أخبار وتقارير

مستقبل حرية التعبير في المغرب على المحك بعد اغلاق منظمة جذور

الدار البيضاء ـ أصدر قاضٍ مغربي أمرًا بحلّ منظمة جذور Racines، إحدى المنظمات الثقافية غير الحكومية الأكثر نشاطًا في البلاد، بعد اتهامها بالترويج لآراء سياسية.

أثار الحكم ضد منظمة جذور، والذي صدر في كانون الأول/ ديسمبر، الذعر في أوساط المعنيين بحرية التعبير وحرية عمل الجمعيات غير الحكومية في المغرب.

قالت منظمة جذور في بيان صحفي، “يعمل قرار الحل هذا بمثابة تسليط سيف ديموقليس على حرية الجمعيات في المغرب، مسلطًا الضوء على التناقض بين الخطاب السائد والواقع على الأرض.”

تأسست منظمة Racines ، والتي يعني اسمها الجذور، في عام 2008 وهي لاعب رئيسي في المجال الثقافي في المغرب. تقوم المنظمة بجمع وتوزيع البيانات حول الممارسات الثقافية، وتشكل جماعات ضغط على القوانين والسياسات لدعم الفنانين وتوسيع نطاق تعليم الفنون، وتشرف على العديد من المشاريع – مثل المعارض، واجتماعات المائدة المستديرة، وإنتاج المسرح الجوّال الذي يستدعي مشاركة الجمهور – بهدف تعزيز القيم المدنية من خلال المشاركة الثقافية.

تدعم المنظمة فكرة العمل خارج المدن الكبرى في البلاد، حيث تقطع مسافاتٍ بعيدة بحثًا عن شركاء محليين، لتحقيق شعارها القائل “الثقافة هي الحل“.

في خريف عام 2018، استضافت جذور آخر حلقة لها من برنامجها الشهير على اليوتيوب “1 Dîner 2 Cons” (“عشاء وغبيّان”)، في مكاتبها في الدار البيضاءK البرنامج من إعداد يوسف المودّن والصحافي أمين بلغازي. تعتبر كل حلقة من البرنامج مناقشة حية وفكاهية في كثير من الأحيان مع ستة ضيوف أو أكثر يتم جمعهم في أجواء غير رسمية.

منذ انطلاق البرنامج في العام 2016، كان “عشاء وغبيّان” شيئا نادرًا بسبب نغمة الحرية في طروحاته. حصل البرنامج أيضًا على اهتمام جمهور كبير – حيث شاهد أكثر من نصف مليون شخص الحلقة الأخيرة.

جمعت تلك الحلقة كلاً من عادل السعدني، المنسق العام لجمعية جذور، والصحافي الاستقصائي عمر راضي، ومغني وفنان الراب باري، والخبير الاقتصادي رشيد أوراز، وجواد الحميدي، الناشط في الحقوق الدينية للأقليات، وأحمد بن شمسي، مدير المرافعة والإتصال في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش. اشتملت المناقشة على تحليل نقدي لأحد الخطابات الرسمية للملك محمد السادس، والذي ألقي في آب/ أغسطس.

الدورة الثانية للجمعية العامة للثقافة (Etats Generaux de la Culture) التي نظمتها جذور في عام 2016. (الصورة: جذور)

في الإدعاء المقدم ضد جمعية جذور، قال أعضاء النيابة إن الجمعية “نظمت نشاطًا يشمل حوارات تشكل هجومًا خطيرًا على مؤسسات الدولة والدين الإسلامي، وإهانة الهيئات العامة والموظفين من خلال اتهامهم بالفساد.”

كما اتهمت المذكرة جذور أيضًا ببثّ آراء سياسية “بعيدة كل البعد عن الأهداف التي أنشئت من أجلها المنظمة،” كما تم الاعتراض على “ظهور المشروبات الكحولية، والإصرار على إظهارها على الملأ”.

قال الإدعاء العام “يتعارض هذا السلوك مع الأخلاق العامة وأهداف الجمعية.”

وذكر تقرير الادعاء العام برفضِ شديد تصريحات أدلى بها ضيوف الحلقة، مثل وصف الصحافي راضي للمغرب بأنه “دولة بوليسية قائمة على الخضوع، وترتكز إلى قيم قديمة منافية للديمقراطية والحقوق والحرية”.

كما انتقد راضي أيضًا وزارة الداخلية. وكان حاكم الدار البيضاء – أنفا، والمسؤول في تلك الوزارة، مَن قدم الشكوى ضد جذور. في 26 كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت محكمة مدنية في الدار البيضاء حكمها في القضية، وأمرت بحل المنظمة.

طعنت جمعية جذور في الحكم وهي تنتظر حالياً المثول أمام المحكمة. وتؤكد الجمعية أن الحكم لا أساس له من عدة جوانب. إذ تعتقد بأن جذور لم تقم سوى بإستضافة برنامج المودن وبلغازي، وليست الجمعية المؤلفة أو الموزّعة للبرنامج.

من فعاليات منظمة جذور في مكناس.(الصورة: جذور)

وعلى صعيدٍ أوسع، تقول جذور إن حرية التعبير واحدة من الشروط المسبقة لكل أعمالها، وأن أحد أهدافها يتمثل في تشجيع المواطنين على التعبير عن أنفسهم والمطالبة بالمساءلة.

لم يسمع أحدٌ من قبل بهذا النوع من الحكم القانوني القاضي بحل منظمة غير حكومية معروفة، لكنه يأتي في وقتٍ يتقلص فيه مجال المعارضة في المغرب، كما هو الحال في العديد من الدول العربية، منذ الربيع العربي. في العام الماضي، حُكم على المتظاهرين في منطقة الريف، شمالي المغرب، بالسجن لمدة تصل إلى 20 عام. كما تم سجن العديد من الصحافيين، لقيامهم بتغطية تلك الاحتجاجات إلى حد كبير، فيما تشكو منظمات حقوق الإنسان من القمع المتزايد.

قال السعدني، أحد مؤسسي المجموعة، “إنهم يريدون أن يجعلوا جذور عبرة، وأن يسكتوا الآخرين بذلك.”.

على حدّ تعبيره وزميلته المؤسسة دنيا بن سليمان، يعتقد السعدني بأن  فضاء حرية التعبير في البلاد، ومبادئ الديمقراطية والمساءلة والحق في مناقشة السياسات العامة على المحك.

يتفق آخرون مع ذلك، حيث دعت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش السلطات المغربية إلى الكف عن السعي لحل جمعية جذور. فيما أصدرت منظمة PEN America، وهي مجموعة غير ربحية تدافع عن حرية التعبير، بيانًا دعت فيه إلى إلغاء قرار “الحل غير المبرر والظالم لمنظمة ثقافية ذات أهمية حيوية”.

كما تم التوقيع على عريضة لدعم منظمة جذور من قبل قائمة طويلة من الأكاديميين والفنانين والنشطاء، من المغرب والعديد من البلدان الأخرى.

يقول السعدني وبن سليمان إنه وبغض النظر عن الحكم النهائي للمحكمة فإنهما سيجدان طرقًا لمواصلة عملهما – لكن إذا ما استمر قرار الحل، فسيكون له تأثير مقلق على الفنانين والنشطاء والرابطات الثقافية بلا شك، لاسيما أولئك الذين يشعرون بالفعل بتقلص المساحة المتوفرة لهم للتعبير عن أنفسهم و إشراك الجمهور.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى