أخبار وتقارير

شمال أفريقيا: مهد جديد للجنس البشري

يتحدى الباحثون في شمال أفريقيا الرأي العلمي الراسخ بخصوص كون شرق إفريقيا هي نقطة الصفر في  نظرية التطور البشري.

ترجع أقدم الأدوات الحجرية المعروفة التي استخدمها أسلاف الإنسان في تاريخها إلى حوالي 2.6 مليون عام وقد عُثر عليها في إثيوبيا. وكان يُعتقد بأن تلك التكنولوجيا المبكرة قد انتشرت من شرق إفريقيا إلى بقية أرجاء القارة. لكن بحثًا جديدًا نُشر مؤخرًا في مجلة جورنال ساينس يوضح تفاصيل اكتشاف علماء الآثار في الجزائر لأدلة جديدة عن وجود أدوات من حجر الصوّان عمرها 2.4 مليون عام.

ومع  أن الأدوات التي عثر عليها في الجزائر لا تزال أحدث بـ 200,000 عام من تلك الموجودة في إثيوبيا، إلا أن العصور متشابهة. ويشك الخبراء في إمكانية انتقال معرفة كيفية صنع تلك الأدوات الحجرية من إثيوبيا إلى الجزائر في ذلك الوقت.

قال محمد سحنوني، عالم الآثار في المركز الوطني لأبحاث التطور البشري في إسبانيا، والذي قاد عمليات التنقيب، “إن فارق التوقيت قصير جدًا بالنسبة لاجتياز 7,000 كيلومتر، لاسيما وأن هجرات ما قبل التاريخ كانت بطيئة للغاية. لهذا السبب نعتقد بأنه ربما كانت هناك أكثر من بقعة واحدة في أفريقيا حققت حضارة إنسانية مبكرة في الوقت ذاته.”

في عام 2017، نشر علماء الآثار في المغرب نتائج التنقيبات التي توصلوا إليها حيث اكتشفوا ما تبين كونه أقدم البقايا البشرية في العالم. (اقرأ المقال ذات الصلة، “اكتشاف أقدم بقايا بشرية يعزز شعور المغربيين بالفخر“.)

وفي حين أن هذين الاكتشافين غير مرتبطين بشكل مباشر – مع وجود فاصل زمني يزيد على المليوني عام بينهما – إلا انهما يعملان سوية على توجيه البوصلة التطورية نحو الشمال، بحسب الخبراء.

قال إغناثيو دي لا توري، أستاذ علم آثار العصر الحجري القديم في كلية لندن الجامعية في لندن، والذي لم يشارك في أي من الدراستين، “يؤكد كلاهما على أهمية شمال إفريقيا في التطور البشري، الأمر الذي غالباً ما تم إهماله لصالح شرق إفريقيا”.

كسرة من أداة بدائية عُثر عليها في الجزائر.

يتفق سحنوني مع ذلك. قال، “في مجالنا، كان كل التركيز ينصبّ على شرق أفريقيا بسبب الظروف الجيدة للحفريات هناك، ولكن الآن هناك أشياء جديدة تأتي من شمال أفريقيا، الأمر الذي يثير دهشة الكثير من الناس.”

قال سحنوني “انظروا إلى المعلومات المدمرة “الصادمة” القادمة من الجزائر أو المغرب. هذا يعني أن التطور البشري المبكر لم يحدث في مكان واحد في أفريقيا، ولكن في موقعين على الأقل وربما في أجزاء أخرى من القارة الأفريقية.”

قضى سحنوني ثماني سنوات في التنقيب في الموقع، والذي يقع على بعد حوالي ساعتين ونصف بالسيارة من العاصمة الجزائر، حيث اكتشف عدة أدوات حجرية مختلفة مصممة للتقطيع والفرم على ما يبدو. تقترح تلك الأدوات وجود مجموعة من الصيادين والجزارين النشطين.

على مقربة من الأدوات، وجد فريق سحنوني مجموعة كبيرة من عظام الأفيال والضباع والخنازير والتماسيح عليها آثار شقوق وأسنان، مما يشير إلى أنه لم يكن من الصعب إرضاء مستخدمي تلك الأدوات بخصوص ما ذبحوا.

إذا كان سحنوني محقا في كون 200,000 عام مدة غير كافية لانتقال أسلافنا التطوريين عبر 7,000 كيلومتر من الغابات والجبال والصحاري، سيدعو ذلك، بالإضافة إلى اكتشاف أقدم بقايا بشرية في المغرب، إلى التشكيك في وجود مبدأ ما اعتقد العلماء بأنه قصة تطور البشرية.

باحثون ينقبون عن الآثار في أحد المواقع في الجزائر

يرى دي لا توري بأن الرواية الشائعة بحاجة إلى فحص جديد. قال “نحن بحاجة إلى التركيز أكثر على الإمكانات الهائلة للتسلسل الشمال إفريقي لدراسة المراحل الأولى للتطور البشري”.

يمكن أن يكون أسلاف البشر قد اخترعوا أدوات حجرية في الوقت ذاته في أجزاء أخرى من أفريقيا – بالإضافة إلى شمال وشرق القارة – حيث لم يعثر علماء الآثار على مثل هذه الأشياء بعد، أو أنها لم تُحفظ بشكل جيد. ﻓفي غرب أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻤﺜﺎل، ﻋﺎدة ﻣﺎ ﺗﻜﻮن التربة حامضية، ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻨﻲ أن حفظ البقايا سيكون ﺿﻌﻴفًا.

قال دي لا توري “هناك أجزاء كبيرة من إفريقيا لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير”.

في الوقت الحالي، يشعر سحنوني بالسعادة لأن المجتمع العلمي بدأ يتقبل فكرة وجود نظرية تطورية بديلة.

قال سحنوني “أعتقد أن لشمال أفريقيا الآن مكانها في قصة ظهور الجنس البشري والحضارة”.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى