أخبار وتقارير

تراجع اهتمام الجهات المانحة بتقديم المنح الدراسية للاجئين

تم نشر هذه القصة ضمن سلسلة من القصص حول المنح الدراسية المتوفرة للاجئين السوريين، بالإضافة إلى قصة أخرى تكشف رغبة الشباب السوري المستمرة في الوصول إلى التعليم العالي، والعقبات التي يواجهونها. كما يسرد ملف للمعلومات برامج المنح الدراسية الرئيسية المتوفرة حالياً للاجئين.

يشهد اهتمام الجهات المانحة بالشباب السوريين الراغبين في إتمام تعليمهم العالي ضعفاً وتراجعاً، في حين أن المنح الدراسية المتوفرة عاجزة عن تلبية الطلب. إذ يبدو أن المنظمات الدولية، التي ما زالت تحاول تحسين الفرص التعليمية للشباب السوري، قد تحولت إلى برامج مهنية مخصصة لملائمة الواقع السياسي والاقتصادي القاسي في بعض البلدان المضيفة. كما تتزايد الجهود لإقناع الحكومات بأن استضافة اللاجئين يمكن أن تكون ذات فوائد اقتصادية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: عمل اللاجئين في المنطقة العربية: معضلة لا تنتظر حلاً.)

في الوقت ذاته، لا تشهد حاجة اللاجئين إلى المساعدة الاقتصادية والتعليم تراجعًا، بل تبدي وكالات اللاجئين تخوفها من احتمال نزوح 700,000 سوري آخرين مع استمرار القتال، بحسب ما كشف تقرير صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في أيلول/ سبتمبر. أدى الصراع السوري بالفعل إلى نزوح أكثر من 13 مليون شخص وفرار أكثر من 5 ملايين آخرين إلى الدول المجاورة، بحسب وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

بعد بدء النزاع، كان تمويل الجهات المانحة للتعليم العالي بطيئًا. فبين عامي 2014 و2016، بدأ القليل من تمويل التعليم العالي للسوريين الذين يعيشون في البلدان المجاورة لسوريا بالتدفق. وفي بعض الحالات، اتسعت تلك النسب لتشكل تدفقًا قويًا.

قامت مبادرة ألبرت آينشتاين الألمانية الأكاديمية للاجئين (DAFI)، على سبيل المثال، والتي تمولها الحكومة الألمانية، بزيادة المنح الدراسية للسوريين بشكل كبير. ففي عام 2017، كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تساعد 2,528 سوريًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على إتمام درجة البكالوريوس في الدول التي يعيشون فيها، بحسب متحدث رسمي في المفوضية. وهذا ما جعل السوريين يشكلون 38 في المئة من جميع المستفيدين من DAFI. (اقرأ المقال ذو الصلة تطور كبير في أول برنامج منح دراسية للاجئين.)

في غضون ذلك، قامت سبارك، وهي منظمة هولندية غير ربحية تعمل على تعزيز التعليم العالي وريادة الأعمال في البلدان المتضررة من النزاعات، بزيادة جهودها من أجل السوريين. فمع مطلع العام الحالي، أتاح برنامج التعليم العالي للسوريين التابع للمنظمة ما مجموعه 8,398 منحة للسوريين للحصول على درجة البكالوريوس أو التدريب المهني في جميع أنحاء المنطقة العربية. وقال ممثلو المنظمة إن سبارك تتوقع تقديم ما مجموعه عشرة آلاف منحة دراسية للسوريين بحلول عام 2020.

يؤكد يانيك دو بونت، مدير سبارك، في مقابلة أجريت معه، بأن هذه البرامج الضخمة قد تتوسع، لكن يبدو أن تمويل المنح الدراسية ككل يشهد حالة من الركود، بينما ارتفع عدد المتقدمين بشكل كبير. إذ تقدم حوالي 18,000 لاجئ بطلبات للحصول على 4,000 منحة تقدمها سبارك في عام  2016؛ وتقدم نحو 44,000 شخص بطلبات للحصول على ما يزيد قليلا عن 8,000 منحة دراسية في عام 2018. وهذا يعني ارتفاع عدد المتقدمين على كل فرصة متاحة من 4.5 لكل فرصة إلى 5.5 لكل فرصة.

قال “شهدنا طفرة هائلة في المنح الدراسية بعد وصول المهاجرين إلى أوروبا. لا أرى هذا النوع من التوجه الآن.”

يواجه الطلاب داخل سوريا صعوبات أيضاً لاستكمال تعليمهم العالي. فعلى الرغم من أن الجامعات الحكومية لا تتقاضى رسوماً مرتفعة، لكن الطلاب يحتاجون لتأمين تكاليف النقل وكراسات الدراسة ومعيشتهم اليومية. كما تبدو فرص الطلاب النازحين شبه معدومة نتيجة ظروف حياتهم الصعبة. إذ لم يتمكن سوى طالب واحد من أصل 100 نزحوا من قرى قرب حمص من الالتحاق بالجامعة، بحسب متطوعة كانت تعمل داخل مركز إيواء. قالت “لايوجد أي دعم أو منح. لا شئ.”

في وقتٍ سابق، حول العديد من المانحين الدوليين الأموال من البرامج العالمية الأخرى إلى الأزمة السورية بشكل مؤقت. إذ أدت الأزمات الإنسانية الجديدة، مثل نزوح الروهينجا من ميانمار، إلى سحب دعم المانحين. قال كارستين فالبينر، مدير برنامج آمال HOPES، وهو برنامج للمنح الدراسية من خلال الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي (DAAD) التي تمول التعليم العالي في جميع المراحل للسوريين، “لا يمكنهم تخصيص ذات المبالغ من المال لسوريا الآن مع كل هذه الطلبات من أفريقيا وأماكن أخرى. لم يحصل الكثيرون على المزيد من التمويل واضطروا إلى تخصيص أموال لسوريا من ميزانيات أخرى. لكن القصة أصبحت مختلفة الآن.”

من المقرر أن يتوقف تمويل مبادرة آمال، على سبيل المثال، في نهاية عام 2019. ومنذ عام 2016، قدم البرنامج 653 منحة للحصول على درجة البكالوريوس والماجستير، فضلاً عن التدريب المهني، للسوريين في جميع أنحاء المنطقة العربية.

انتهى برنامج Edu-Syria، وهو برنامج للمنح الدراسية تقدمه الجامعة الألمانية الأردنية، بعد تقديمه ما مجموعه 1,426 منحة دراسية للحصول على درجة البكالوريوس والماجستير والتدريب المهني منذ العام 2015 لكل من السوريين والأردنيين، بحسب فايد سياج، مساعد مدير المشروع  فايد سياج.

قال سياج إن ذلك في الغالب يتعلق بعدم تيقن الجهات المانحة بشأن نتائج الأزمة السورية. وأضاف “لأن مشروعنا مخصص بشكل أساسي للاجئين السوريين، فإن الوضع السياسي يقول إن اللاجئين السوريين سيعودون إلى بلدهم. معظم المانحين يفضلون الانتظار وتقديم التمويل للشعب السوري في بلاده.” في حين تؤكد الوكالات الإنسانية أن “العودة الآمنة” ليست واقعية بعد.

طالبة سورية تدرس في لبنان. (تصوير: نذير حلواني).

قال أنس بو هلال، خبير البرامج في المكتب الإقليمي لليونسكو في لبنان، إن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قد أوقفت تمويلها لبرنامج “سد الفجوة في التعلم للشباب” هذا العام.

بعد تقديم أكثر من 1,018 منحة دراسية للطلاب السوريين والأردنيين واللبنانيين للحصول على درجة البكالوريوس أو التدريب المهني بين عامي 2016 و2017، انتهى البرنامج في مطلع عام 2018 ولن يتم تجديده. قال بو هلال “التمويل هو القضية.”

اتخذ بعض المانحين طريقاً يتعارض مع الاتجاه السائد، فقد تعهدت مؤسسة الغرير للتعليم، ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، بتخصيص مبلغ 27 مليون دولار أميركي على مدى السنوات الثلاث المقبلة لتعليم اللاجئين، مع ذهاب بعض هذه الأموال إلى الطلاب في المدارس الثانوية والتعليم العالي.

في تركيا، حيث أعيد توطين الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين، أدى الوضع السياسي المضطرب، بالإضافة إلى العوائق الصارمة أمام الالتحاق بالجامعات والأجور العالية، إلى إنشاء نظام للتعليم العالي يصعب على اللاجئين السوريين التنقل فيه، بحسب دراسة صدرت عام 2017 أجراها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت.

في لبنان، حيث يعاني الاقتصاد من انخفاض معدلات النمو، أصبحت الحكومة أكثر صرامة في منع المنظمات غير الحكومية من تمويل البرامج المخصصة للاجئين حصرًا، بحسب جيما بينّيك، مديرة البرامج الإقليمية لبرنامج سبارك للتعليم العالي للسوريين.

يقول المسؤولون الحكوميون، بحسب بينّيك، بأن “أي منظمة غير حكومية تعمل في لبنان يجب أن توضح بشكل جلي أي الفوائد ستعود على المجتمع اللبناني وسكانه.” وهو ما يماثل الوضع في الأردن، حيث يتعين على برامج المنح الدراسية للاجئين عادةً تخصيص جزء من المنح  للأردنيين المحرومين.

كما يواجه الشباب السوري في لبنان صعوبة في الوصول إلى تعليم جيد في المراحل الابتدائية والثانوية. ولا يصل الكثير من الشباب السوري إلى التعليم العالي أبدًا، وغالباً ما يكون هؤلاء اللاجئون السوريون الذين يصلون إلى الجامعة غير مؤهلين بشكل كاف.

نتيجة لذلك، فضلاً عن العديد من العوائق الأخرى، مثل حاجة الشباب لكسب المال لإعالة أسرهم، فإن العديد من برامج المنح الدراسية في البلاد تشهد معدلات تسرب عالية.

في عام 2013، تسرّب أكثر من 50 في المئة من مئات السوريين الذين حصلوا على منح دراسية للحصول على درجة البكالوريوس من خلال برنامج المنح الدراسية للسوريين من الجمعية اللبنانية للبحث العلمي (LASeR)، بحسب مصطفى الجزار، رئيس المنظمة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: طريقة جديدة لتأمين مقاعد للطلاب السوريين في الجامعات).

قامت الجمعية للبنانية للبحث العلمي LASeR بسرعة بإعادة ابتكار برنامجها باستخدام إجراءات تدقيق أكثر صرامة وتقديم المنح الدراسية في المجالات ذات الصلة بسوق العمل فقط. قال الجزار إن ذلك قد خفض معدل التسرب إلى 2 في المئة بالنسبة للقبولات اللاحقة.

لكن LASeR خفضت من عملها أيضًا،: ففي العام الماضي، استوعبت المنظمة 65 طالبًا فقط، مقارنة بـ 500 طالب في عام 2016. وبالنسبة للعام الدراسي الحالي، لم تقدم المنظمة سوى 40 منحة دراسية فقط.

قال “تناقص العمل بهذا الشكل لأننا شعرنا في عام 2016 بأن الأموال تتناقص. لم يعد المانحون يريدون الاستثمار في الأزمة السورية.”

طالب سوري يدرس في جامعة الجنان، في لبنان. (تصوير: نذير حلواني).

يقوم مقدمو المنح الدراسية الآن بتكييف عروضهم في محاولة لزيادة التأثير في المشهد التعليمي والاقتصادي المتغير للاجئين السوريين. اقترح فالبينر، مدير برنامج آمال،  “علينا أن نركز حقا على تطوير التدريب المهني، لأن هذا القطاع بحاجة إلى مزيد من التنمية في هذه البلدان مقارنة بالأعمال الجامعية العادية. من شأن وجود نهج أكثر استهدافًا أن يساعد هذه المؤسسات [المهنية] على التحسن.”

يقترح آخرون تعزيز المبادرات التي توجه للسوريين من خلال المتاهة المعقدة للدراسة والعيش والعمل في بلد ليس بلدهم. حيث يساعد برنامج انقاذ التابع لمنظمة UNIMED: لمساعدة اللاجئين في التعليم في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على سبيل المثال، الجامعات في لبنان والأردن والعراق على إنشاء مراكز دعم للطلاب السوريين في الحرم الجامعي.

قال ماركو دي دوناتو، الباحث في UNIMED، “إذا كنت تريد أن تكون أكثر فعالية كمقدم للمنح الدراسية، فعليك أن تناقش مع كل جامعة الكيفية التي لن يستفيد منها اللاجئون فحسب، بل الكيفية التي سيستفيد منها المجتمع المحلي كذلك. لا يتعلق الأمر بوضع استراتيجية وطنية، بل استراتيجية محلية.”

ربما لفتت العناوين الرئيسية في الصحف اهتمام المانحين إلى قضايا جديدة، لكن تداعيات الصراع في سوريا مستمرة. قال يانيك دو بونت “الحرب لم تنته بعد ومن غير المرجح أن يعود الناس في أي وقت قريب بسبب طبيعة الصراع والانقسام الطائفي. هذا يعني أن الكثير من هؤلاء الشباب سيبقون على الأرجح وسط هذه المجتمعات المضيفة، التي لا تبدو مستعدة تماماً لإدماجهم [اللاجئين السوريين] في سوق العمل.” مضيفاً “أعتقد أن هذا هو المكان الذي نحتاج لبذل المزيد من الجهد فيه الآن. نحن بحاجة للعمل مع هذه الحكومات.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى