداءً لعرض الذكورة.

كان التكرار الأول لهذا العمل حرفيًا يتمثل في إنشاء الفنان لسلسلة من الأقنعة التي لُحمت ببعضها باستخدام قطع غيار السيارات القديمة. كان تأثير الأقنعة عندما يرتديها أحمد مثيرًا للغاية، بالمعنى الحرفي والمفهومي. في هذا العمل، يجادل الفنان بفعالية بأن القيود المفروضة على البناء الاجتماعي للذكورة تقوض التطور العاطفي لدى الرجال. تم تحفيز إنشاء هذه السلسلة من خلال الأسئلة التي كان يتصارع معها بخصوص السماح لنفسه بأن يكون ضعيفًا في علاقة شخصية، وكيف ينبغي إعادة التفكير في مفاهيم الذكورة المفروضة بشكل يسمح له باتصالات شخصية أفضل.

وضع أحمد نصب عينيه إنشاء برنامج إقامة لفناني القارة الأفريقية في القاهرة. ويأمل أن يساعد برنامج الإقامة هذا على تعزيز الحوار وتوسيع الفهم والممارسة الثقافية المصرية بما يتجاوز الإيديولوجيات التي تتمحور حول الغرب والتي غالباً ما تكون متأصلة في المجال الفني المصري اليوم.

في الوقت الحالي، يركز أحمد على الاستعداد لمعرض فردي في غاليري سارة زانن Sara Zanin في روما، ومعارض جماعية قادمة في الشرق الأوسط.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى