أخبار وتقارير

مرفق علمي جديد لدعم البحوث المشتركة في المنطقة

عمان – يتطلب إجراء الأبحاث بالنسبة للعديد من العلماء في منطقة الشرق الأوسط  السفر للعمل في مختبرات خارج المنطقة. مؤخراً، توفرت للباحثين منشأة جديدة عالمية المستوى لعلوم الفيزياء بالقرب منهم، وهو ما يأملون في أن يؤدي إلى إحراز تقدم في مجموعة واسعة من التخصصات، وتخفيض وتيرة هجرة الأدمغة من المنطقة، وتعزيز العلوم والتكنولوجيا المحلية.

يعتبر مختبر ضوء سنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط، والذي يقع على بعد حوالي 30 كيلومتر شمال غرب العاصمة الأردنية، مسرّع جسيمات، وهو أداة قوية داخل مبنى بحجم مستودع تتيح دراسة المواد على المستويين الذري وما دون الذري.

يعرف المختبر اختصارا بالاسم “سيزامي” SESAME، وهو اسم يحمل في ثناياه روابط ثقافية حية في المنطقة، فهو يشير إلى عنصر أساسي في المطبخ المحلي، وإلى حكاية شعبية عربية وردت في ألف ليلة وليلة، يكتشف فيها البطل مخبأ للكنوز عن طريق ذكر كلمة المرور السحرية “افتح يا سمسم!”

افتتح الملك عبد الله الثاني المختبر رسميًا في أيار/ مايو 2017، وبدأ الباحثون بالعمل هناك في تشرين الثاني/ نوفمبر. وتخطط إدارة المنشأة هذا العام لمضاعفة قدرتها الفيزيائية بإضافة خطين ضوئيين جديدين، وهو مصدر قوي للضوء في قلب الجهاز. وابتداءً من الشهر المقبل، سيبدأ برنامج لتشغيل المنشأة المتعطشة للطاقة باستخدام الطاقة الشمسية.

يولِّد السنكروترون حزمًا قوية من الجسيمات ما دون الذرية والتي يتم تسريعها في تركيب حلقي الشكل، قبل أن يتم توجيهها إلى هدف للتحليل؛ في الأساس، يعمل الجهاز بمثابة مجهر عملاق. تعتمد جميع مسرعات الجسيمات، مثل سمسم، على نموذج غرفة دائرية تنتج رشقات مكثفة من الطاقة المكثفة. يقع مصادم الهدرونات الكبير، وهو أكبر مُسرّع جسيمات في العالم، على الحدود بين فرنسا وسويسرا وتديره المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، المعروفة باسم سيرن؛ حيث يبلغ محيط حلقة التسريع للمصادم 27 كيلومتراً، لذلك تعتبر حلقة التسريع الخاصة بسمسم صغيرة مقارنة بالأخير، إذ يبلغ محيطها  130 متر.

يمكن استخدام حزم جسيمات السنكروتون للبحث في مجالات مثل علمي الأحياء والآثار والعلوم الطبية. في النصف الثاني من العام 2018، أجريت 23 تجربة في مصادم سيزامي من قبل مستخدمين من الدول الأعضاء وغير الأعضاء، بحسب أحد المسؤولين. على سبيل المثال، يعمل باحثون من قبرص على تحليل صفحات نص فارسي قديم: فهم يستخدمون سيزامي لإجراء التحليل الطيفي لمواد المخطوطة. يمكن أن تظهر النتائج العُمر والتركيب الكيميائي للأحبار والورق المستخدم. كما تجري أعمال مماثلة على قطع أثرية من موقع البتراء النبطي القديم، في جنوب الأردن، وهو معلم سياحي شهير في البلاد.

تتواجد حوالي 70 منشأة سنكروترون حول العالم، سواء أكانت قيد التشغيل أو تحت الإنشاء. وتعتبر سيزامي المنشأة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذا ما تم تطوير إحدى ميزات المشروع بنجاح، فسيكون لمنشأة سيزامي مزايا أخرى تزيد من تفرده. قال وليد زيدان، المدير الإداري لسيزامي، “سيكون سيزامي أول مصدر للضوء السنكروتروني في العالم يستخدم الكهرباء المولدة بالكامل من محطة للطاقة الشمسية. إذ يستهلك السنكروترون كميات هائلة من الكهرباء.”

تبلغ فاتورة كهرباء سيزامي في الوقت الحالي حوالي 15,000 دولار في اليوم.

وبخلاف بعض جيرانه، لا يمتلك الأردن مصادره الخاصة من النفط، ويتم توليد 90 في المئة من الكهرباء باستخدام الوقود المستورد.

جيهان كامل، عالمة الأشعة تحت الحمراء في سيزامي، تُطلع الزوار على مركز الأبحاث (الصورة: إدوارد فوكس).

قال زيدان “أدركنا منذ عدة سنوات أننا بحاجة إلى التحكم في التكاليف التشغيلية لسمسم، آخذين في الاعتبار حقيقة إمتلاك الأردن لموارد محدودة، وبذلك قررنا بناء محطة للطاقة الشمسية، لتغذية سيزامي بالكهرباء اللازمة لتشغيل الجهاز وتجهيز المبنى ذاته بالطاقة. قمنا بتقديم هذه الفكرة إلى المفوضية الأوروبية، وقد وافقت على منحة بقيمة 7 ملايين يورو لبناء محطة للطاقة الشمسية. بدأنا المشروع بالتعاون مع شركة أردنية متخصصة في توليد الطاقة الشمسية.”

وأضاف زيدان أن محطة الطاقة الشمسية ستبدأ بتزويد سمسم بالكهرباء الشهر المقبل، حيث قال “نتوقع أن يؤدي ذلك إلى خفض فاتورة كهرباء”سمسم” بنسبة 70 إلى 80 في المئة. سيوفر ذلك الكثير من المال.”

بدأ مشروع سيزامي في العام 1999 كمبادرة من منظمة اليونسكو. وبوصفها منظمة تابعة للأمم المتحدة، كان دافعها للقيام بذلك تعزيز التعاون الدولي. تم تصميم سمسم على مثال المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، والتي تأسست في العام 1945، بحسب كريس ليولين سميث، الذي عمل رئيسًا لمجلس إدارة سمسم في الفترة من 2008 إلى 2017. كان لمنظمة سيرن هدفان، بحسب ما كتب سميث في ورقة قدمت في مؤتمر عقد عام 2017، هما “تمكين إنشاء مرافق باهظة الثمن تتجاوز الوسائل المتاحة لأي بلد أوروبي على إنفراد، وتعزيز التعاون بين الدول التي شهدت نزاعات في الآونة الأخيرة.”

كتب ليولين سميث “وجدت منظمة سيرن أنه، وعلى الرغم من أن العاملين غالباً ما يشعرون بالإرتياب المتبادل في البداية، إلا أن العلماء والمهندسين الذين يمتلكون وجهات نظر وثقافات سياسية ودينية مختلفة جدًا ويعملون معًا يطورون احتراما تقنيا، وهذا ما يحدث فيسيزامي أيضًا.”

يجمع المشروع كلاً من قبرص ومصر وإيران وإسرائيل والأردن وباكستان والسلطة الفلسطينية وتركيا. لهذه الدول الثمانية تاريخ من الصراع، وصراعات مستمرة في بعض الحالات. وقد تم اختيار الأردن لاستضافة المشروع وأدواته ومختبراته لأنه البلد الوحيد بين الدول الثمانية الذي يمتلك علاقات دبلوماسية مع الجميع.

محمود عبد اللطيف، عالم في مجال علم المواد في سمسم (تصوير: إدوارد فوكس).

بناءً على ذلك، تبرعت الأردن بالأراضي المجاورة لجامعة البلقاء التطبيقية، بالقرب من مدينة السلط، وبدأت أعمال البناء عام 2002 بنصب مكونات سنكروترون خارج الخدمة تم التبرع به من مركز أبحاث هلمهولتز في برلين.

قال وليد زيدان “مشروعسيزامي مبني على فلسفة الدبلوماسية العلمية. الفكرة هي أن يجمع الناس من مختلف الأمم والأديان والثقافات معا، حيث يتحدثون بلغة واحدة فقط – أي لغة العلم.”

مع ذلك، يواجه المشروع دعوات متعددة لمقاطعته بسبب مشاركة إسرائيل فيه. إذ دعت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية منظمة اليونسكو إلى استبعاد إسرائيل من كونسورتيوم سيزامي، على أساس أن عضويتها تشكل تطبيعًا للعلاقات  بين إسرائيل والدول العربية.

قال جورجيو باولوتشي، المدير العلمي لسيزامي، “لم يعد طلاب الماجستير والدكتوراه في المنطقة الآن في حاجة إلى الذهاب إلى الخارج للتفاعل مع مجتمع الأبحاث الدولي. تزود هذه المنشأة المنطقة ببنية تحتية فريدة للبحوث، وتعزز العلوم الأساسية والتطبيقية وتساهم في الأبحاث الدولية في المنطقة.”

هذا العام، تم تقديم أكثر من 100 طلب لاستخدام المختبر.

كتب كريس ليولين سميث “إن بناء سمسم بمثابة انتصار للتفاؤل على الشك والواقعية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى