مقالات رأي

معرض لإستعادة مكتسبات ثورة لم تكتمل

تونس – بعد 8 سنوات من انطلاق شرارة الربيع العربي في تونس، يستضيف متحف باردو الوطني معرضًا يعيد بذكاء وإثارة تجسيد أحداث الانتفاضة التي استمرت قرابة الشهر والتي أطاحت بالدكتاتور التونسي. يأتي ذلك في وقتٍ لا يزال فيه تراث الثورة موضع خلاف بالتزامن مع انخفاض الثقة في السياسة الانتخابية وجو من الإحباط بسبب إنعدام المساواة الاقتصادية.

يستفيد المعرض، الذي يحمل اسم “14 غير درج، أوان تونس: أرشيفات الثورة“، من المحفوظات الرقمية للثورة والتي جُمعت بشكل كبير من قبل المواطنين. يضم ذلك أغانٍ، وقصائد، وتسجيلات صوتية، وصور فوتوغرافية، وتغطيات إخبارية، وفيديوهات هواة، وتدوينات، وحالات فيسبوك، ورسومات وخرائط.

وبتنظيم المعرض في سلسلة من الغرف الصغيرة مُكعّبة الشكل، تم حشد الكثير من التاريخ في مساحة صغيرة. يبين المعرض كيف انتشر زخم الانتفاضة عبر الزمان والمكان، من خلال مكعبات ترمز لمواقع معينة (سيدي بوزيد، حيث بدأت الثورة، ومدن مثل منزل بوزيان، والقصرين، وصفاقس وأخيرًا تونس) مع جداول زمنية مفصلة لكل منها.

تقدم المعروضات روايات يومية مكتوبة ساعة بساعة في بعض الأحيان عن طريقة الاحتجاجات في الشوارع، وقمع الشرطة، والإنكار الرسمي، وحركة الناشطين عبر الإنترنت، والتضامن المتزايد من النقابات الوطنية التي لعبت مع بعضها البعض دورًا في تضخيم مطالب المتظاهرين وتعزيز عزمهم، مما أدى حتمًا إلى سقوط الرئيس زين العابدين بن علي وهروبه إلى المملكة العربية السعودية في 14 كانون الثاني/ يناير 2011.

في عام 2015، كان متحف باردو مسرحًا لواحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية في التاريخ التونسي، عندما قتل مسلحون تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية 22 زائرًا وأصابوا 50 آخرين بجروح. حتى الآن، تمكنت تونس من مواجهة خطر التطرف والإرهاب، لكن تحولها السياسي أضحى غارقًا في صراعات السلطة. إذ وجدت الحكومات المتعاقبة نفسها غير راغبة أو غير قادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة بشكل متزايد.

يعد باردو أحد أهم المتاحف في منطقة البحر المتوسط وأفريقيا، حيث يُعرض تاريخ تونس الطويل والمتنوع. يضم المتحف مجموعة مذهلة للغاية من التماثيل وقطع الفسيفساء الرومانية من مدنٍ رومانية قديمة مثل قرطاج، فضلا عن قطع أثرية من الفترة الليبية البونية وغيرها من حقب التاريخ التونسي، بالإضافة إلى الخزف الإسلامي وأكبر وريقة من القرآن الأزرق الشهير من القيروان.

تأسس المتحف في العام 1888 داخل قصر بناه الباي التونسي. يعتبر جمع المتحف للعديد من الأعمال الفنية الجميلة والمتباينة من مختلف الحضارات التي امتدت على مدى آلاف السنين ـ حيث تُعرض الفسيفساءات الرومانية والتماثيل القديمة في غرف مغطاة بالبلاط الإسلامي والأعمال الجصية ـ جزءاً من سحره الأخّاذ.

يضيف المعرض الخاص بالثورة الفصل الدرامي الأحدث من تاريخ البلاد إلى هذه الرواية القديمة والهجينة. ويهدف بذلك، بحسب منظميه، إلى رفع وعي المواطنين بقيمة الأرشيف، و”المساهمة في تطوير ذاكرة جماعية.”

مع ذلك، عندما زرت متحف باردو بعد الظهيرة، لم يكن هناك سوى حفنة من الزوار، ومعظمهم من الأجانب. وكان قد تم اخباري مسبقاً بأن هذا هو الحال المتوقع.

قال لي يوسف شريف، وهو محلل سياسي تونسي، “الناس لا يزورون المتاحف. من المؤسف ألّا يصل المعرض إلى جمهور كبير. ففي الوقت الحاضر هناك عدد قليل جداً من المعارض التي تتبّع أثر الثورة وتفسر تاريخها وسياستها، والتي تحاول استكشافها إلى ما يتجاوز حدود بعض الروايات العامة للغاية.”

يعاني الكثير من التونسيين من إرهاق الثورة، لدرجة أنهم يعتقدون أن الثورة كانت مؤامرة ويعربون عن أسفهم على أيام بن علي. ففي حين دعمت أغلبية التونسيين الديمقراطية بعد الإطاحة ببن علي في عام 2011، قال 55 في المئة ممّن شملهم استطلاع أجرته مجموعة أفروباروميتر عام 2018 إنهم يعارضون الديمقراطية التعددية.

يرجع ذلك، إلى حدٍ كبير، إلى أنه وبعد 8 سنوات – على الرغم من الحريات الجديدة، والانتخابات الناجحة، والانتقال السياسي الذي تجاوز الانقسامات الحادة بين العلمانيين والإسلاميين – فإن الأسباب الكامنة وراء الانتفاضة لا تزال قائمة، بل إنها ازدادت سوءاً.

فعلى مقاطع فيديو تم تصويرها قبل ثماني سنوات، يظهر المتظاهرون وهم يرددون “التشغيل استحقاق يا عصابة السُرّاق”. إذ كان من بين المطالب الأساسية للثورة إنهاء احتكار موارد البلاد من قبل الرئيس والدوائر الصغيرة لحلفائه وأقاربه، ولاسيما عائلة الطرابلسي، أسرة زوجته. مع ذلك، لا يزال الوضع الاقتصادي في تونس اليوم سيئاً، مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم المتنامي والإحساس بأن الفساد والمحسوبية في أسوأ حالاتها من أي وقت مضى.

في ذات الأسبوع الذي زرتُ فيه متحف باردو، نظم الاتحاد العام التونسي للشغل احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء البلاد دعت إلى زيادة الأجور وشجبت إجراءات التقشف التي طالب بها صندوق النقد الدولي. ردد المتظاهرون مرة أخرى، “الشعب يريد إسقاط النظام” و”سئمنا من عائلة الطرابلسي الجديدة”.

وُضِع معرض “14 غير درج: أوان تونس” بمشاركة العديد من المنظمات الحكومية والأكاديمية والخاصة. تشمل تلك المنظمات: الأرشيف الوطني التونسي والمكتبة الوطنية ومركز المعلومات ومعهد التراث، والمعهد العالي للمعلومات، والمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر، والمعهد العربي لحقوق الانسان وشبكة دستورنا.

سيستمر المعرض في المتحف الوطني بباردو في تونس حتى 31 آذار/ مارس.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى