أخبار وتقارير

تداعيات إدانة باحث بالتجسس في الإمارات على البحوث

أثارت قضية ماثيو هيدجز، طالب الدكتوراه البريطاني الذي أدانته الإمارات العربية المتحدة بتهمة التجسس، جوا من القلق بين الأكاديميين المنخرطين في الدراسة والبحث في البلاد.

قضى هيدجز، طالب الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة درهام، ما يقرب من سبعة أشهر رهن الاحتجاز في الإمارات – ومعظمها في الحبس الانفرادي – بعد اعتقاله أثناء قيامه ببحوث تخص السياسة الأمنية. وكان هيدجز من بين 785 سجينا حصلوا على عفو رسمي يوم الاثنين قبيل عطلة اليوم الوطني للبلاد. وأطلق سراحه وعاد إلى المملكة المتحدة.

في الأسابيع الأخيرة، تفاعل عدد من الجامعات والمجموعات المهنية بشكل علني مع طريقة التعامل مع هيدجز. حيث أصدرت جمعية دراسات الشرق الأوسط بيانا أعربت فيه عن قلقها إزاء “تدهور الأوضاع الأمنية للباحثين في دولة الإمارات العربية المتحدة”، وفي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، صوّت أعضاء هيئة التدريس في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة لصالح رفض التدريس في حرم الجامعة في دبي.

قال كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس في الولايات المتحدة، والذي لم يسمح له بالدخول إلى الإمارات العربية المتحدة عام 2013، “الأضرار التي لحقت بسمعة الإمارات العربية المتحدة بسبب هذه القضية عميقة للغاية. لقد أنفقوا الكثير من أجل الاستثمارات في اقامة روابط تعليمية مع شركاء غربيين. لقد تم تقويض فكرة كون الإمارات العربية المتحدة مكان آمن ومرحّب بشدة بفعل هذه القضية. سيستغرق الأمر بعض الوقت لاعادة بناء الضرر.”

في قلب القضية، تكمُن شكوك جديدة حيال نوع البحث الأكاديمي الممكن القيام به في الإمارات العربية المتحدة، ولاسيما بالنسبة للباحثين في مجال العلوم الاجتماعية. وبصفته طالب في العلوم السياسية وسبق له أن عاش في دولة الإمارات العربية المتحدة، ربما وجد هيدجز أن البحث الذي كان ممكنا في وقت من الأوقات قد أصبح السعي لتحقيقه بأمان أكثر حساسية في ظل المناخ السياسي المتغير. ربما يكون قد تجاوز عن غير قصد خطًا أحمرًا، أو الحد المسموح به، حيث لم تكن هناك مثل هذه الخطوط الحمراء في السابق.

بحسب صفحته على موقع لينكد إن LinkedIn، كان هيدجز يبحث في موضوع “استراتيجية الأمن القومي للإمارات العربية المتحدة في أعقاب الربيع العربي”. كتب هيدجز، “أنا مهتم بشكل خاص بتطور النقاش المتعلق بالأمن الوطني وأمن الدولة لدول مجلس التعاون الخليجي. وأقوم أيضا باستشارات مستقلة في مجالات التحقيقات في الشركات والاجتهاد والبحث”. يسرد ملفه الشخصي في جامعة درهام اهتماماته البحثية التي تشمل الطبيعة المتغيرة للحرب والقبلية و “الدول الضعيفة والفاشلة”. يدور أول بحث منشور له حول مجلس التعاون الخليجي والإخوان المسلمين، وهو موضوع حساس حيث يُعتبر الإخوان مركزا للاضطرابات السياسية في المنطقة العربية.

قالت لوري براند، أستاذة العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جنوب كاليفورنيا ورئيسة لجنة الحرية الأكاديمية في جمعة دراسات الشرق الأوسط، “تتعلق المسألة التي أثارتها قضية ماثيو هيدجز بعدم التيقن من طبيعة الخطوط الحمراء”.

قالت براند “لقد صُدم الناس الذين يعرفون البلاد جيدًا بسبب ما حدث. علينا الآن أن نسأل، ما هي الحدود؟ ما الذي يتوجب على الباحثين أن يتوقعوه؟ إذا لم تعد تعرف ما هي الحدود، فإن ذلك يثير تساؤلات حول كيفية تمكن الباحثين  من وضع الخطط لأبحاثهم.”

في الماضي، كان في إمكان الباحثين، بحسب براند، التعرف على المواضيع التي يمكن القيام بها بأمان من خلال التشاور ليس مع الموجهين الأكاديميين فحسب، بل مع مجموعة من الأشخاص في المؤسسات المحلية للبلاد أيضا والتي كانوا يهتمون بالعمل فيها.

قالت براند “إذا ما تخطى أحدهم أحد الخطوط الحمراء، فإن أسوأ ما كان يمكن أن يحدث هو أن يتم نقلهم إلى المطار وترحيلهم.”

تعزو براند التحول غير المتوقع في طبيعة الخطوط الحمراء للباحثين في الإمارات العربية المتحدة إلى “الاستبداد المتعاظم” في دول الخليج بسبب الانتفاضات العربية في عام 2011 والمطالب الأمنية المتزايدة بسبب العمليات العسكرية في اليمن.

كانت الإمارات العربية المتحدة مصرة على أن هيدجز قد تم استجوابه ومحاكمته وإدانته بشكل عادل. قال سليمان حامد المزروعي، سفير الإمارات لدى المملكة المتحدة، في مؤتمر صحفي، “لقد كانت هذه القضية مسألة خطيرة للغاية. نحن نعيش في محيط خطير ويجب أن يكون الأمن القومي أولوية قصوى. لقد كانت تلك أيضًا قضية غير مألوفة – حيث يزور العديد من الباحثين الإمارات العربية المتحدة بحرية كل عام دون خرق لقوانيننا.”

قالت براند بإن إدارة الرئيس الأميركي الحالية قد أعطت علنًا موافقة ضمنية على اتخاذ إجراءات كان من الممكن ان تتعرض في الماضي للرقابة باعتبارها انتهاكات لحقوق الإنسان. وقالت، “لقد أشار ترامب إلى تفضيله للتعامل مع الزعماء المستبدين، ولم يظهر اهتمامًا كبيرًا بالدفاع عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية في المنطقة.”

وأيا كان السبب، تقول براند بأن ما حصل ضد هيدجز يهدف إلى “إخافة الآخرين”. “حرفيا: إحداث تأثير مخيف”.

قد يكون لقضية هيدجز تأثير على حوالي 40 من فروع الجامعات الدولية في الإمارات العربية المتحدة، والتي يُنظر إليها على أنها تلعب دورًا أساسيًا في تحقيق “القوة الناعمة” في البلاد. قالت براند “لقد علقت الكثير من الجامعات الأميركية برامجها الدراسية في الخارج في مصر وسوريا بعد الربيع العربي في عام 2011 ولم تستأنفها بعد. كانت الجامعات تبحث عن أماكن آمنة لإرسال الطلاب إليها، وبدت دول الخليج بديلاً جذابًا. قد يتغير هذا الآن لأن إدارات الجامعات مسؤولة أمام أولياء الأمور والأوصياء، وهم غير مستعدين لتعريض الطلاب للخطر.”

بحسب أولريخسن، ستشعر دبي بالدرجة الأولى بردة الفعل، حيث تتواجد غالبية فروع الجامعات الدولية في البلاد. قال  “تقدّم دبي نفسها بصفتها مكان منفتح”. (لكن أولريخسن أشار إلى أن هيدجز قد تم استجوابه وسجنه في إمارة أبو ظبي المجاورة، وليس في دبي.) قال “لقد كانت أبو ظبي من تدير المسألة هنا”.

قبل بضعة أيام من إطلاق سراح هيدجز، نشر يانيس غريم، زميل برنامج الدكتوراه في كلية الدراسات العليا للثقافات والمجتمعات الإسلامية في الجامعة الحرة في برلين، نظرة عامة على شروط البحث الأكاديمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وصف غريم “تراجعًا كبيرًا في المناخ المبشر للبحث في أعقاب ما يطلق عليه اسم “الربيع العربي” لعام 2011.”

كتب غريم، “بما أن حماستهم توافقت مع فرص تمويل جديدة، فقد خلق الربيع العربي مزاجًا ذهبيًا دفع العديد من علماء الاجتماع إلى المغامرة والبحث في أماكن جديدة. وقد دفع هذا بشكل فعال نظام دراسات الشرق الأوسط من مكانه الجانبي ليحتل الصدارة في مجال العلوم السياسية.”

وكتب أيضا، “عندما أفسح الربيع العربي الطريق أمام استعادة الاستبداد، أصبح كل من القادمين الجدد والسلطات القديمة في حالة يقظة شرسة”.

وبينما يمكن أن يكون تعبير “الانطلاقة الذهبية” مبالغة في التقدير، إلا أن علماء السياسة الذين أثارت اهتمامهم السياسات الداخلية والمخاوف الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى قد يعطون مثل هذه الموضوعات مساحة واسعة في المستقبل، أو على الأقل سيتجنبون البحث “الميداني”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى