أخبار وتقارير

معرض للاحتفاء بالفن الإسلامي المعاصر في لندن

في دورته الخامسة هذا العام، يقدّم معرض جائزة جميل للفنون في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن عرضًا لمواهب مواطني الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث يقدم مجموعة متنوعة ومختارة بعناية من الفنون والتصاميم المستوحاة من الفن الإسلامي.

تعتبر جائزة جميل للفنون، التي تُمنح كل سنتين، من أكثر الجوائز المرموقة للفنانين والمصممين المعاصرين الذين يستوحون أعمالهم بشكل خاص من الفن والتصميم الإسلامي التقليدي، وهي واحدة من الجوائز القليلة في عالم الفن العالمي التي تركز على الفن الإسلامي.

تأسست هذه الجائزة من قبل منظمة “الفن جميل”، والتي تتخذ من دبي والمملكة العربية السعودية مقرا لها، بالشراكة مع متحف فيكتوريا وألبرت منذ عشر سنوات بعد الانتهاء من معرض جميل للفنون الإسلامية في المتحف. يركز المتحف، المعروف باسم V & A، على فن التصميم منذ إنشائه في خمسينات القرن التاسع عشر ويدعي بأنه أول مؤسسة في العالم تبدأ في جمع الفن الإسلامي بشكل هادف، اعتقاداً منه بأن أنماط وتصاميم الفنون الإسلامية يمكن أن تكون بمثابة حافز لتحسين التصاميم البريطانية.

وفي سعيها لتسليط الضوء على مجموعة واسعة من التصاميم والمواهب، منحت جائزة جميل للفنون شبكة واسعة في كل مرة تتم فيها إدارتها، مما لا يسمح بعرض مزيج مثير من الوسائط الفنية المختلفة جنبًا إلى جنب فحسب، بل إنها تعرض بطريقة ناجحة الطريقة التي تستمر من خلالها فلسفة التصميم الإسلامي في تخطي مختلف الاحتمالات الفنية. إذ حفزت الجائزة حدوث محادثةً إبداعيةً أكبر، وعززت من نمو فرص التعاون بين الفنانين والقيمين على المعرض ومتحف فيكتوريا وألبرت اليوم.

وبينما تسعى كل من المتاحف والمؤسسات الأكاديمية إلى إعادة تعريف وتوسيع ما كان في الماضي مفهومًا ضيقًا للفن الإسلامي، تهدف جائزة جميل للفنون إلى دعم واستكشاف العلاقة بين تاريخ الفن الإسلامي وممارسات الفن المعاصر اليوم. وتُمنح جائزة قدرها 25,000 جنيه استرليني (تبلغ قيمتها حاليًا حوالي 32,800 دولار أميركي) للفائز الذي يتم اختياره من قائمة قصيرة من المتأهلين للتصفيات النهائية، الذين تم اختيارهم من بين مئات من المتقدمين المرشحين من قبل الفنانين والمصممين والقيمين والشخصيات الثقافية من جميع أنحاء العالم.

مسجد مارينا تبسّم “بيت الرؤوف” في دكا في عام 2012.(تصوير: ساندرو دي كارلو دارسا)

تقاسم الجائزة الأولى بالمناصفة

هذا العام، تم منح الجائزة الأولى لفنان من العراق ومهندسة معمارية مقيمة في بنغلاديش.

يشتهر الفنان الفائز مهدي مطشر بأعمال تجريدية مستوحاة من الهندسة والخط الإسلاميين، بالإضافة إلى الأسلوب الهندسي التجريدي الذي واجهه عندما انتقل أول مرة إلى باريس في الستينيات.

كما تم تكريم المهندسة المعمارية، مارينا تبسّم، لتصميمها مسجدًا بُني في دكا في عام 2012 باسم بيت الرؤوف، والذي يتضمن أسلوبًا ومواد بناء تقليدية لإنشاء مكان لتجمع المجتمع.

وشملت قائمة المتأهلين الآخرين كامروز آرام، وهو فنان إيراني مقيم في نيويورك، وهيف كهرمان، وهي رسامة عراقية كردية تعيش وتعمل في لوس أنجلوس، وهالة كايكسو، مصممة الأزياء البحرينية، ويونس رحمون، فنان الوسائط المتعددة المغربي، والرسامة الباكستانية وردة شابير؛ ومجموعة نقش، التي أسستها الشقيقتان والمصممتان الأردنيتان نسرين ونرمين أبوديل.

تبرز نسخة هذا العام من جائزة جميل للفنون قائمة “أوائل” جيدة: فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تقسيم الجائزة الكبرى بين اثنين من المتأهلين للتصفيات النهائية والمرة الأولى التي يتم فيها منحها لمهندس معماري. كما شهد هذا العام أيضاً أول مرة يتم فيها تقديم ترشيحات لأعمال من بنغلاديش والبحرين والأردن، مما يسلط الضوء على الكيفية التي يمكن من خلالها العثور على المواهب في مجموعة متنوعة من المواقع.

قدم نحو 375 من المتنافسين من جميع أنحاء العالم أعمالًا أو مشاريع فنية تم إنجازها مؤخرًا في المسابقة هذا العام.

قال صلاح حسن، العضو في لجنة التحكيم في الجائزة وأستاذ تاريخ الفن الأفريقي والإسلامي في جامعة كورنيل في نيويورك، في بيان صحفي، إن اختيار الفنانين للقائمة القصيرة للمرشحين النهائيين لهذا العام “يوسع آفاقنا لما تعنيه الحداثة والمعاصرة حقًا، ويثري فهمنا لعالم الفن المعولم بحق بما يتجاوز حدوده الحالية.”

عمل تريسترام هانت، مدير متحف فيكتوريا وألبرت، رئيسًا للجنة تحكيم الجائزة. وشمل الأعضاء الآخرون في لجنة التحكيم تانيا هارود، مؤرخة التصميم المستقلة المقيمة في لندن، ونوفمبر بينتر، مديرة البرامج في متحف تورنتو للفن المعاصر؛ وغلام محمد، وهو فنان باكستاني كان قد فاز بجائزة “الفن جميل 4”.

من معرض جائزة جميل للفنون في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن.

معرض مثير للتفكير

تم تقديم المجموعة المختارة من قبل لجنة التحكيم والمؤلفة من ثمانية أعمال في معرض نظمه تيم ستانلي، المنسق الفني في المتحف والمختص بفن الشرق الأوسط الإسلامي، وسلمى طوقان، القيّمة على الفنون والتصاميم المعاصرة من الشرق الأوسط. يتيح العرض التقديمي للزائرين فهم الفروق الدقيقة في تأثير الفن الإسلامي على النهج الفردي لكل فنان لتفسير التصميم الإسلامي في ممارستهم، مع إبراز الكيفية التي يكون فيها كل فنان جزءً من حوار فني أكبر.

ترحب مقاطع فيديو قصيرة خاصة بكل فنان وممارساته بالزائرين عند مدخل المعرض، وتستحق المشاهدة لمعرفة الأفكار المستمدة من كل فنان حول نقاط إلهامهم قبل التقدم لمشاهدة الأعمال.

ومن بين المعروضات المثيرة للتفكيرعمل الفنان كامروز آرام بعنوان “ضباب أفسسي” Ephesian Fog، ( (2016، وهو جزء من سلسلة أعمال تشجع المشاهدين على طرح الأسئلة حول كيفية تقديم المتاحف تاريخياً للفن الإسلامي بطريقة تفرض مفهومًا للتأريخ واللامبالاة المعاصرة على الأشياء ذاتها. وباستيحاء ذلك من أعمال في المعارض الإسلامية في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، نجح آرام في إعادة تفسير التصميم الإسلامي في عمل متعدد الوسائط يضع الأشياء الصغيرة جنبا إلى جنب على جدار مصبوغ بدرجات غامقة من الأحمر والأخضر الخاص بأعياد الميلاد. يُجبر المشاهد على النظر في الكيفية التي تتشارك فيها الهندسة الإسلامية والأشكال الهندسية المجردة في الفن المعاصر من الناحية المفاهيمية أكثر مما كان يُلاحظ من قبل.

يعتبر عمل شال (2015)، وهي قطعة مجموعة نقش المتأهلة للقائمة القصيرة، عبارة عن إبداع نحتي كبير ليس لقطعة أثاث ولا قطعة فنية بسيطة، بل لسطح مستوٍ يتحمل كلا الإمكانيتين. وبصنعها من خشب الجوز، يستوحي العمل أنماط التطريز الفلسطيني، والتي تم قطعها بالليزر في الخشب. يستحضر العمل الأنماط المتشابكة على شال تم استخدامه وارتداءه لفترة طويلة. في بعض الأماكن، تكون الزخارف واضحة للعيان؛ وفي أماكن أخرى، تبدو الزخارف محفورة بسطحية وقد تظهر مسطحة وممحوة تقريبًا.

تم استخدام فكرة التطريز الفلسطيني مرارًا وتكرارًا من قبل فنانين فلسطينيين وعرب آخرين للتلميح إلى النضال الفلسطيني، لكن العمل هنا يشيد بالتراث الثقافي الثري للشعب الفلسطيني ويقترح بإمكانية أن يحافظ هذا التقليد على علاقة معاصرة وثقافية، وبمثابة تذكار بأن الشعب الفلسطيني غير قابل للمحو.

تقدم لوحة يونس رحمون في المعرض مجموعة من القبعات المنسوجة التقليدية في المغرب مستندة على مصدر للضوء، وتشير جميعها إلى اتجاه مكة. وبعرضها في غرفة شيدت وسط المعرض، يلمح العمل بمهارة إلى مفهوم الفضاء المقدس للصلاة والعبادة.

تعود ملكية العديد من الأعمال في المعرض للقطاع الخاص وقد تم قرضها للمتحف. ومع ذلك، يحاول المتحف الحصول على بعض الأعمال من كل جائزة، بحسب القيّمة على المعرض سلمى طوقان، حيث قالت، “لكونها توضح العلاقة بين التاريخ والتقاليد والمجتمع المعاصر من خلال الابتكار وتفسير الممارسين المعاصرين.”

قالت طوقان “تعكس الأعمال أيضًا دوافع متحف فيكتوريا وألبرت لإيجاد طرق مثيرة للاهتمام لتسليط الضوء على الاعتراضات التاريخية في مجموعاتنا وجعلها ذات صلة ليتفاعل معها جمهورنا.”

عمل متعدد الوسائط للفنان كامروز آرام، الصورة من معرض الفن الأخضر/دبي.

ربما نتمكن من رؤية عمل رحمون المعروض في المستقبل إلى جانب سجادة أردبيل الشهيرة في متحف فيكتوريا وألبرت، والتي يصفها المتحف بأنها أقدم سجادة مؤرخة في العالم وواحدة من أكبرها.

أثبتت جائزة جميل أن رعاية الفن المستوحى من الإسلام يمكن أن تشرع في محاورة وتعليم جماهير جديدة حول الفنانين والمصممين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، من خلال تركيزها على تنمية المواهب ورعايتها في المنطقة وبين الفنانين في الشتات.

سيستمر المعرض الحالي في عرض الأعمال في لندن حتى 25 تشرين الثاني/ نوفمبر. وبعد ذلك، سينتقل المعرض إلى مركز جميل للفنون في دبي، والمقرر افتتاحه للجمهور في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى