أخبار وتقارير

مدينة عراقية تعرض نموذجًا للتخطيط الحضري الشعبي

دهوك، العراق – تقع مدينة دهوك على بعد أكثر من ساعة بقليل إلى الشمال من مدينة الموصل، وهي بلدة صغيرة تنمو بسرعة في محافظة دهوك، وتقع في وادٍ محاط بقمم متعرجة. غالبًا ما جعلت ميزة أمان المناطق الجبلية في دهوك من المدينة وجهة للأشخاص الذين يفرون من الصراعات.

شجعت هذه التدفقات السكانية السريعة على إنشاء أحياء عشوائية تم بناؤها دون إذن أو إشراف من الحكومة، حيث يقوم اللاجئون في نهاية المطاف ببناء المزيد من المساكن الدائمة.

يُنظر إلى السكن العشوائي، الذي يمكن مشاهدته في ضواحي العديد من المدن العربية، على أنه مشكلة في الصحة والسلامة وليس حلاً عمليًا طويل الأمد لأزمة الإسكان. وعادة ما يتم بناء المنازل من قبل السكان أنفسهم بدلا عن الاعتماد على عمال وبنائين محترفين. تمتاز هذه الاحياء بكونها مكتظة بكثافة مع وجود غرف ضيقة، وسوء شبكات الصرف الصحي، وشوارع ضيقة، وكثيرًا ما تكون بعيدة عن المدارس أو المحلات التجارية. وقد بُنيت بعض هذه الأحياء بسرعة كبيرة لدرجة أنها لا تظهر على خرائط جوجل.

لكن الأكاديميين الذين يدرسون هذه الظاهرة يقولون بأن الأمر قد بدأ بالتغير في السنوات الأخيرة. حيث أن تصميم أحدث مساكن دهوك العشوائية أفضل من تصميم تلك الأحياء التي ولدت في نزاعات سابقة، فشوارعها أوسع، والمنازل أكبر، وهناك قطع أراضٍ للمرافق الأساسية مثل المحلات التجارية. تقول ليلى محمد رسول، عميدة كلية الهندسة في جامعة نوروز في دهوك، “لقد أصبح الناس، وهم من المزارعين في العادة، الذين يبيعون القطع لبناء مساكن عشوائية، أكثر ذكاءً”.

في الماضي، كانت الحكومات المحلية معروفة باقدامها على هدم عدد محدد من المنازل العشوائية بهدف توسيع الشوارع، وتحسين الوصول، ومكافحة مشاكل الصرف الصحي ومخاطر الحرائق. وهذا ما جعل المشترين أكثر حذرا.

قالت رسول، “يجب على المزارعين [الآن] أن يكونوا قادرين على طمأنة زبائنهم بأن الأمر لن يوقعهم في مشاكل مع الحكومة.”

ليلى رسول تشير إلى منطقة على الخريطة تحتاج إلى تحديث لتمثل بعض أحدث المساكن العشوائية. (تصوير: بنجامين بلاكيت).

يتفق آخرون في الجامعة حول نهج مُلاك الأراضي. قال نشوان شكري عبد الله، أستاذ الجغرافيا الحضرية في جامعة دهوك، “لدى المُلّاك خبرة أكبر الآن مقارنة بالثمانينات أو التسعينيات، فقد غيروا طرق بنائهم.”

يعتبر السكن العشوائي مشكلة إقليمية ويمكن أن يكون سببها التمدن والصراع أيضًا. فبحسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان الحضر في العالم العربي خلال الأربعين سنة القادمة. (راجع المقال ذات الصلة، “باحثون عرب يعملون على حل مشاكل السكن العشوائي“)

بينما تناضل الحكومات من أجل مواكبة وتيرة تنامي مدنها، يعتبر السكن العشوائي نتيجة طبيعية، بحسب عبدالله. وقدر الخبراء أن ما يقرُب من ثلثي مساحة القاهرة الحضرية يتألف من مساكن عشوائية.

وبهدف توضيح وجهة نظرها حول كيفية تغير المستوطنات العشوائية، تشير رسول إلى حيين في دهوك. بُني الحي الأول، حي باروشكي، على مقربة من مركز دهوك في الثمانينيات وهو مكتظ بالسكان بشكل كبير مع شوارع ضيقة تعاني من مشاكل في الصرف الصحي. أما الحي الثاني، بيسيري، فيقع في ضواحي دهوك وقد بدأت المنازل في الظهور حوالي العام 2007 وما زالت تُبنى حتى اليوم.

عاش محمد حامد، البالغ من العمر 27 عامًا، في حي الباروشكي المكتظ بالسكان طوال حياته. ويتشارك منزلًا صغيرًا مع شقيقه ووالديه وأعضاء مختلفين من أسرته الكبيرة. يعتبر منزل حامد نموذجًا لمنازل الحي. وقد بنى والده المنزل بيديه على قطعة أرض كانت أرضًا زراعية في ثمانينيات القرن العشرين. ويدعم المنزل ومحيطه أيضا وبشكل مباشر منازل أخرى من ثلاثة جوانب ورصيف الشارع الضيق في الخارج غير مستوٍ.

محمد حامد (إلى اليمين) مع شقيقه (في الوسط) ووالده (يسارًا) خارج منزلهما في باروشكي. (تصوير: بنجامين بلاكيت).

يقع حي بيسيري على بعد 15 دقيقة بالسيارة وله قصة مختلفة. فكل ما يظهر من حي بيسيري على خرائط جوجل هو محطة للوقود، تقف على جانب الطريق السريع المتجه خارج المدينة، ولكنه في الواقع أحدث ضواحي دهوك.

لا يزال الحي جزءً من أحياء الطبقة العاملة في المدينة حيث تكلف قطع الأرض حوالي 5,000 دولار أميركي، بحسب رسول، ولكن الطرق واسعة بما فيه الكفاية لركن السيارات والمرور، وهناك مساحات بين البيوت. بل أن لبعض المنازل شرفات أو حدائق صغيرة.

كما يوجد في بيسيري محلات تجارية، وهو ما لم تمتلكه المناطق العشوائية القديمة إلا بعد وقت طويل من بنائها، هذا ان توفرت أصلاً.

لا يزال بيسيري عبارة عن حي للطبقة العاملة في دهوك، لكن المُخطط – بما في ذلك حجم الشوارع – قد تم التفكير فيه. (تصوير: بنجامين بلاكيت).

يبدو الخبراء غير متأكدين في ما إذا كان هذا الاتجاه الاجتماعي أمرًا جيدًا أم لا. يقول عبد الله بأن السكن العشوائي الجديد قد يمثل تحسنًا مقارنة بما كان يحدث من قبل، لكنه لا يزال يعني بأن الحكومة تحاول اللحاق بالركب وأن الحل الحقيقي يتمثل في بناء مساكن آمنة مبنية بتخطيط حضري حقيقي وإذن حكومي

قال عبد الله، “قد يكون ذلك أفضل بالنسبة للسكان لكنه لا يزال سيئًا بالنسبة للمحافظة لأنها ما زالت بحاجة إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذه المستوطنات وحل مشاكلها. قد تضطر المحافظة إلى إنفاق الأموال لإعادة تطوير المنطقة وتوفير خدمات مثل المدارس والمراكز الصحية.”

لكن، وحتى يكون في الإمكان بناء مساكن أرخص وبأسعار معقولة تتوافق مع قوانين البناء، كما يقول المخططون المدنيون، فمن المرجح أن يستمر الاتجاه العشوائي للإسكان في المنطقة.

سامان جلال، صاحب متجر في بيسيري، وقد بنى المبنى بنفسه قبل ثلاث سنوات عندما انتقل من باروشكي للاستفادة من قطع الأراضي الأكبر. (تصوير: بنجامين بلاكيت).
Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى