مقالات رأي

الفلسفة: الطريقة المثلى للتعلم ومحاربة التشدد

في الأردن، وطني الأم، كان هناك جدل فعال في الأشهر الأخيرة حول تدريس الفلسفة في مدارس وجامعات المملكة. بدأ النقاش في الواقع منذ فترة، لكنه عاد من جديد منذ عام، عندما قامت الجامعة الأردنية بإدخال مساق دراسي إلزامي لجميع الطلاب الجامعيين باسم “مدخل إلى الفلسفة والتفكير الناقد”.

في آب/ أغسطس، نشر أعضاء هيئة التدريس في قسم الفلسفة في الجامعة الأردنية بياناً مشتركاً يدعو إلى إعادة تدريس الفلسفة في المدارس والجامعات الأردنية، “من أجل تعزيز الفكر الناقد والإبداع ومكافحة المتطرفين”. حظيت حملتهم بدعم عدد من المفكرين مثل الكاتبة البارزة زليخة أبو ريشة. كانت الفلسفة تُدرس في المدارس الأردنية حتى عام 1976، عندما ألغيت بعد ضغوط من الزعماء الدينيين في وزارة التربية والتعليم.

يبدو هذا الاهتمام المتجدد بالفلسفة أمرًا جيدًا بالتأكيد، لكن من المهم أن نفهم لماذا يتوجب على المختصين في التعليم في المنطقة العربية تدريس الفلسفة للطلاب.

ومن المهم أيضًا أن نعرف كيف سنقوم بتدريسها – دون إثقال كاهل الطلاب بمادة إلزامية أخرى يتم تدريسها من خلال الحفظ فقط.

لماذا يتوجب علينا تدريس الفلسفة

هناك أدلة على تحسن ثقة الطلاب بأنفسهم عندما تكون قدراتهم المنطقية قوية، إذ سيكون في إمكانهم رؤية التناقضات في الأفعال الإنسانية وتحدي المبادئ الأخلاقية العقائدية البحتة. ويمكن أن يساعد التفكير الناقد الطلاب على التفاعل مع الظروف الاجتماعية السلبية التي تواجهها المنطقة. ربما يبدو تدريس الفلسفة في الفصول الدراسية، حيث يكافح الطلاب مع قضايا مثل انعدام المساواة والفقر، مسألة عبثية، لكن يمكننا أن نوضح بأنها ليست كذلك.

هناك القليل من البحوث لإثبات أن غياب مساقات الفلسفة في المدارس أو الجامعات في المنطقة العربية يتسبب في انتشار الأفكار المتطرفة والانغلاق الفكري والآراء المسبقة. لكن الأبحاث حول تدريس الفلسفة في بعض الفصول الدراسية في المملكة المتحدة أظهرت أن الفلسفة ساعدت على تنمية القدرات الاجتماعية والإدراكية للأطفال وزادت من قدرتهم على الارتباط والتكيف في المنزل وفي بيئات اجتماعية أخرى.

يقول بعض العلماء إن الفلسفة تؤدي إلى تحسن كبير في القدرات الرياضية والقراءة. وتحدث آخرون بشكل إيجابي عن الفوائد الأخلاقية للفلسفة، مجادلين بأن دمج الفلسفة في المنهج سيؤثر بشكل مباشر على التطور الأخلاقي للطلاب ووعيهم وتعلمهم وتفكيرهم المستقل.

لكن أي مدرسة للفلسفة يجب أن يتم تدريسها: الفلسفة الغربية، الفلسفة الإسلامية أم الفلسفة غير الغربية، أو شيء عالمي، يجمع بين جميع التقاليد الفلسفية؟

أساليب لتدريس الفلسفة

نريد أن نشجع قدرات الطلاب الفطرية على تحديد الحقيقة والتمييز بين الخير والشر، فكيف يمكننا القيام بذلك؟

أتذكر الفتاة اليمنية في سن المراهقة، والتي كنت أدرسها تمهيداً لامتحان دراسي هنا في مدينة نيويورك، حيث أعيش. كنت أساعدها في التحضير لامتحان في تاريخ العالم، كجزء من التحضيرات لقبولها في النظام التعليمي المحلي. في محادثة حول التاريخ، أعطتني نظرية واضحة ومحددة بوضوح حول كيفية عمل التاريخ، وقد كانت بالكامل نتيجة لفكرها المستقل. هناك شيء جيد وسيء في الناس، كما قالت، وسيستمر وجود الخير والشر دائمًا. لكن، في بعض الأحيان، يبرز أشخاص مثل نيلسون مانديلا ممّن يلهمون الخير في الناس للتغلب على الشر. كانت هذه الفتاة اليمنية، مثل العديد من الشباب، فيلسوفة طبيعية. يوضح هذا المثال كيف يمكن أن يساعد التفكير الفلسفي في دراسة موضوع معين.

هناك أسئلة أخرى يتوجب علينا أن نطرحها. فعندما نقوم بتدريس الفلسفة، هل نفكر في الآثار الاجتماعية للتعليم؟ هل يفكر أولئك الذين يدعون إلى تدريس الفلسفة في أفكار جون ديوي، الذين رأى بأن الفلسفة والمجتمع الديمقراطي المتساوي يدعمان بعضهما الآخر؟

في المنطقة العربية، تلقينا الكثير من النصائح من الخارج في السنوات الأخيرة حول كيفية إصلاح أنظمتنا التعليمية، ولاسيما في إطار حرب الحكومة الأميركية على “الإرهاب”. ويركز جزء كبير من تلك النصائح على الحاجة إلى تعليم التفكير النقدي.

تهدف مشاريع مثل الإصلاح التعليمي من أجل اقتصاد المعرفة في الأردن، الممول من البنك الدولي في الفترة من 2003 إلى 2010، إلى تحديث وتطوير المهارات التقنية والإبداعية للطلاب من خلال التفكير النقدي وحل المشكلات.

في كلمته التي ألقاها في مؤتمر حول الإسلام والعالم الإسلامي اليوم، والذي عُقد في الأردن عام 2006 تحت رعاية الملك عبد الله الثاني، دعا توني بلير – رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك – على وجه التحديد إلى التخلي عن أساليب التدريس التي تعتمد على الحفظ والاستظهار عن ظهر قلب والعقيدة الدينية الجامدة.

وبالتوازي مع ذلك، نشرت منظمة اليونسكو في عام 2014 دليلا تربويًا للفلسفة بعنوان “دليل الفلسفة: منظور بلدان الجنوب” بتمويل من برنامج الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الدولي لثقافة السلام والحوار. يقدم الدليل فهما شاملاً للفلسفة من منظور شعوب جنوب العالم، قارة فقارة. ويهدف هذا العمل إلى تشجيع نمو الطلاب من خلال توليفة تجمع ما بين التأملات الفلسفية والحوار بين الثقافات.

في أماكن أخرى من المنطقة، كانت هناك مبادرات مستقلة لتعزيز التعليم غير التقليدي القائم على العلوم والمنطق. ومن أبرز هذه المؤسسات أسفار، وهي منظمة غير حكومية تركز على حل النزاعات، وأكاديمية التحرير، وهي منصة تعليمية على الإنترنت كانت لها بداية واعدة قبل أن تواجه صعوبات مالية.

في جوهره، يهدف تدريس الفلسفة إلى منع التلقين الأيديولوجي، وتشجيع التحقق والسعي إلى الحقيقة ورفض الاستبداد السياسي والكراهية والمفاهيم الخاطئة حول ما هو غير مألوف. هذه الأهداف جديرة بالاهتمام، ولن يكون من المستحيل تحقيقها إذا كان التربويون وصانعو السياسات التعليمية سيلتزمون بها.

*عفاف الخشمان، طالبة دكتوراه في برنامج الأنثروبولوجيا والتربية في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى