مقالات رأي

دور النشر المستقلة: كفاح في سوق متعثر

يعتبر معرض فرانكفورت للكتاب، الذي عُقد في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، المعرض الدولي الأكثر أهمية في مجال الكتب وحقوق الكتاب. إذ احتفل بالذكرى السبعين لإنطلاقه في العام الماضي، على الرغم من أن أصوله تعود إلى العصور الوسطى. في الخريف الماضي، حضرت هذا المعرض للمرة الثالثة منذ انطلاق دار نشر أون توت ليتر En Toutes Littres في الدار البيضاء.

على مدى الخمسين عام الماضية، قدم المعرض برامجاً مختلفة للناشرين الدوليين بهدف تعزيز شبكات معارفهم والحضور الدولي للمعرض. في الواقع، حضر 170,000 من العاملين في مجال الكتب المعرض الأخير، قادمين من 192 دولة، 67 في المئة منهم من خارج ألمانيا.

تم تكريس برنامج الدعوة الخاص بالمعرض، والذي استضافني في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للناشرين المستقلين من البلدان التي تعاني فيها صناعة النشر من الضعف.

كانت تلك الدعوة بمثابة فرصة بالنسبة لي لجعل عملي أكثر شهرة واكتساب المزيد من الخبرة المهنية. على مدار ثلاثة أيام، شاركت وزملائي المشاركين – 20 ناشرًا من أميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا الشرقية وآسيا والعالم العربي – في ورش عمل حول منح حق المؤلف وتصميم الكتب. كما قمنا بإعداد الأجنحة لعرض كتبنا؛ وقبل كل شيء، قمنا بمناقشة وضع السوق لدينا وممارساتنا المهنية والصعوبات التي نواجهها.

دور النشر الصغيرة في مواجهة الدور الكبرى

ألقت هذه التجربة الضوء على الفجوة الهائلة، في جميع البلدان، بين الناشرين المستقلين وكبار الناشرين الدوليين، حيث تكافح دور النشر المستقلة لكسب العيش في هذه الصناعة. ومن بين العديد من الناشرين المستقلين الذين تمت دعوتهم لحضور المعرض، كان هناك العديد من الصحافيين والمدرسين، والكثير منهم يعملون معًا في مجموعة من شخصين أو في إطار جمعية أو بنية تعاونية.

يولي الناشرون المستقلون أهمية كبيرة للجانب الحرفي من المهنة، حيث يعملون بدقة على النص (الشعر في كثير من الأحيان) وشكل الكتاب نفسه، وتمتاز عروضهم في مجال أدب الأطفال والروايات المصورة بكونها إبداعية للغاية.

لكن، وبينما يكلف طبع ذلك الكتاب الصغير المشارك في المعرض 2,600 دولار أميركي، لن يكون لدى الناشرين المستقلين في كثير من الأحيان سوى خيار القدوم في إطار الجناح الوطني – في حال قامت بلدانهم بتغطية تلك التكلفة. ومن بين البلدان المغاربية، كان المغرب الدولة الوحيدة التي قامت بمثل هذا الاستثمار.

أمّا بالنسبة لدور النشر الكبيرة، يجد المرء أجنحتهم كبيرة ومكلفة في قاعات المعرض. ويجتمع مدراؤهم على موائد مستديرة للإعلان عن أحدث الاتجاهات والأرقام، ومناقشة التراخيص والإمكانيات التي تتيحها التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي.

يكافئ برنامج “المواهب الشابة” في المعرض المشاريع التي ترتبط في الغالب ارتباطًا وثيقًا بعالم الترفيه، حيث يعتبر الكتاب مجرد عنصر من عناصر عالم يتضمن الرسوم الهزلية والرسوم المتحركة وألعاب الفيديو والمنصات التعليمية.

بقدومي من بلد تواجه فيه صناعة النشر صعوبات جمة، كانت الهوة التي صادفتها هائلة. ففي المغرب، يمثل قطاع الكتب أقل من 1 في المئة من جميع المعاملات الصناعية. ولا تنتج دور النشر متوسطة الحجم الأكثر نشاطًا أكثر من 100 عنوان لكل منها.

في المغرب، نكافح من أجل إيصال حوالي 2,000 عنوان في السنة إلى القراء، بسبب الافتقار إلى المكتبات (فهناك 600 مكتبة عامة لشعب يبلغ عدد 34 مليون نسمة) ومتاجر بيع الكتب (حوالي 800). تنشر ألمانيا 72,000 عنوان جديد سنويًا، ويواجه الناشرون هناك تحديًا مختلفًا يتمثل في الإفراط في الإنتاج، وهو ما يعني حاجة المصممين إلى تصميم أغلفة الكتب بطريقة يمكنها جذب انتباه القارئ في أقل من ثلاث ثوانٍ.

كما أن الجدية التي يُنظر بها إلى قطاع الكتب في ألمانيا تسبق الوضع في المغرب بسنوات ضوئية أيضاً. إذ قام معرض فرانكفورت بإعلان قائمة البلدان التي ستحل كضيوف شرف في عام 2023. أما في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، فيتم الإعلان عن ضيف الشرف في مؤتمر صحفي قبل 15 يومًا من الافتتاح.

أخيرًا، تقف ديناميكية العديد من البلدان الموجودة في معرض فرانكفورت في تناقض حاد مع الصورة المتحجرة التي تعكسها الدول العربية ككل، متمثلة في أجنحة وطنية فارغة، وغياب المشاركة في المناقشات (فمن بين 4,000 حدث على مدار أربعة أيام، لم يقترح أي بلد عربي أي حدث)؛ وكان الإحتفاء بالشخصيات السياسية عوضا عن كبار الكُتاب العرب. فبدلاً من الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لحصول الكاتب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب، أو الذكرى العاشرة لوفاة الشاعر الفلسطيني المرموق محمود درويش، تم الاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الإمارات العربية المتحدة.

حلول محيّرة

جعلني معرض فرانكفورت للكتاب أدرك أن المشاكل البنيوية التي يواجهها قطاع الكتب في المغرب مشتركة بين القارات. فقبل كل شيء، يمثل التوزيع سبب الصداع الحقيقي في كل مكان. حيث تناولت العديد من مناقشات المائدة المستديرة بين الناشرين المستقلين والأفارقة هذا الموضوع. إذ أوضح ناشر من موريشيوس، وهي إحدى الجزر في المحيط الهندي، أن إرسال الكتب من باريس إلى جزيرة لا ريونيون المجاورة Ile de le Reunion أقل تكلفة من إرسالها من موريشيوس.

أخبرنا ناشر من الإكوادور أنه يتعين عليه قيادة السيارة لمدة 10 ساعات ذهابًا وإيابًا لاسترداد الكتب غير المباعة من المكتبات، وأنه إذا لم يقم بذلك، سيتم حرقها! تعاني أميركا اللاتينية، مثل العالم العربي، من مشكلة الحدود المغلقة رغم وجود لغة مشتركة.

كما أوضح ناشرون من النيبال ورواندا أن العديد من البلدان التي لا تصنع أوراقها الخاصة أو تمتلك مطابعها الخاصة، وتعتمد عوضًا عن ذلك على الاستيراد، تعاني من تأثير أسعار الصرف بشكل مقلق على أسعار الكتب.

وندد ناشر من أذربيجان بالنسخ المقرصنة “المهربة” التي يتم إنتاجها بكثرة في إيران والدول العربية.

أمّا في رواندا وإثيوبيا والنيبال، فقد اشتكى الناشرون من المنافسة غير المشروعة من الناشرين الكبار في مجال التعليم، وحتى من حقيقة توزيع المنظمات الدولية غير الحكومية للكتب المدرسية مجانًا، دون دعم الإنتاج المحلي.

تتباين مسألة حرية التعبير والرقابة بحسب سياقاتنا المختلفة، لكن غياب سياسات دعم النشر يمثل مصدر قلق مشترك.

ففي ظل مثل هذه الظروف، يقدم الجميع الحلول الخاصة بهم والمتمثلة في: نوادي الكتاب، ونوادي القراءة، وتوفير طبعات بأسعار معقولة، وتوزيع حقائب الكتب في الفصول. . . والأهم من ذلك كله بناء شبكات لتخيل طرق جديدة لنقل الكتب، إلى جانب الطرق السريعة الرئيسية.

*كنزة الصفريوي: صحافية في المجال الثقافي وناقدة أدبية ومؤسسة دار النشر المغربي “أون توت ليتر”. نشرت كتابها “الكتاب في اختبار: اختلالات السلسلة في المغرب” “Le Livre à l’Épreuve, Les Failles de la Chaîne au Maroc” في العام الماضي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى