أخبار وتقارير

مستقبل مجهول في انتظار طلاب الجامعات في مناطق المعارضة

مع انحسار المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، تتزايد الصعوبات المالية والأكاديمية والأمنية التي تواجه نحو 16 ألف طالب وطالبة يدرسون في تلك المناطق بما يهدد إمكانية مواصلتهم لدراستهم الجامعية.

إذ يعاني الطلاب من صعوبات في توفير الأموال اللازمة للأقساط الجامعية ومصاريف المواصلات فضلاً عن المخاوف من تعرض الأبنية الجامعية للقصف واستمرار معضلة عدم الاعتراف بالشهادات الصادرة عن جامعاتهم.

فمنذ عام 2015، ومع خروج العديد من المناطق والمحافظات عن سيطرة النظام السوري، ظهر عدد من الجامعات ومؤسسات التعليم العليا البديلة عن مؤسسات تعليم النظام كجامعة إدلب وجامعة حلب الحرة، والتي كانت تمتلك فروعاً تتوزع في ريف حلب الشمالي والغربي وحمص والغوطة الشرقية والقنيطرة ودرعا لكن تم إغلاقها بعد عودة سيطرة النظام على هذه المناطق. تتبع كلا الجامعتان الحكومة السورية المؤقتة والتسجيل فيهما مفتوح أمام الطلاب الجدد أو المنقطعين عن الدراسة من جرّاء الحرب التي تشهدها البلاد. وتضم الجامعتان عدداً من التخصصات العلمية كالطب والصيدلة والهندسة بفروعها المختلفة، بالإضافة إلى التخصصات الأدبية كاللغات والحقوق والاقتصاد.

كما توجد في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة المعارضة عدة جامعات خاصة منها: جامعة ماري، وإيبلا، واكسفورد، بالإضافة إلى وجود جامعات تركية في ريف حلب تتمثل بجامعة الشام العالمية التابعة لهيئة الإغاثة التركية (IHH) وجامعة حران، وهي جامعة حكومية تركية افتتحت فرعاً لها  في مدينة الباب بريف حلب الشمالي وتتبع نظامًا تعليميًا مكونًا من فصلين يتم التدريس خلالهما باللغة التركية.

وفي المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا ، أنشأت لاإدارة المحلية التي يقودها الأكراد جامعة روجافا التي تضم نحو 720 طالباً وطالبة. (اقرأ القصة ذات الصلة: ولادة جامعة وسط نيران الحرب في سوريا).

قال وسيم اليوسف، مدير المكتب الإعلامي في جامعة إدلب، “نواجه صعوبات لا تنتهي بدء من عدم اعتراف أي من الدول بشهادات مؤسساتنا ومروراً بتحديات التمويل خاصة وأننا نعتمد على ما يسدده الطلاب من أقساط لتأمين مستلزمات التشغيل وأجور العاملين.”

طلاب خلال محاضرة في جامعة ادلب. (الصورة: أحمد العكلة).

تعتبر جامعة إدلب هي الأكبر في مناطق المعارضة، حيث يبلغ عدد طلابها اليوم 13 ألف طالب وطالبة، بينما يبلغ عدد الكادر التعليمي 425 من بينهم 80 من حملة شهادة الدكتوراه، بحسب اليوسف.

https://www.bue.edu.eg/

قال “نحن المؤسسة التعليمية الأكبر، مع ذلك فإن استمرارية عملنا ليست مضمونة.”

تضم الجامعة 14 كلية و6 معاهد منها الكليات الطبية والهندسية والأدبية والتربية والعلوم ومعاهد طبية وإعلامية. وتمتلك الجامعة بناء خاصا لكل كلية من كلياتها، وعددا كبيرا من المخابر في الكليات العلمية التطبيقية، إضافة لوجود عدة مكتبات ومخابر تضم أجهزة كمبيوتر.

وعلى الرغم من إمكانية اعتبار جامعة حلب الحرة وجامعة إدلب حكوميتين، لكونهما تتبعان للحكومة السورية المؤقتة، إلا أنّ الجامعتَين ليستا مجانيتَين بالكامل، فرسوم التسجيل تتراوح ما بين 150 و200 دولاراً أميركياً. إذ لا يوجد مخصصات مالية لدعم عمل الجامعات في مناطق المعارضة بحسب تصريحات سابقة لعبد العزيز الدغيم، وزير التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، بل تعتمدان على منح مالية من منظمات دولية كمنظمة “تعليم بلا حدود – مداد”  ومنظمة “سبارك” الهولندية. فعلى سبيل المثال، تكفلت مؤسسة سبارك بدفع أجور الأساتذة وتكاليف التشغيل بالإضافة إلى تقديم دعم مالي متواضع للطلاب الذين يدرسون في فروع حمص ​​والقنيطرة وحلب، بحسب سيمون فان ميليك مدير الاتصالات والمشاريع في المؤسسة.

قال “بالطبع توقفنا عن تقديم الدعم في المناطق التي فرضت القوات الروسية والسورية سيطرتها عليها مجدداً.”

العام الماضي، شهدت جامعة حلب الحرة توقفاً ومن ثم نقلاً لمقرها من مدينة إدلب إلى ريف حلب الغربي، على خلفية خلافات بين الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ السورية، التي تشكلت أواخر عام من عدد من المعارضين في الشمال السوري المحرر كواجهة مدنية لهيئة تحرير الشام المصنفة دولياً كمنظمة إرهابية.

من جهة أخرى، ترتفع أقساط الجامعات الخاصة مقارنة بالجامعات الحكومية، إذ تصل أقساط الجامعات الخاصة لنحو 1500 دولار أميركي وسطياً سنوياً بحسب أحمد الضعيف، طالب سنة رابعة في كلية الإعلام في جامعة أكسفورد بالإضافة إلى نحو 100 دولار شهرياً للمواصلات.

قال “هذه مبالغ كبيرة ليس بإمكان الكثيرين منا توفيرها.”

يؤكد فادي المرعي، خريج كلية التربية من جامعة حلب العاملة في ريف إدلب، على ارتفاع تكاليف الدراسة والمواصلات بالنسبة للكثير من الطلاب وتسببها في توقف العديد من الطلاب عن مواصلة تعليمهم الجامعي.

قال “في ظل قلة فرص العمل الممكنة بعد التخرج سواء في الداخل أو الخارج وارتفاع المخاطر الأمنية نتيجة القصف، فإن مواصلة الدراسة وتحمل تكاليفها المالية يبدو عبئاً كبيراً لا فائدة مرجوة منه.” مشيرا إلى صعوبة تأمين المراجع العلمية والكتب الجامعية لأغلب الفروع فضلاً عن عدم وجود سكن خاص بالطلاب وندرة الأساتذة من حملة شهادات الدكتوراه بسبب مغادرة أغلبهم البلاد.

يعد الاعتراف بالشهادات الصادرة عن جامعات المعارضة المشكلة الأبرز التي مازالت تواجه تلك المؤسسات التعليمية العامة والخاصة منذ تأسيسها قبل 4 سنوات.

قال المرعي “عدم الاعتراف بشهاداتنا يقتل أي فرصة لائقة للعمل ويقضي على أي طموح باستكمال الدراسة في الخارج للحصول على شهادة الماجستير أوالدكتوراه خاصة وأنه لايوجد اي جامعة في الداخل المحرر تقدم فرصة للدراسات العليا.”

معهد إعداد المعلمين في البارة، ريف إدلب. (الصورة: أحمد العكلة)

يعتقد فان ميليك من مؤسسة سبارك بأهمية دعم المؤسسات التعليمية بالرغم من عدم اعتماد شهاداتها دولياً، إذ أن “هناك عدد كبير من الشباب محاصرين داخل سوريا، وإذ  كنا أمام خيار المساعدة بدعم تعليم غير معتمد لكنه جيد أو عدم وجوج تعليم على الإطلاق فإن سبارك تختار التعليم بالتأكيد.” موضحاً أن  التعليم بغض النظر عن الشهادات يمكّن الشباب من مواصلة حياتهم وإعادة بناء مستقبلهم في سوريا. قال “تنمية المهارات أمر بالغ الأهمية للشباب حتى يتمكنوا من العمل في المستشفيات والمزارع والبناء وما إلى ذلك  والتي لا تزال هناك حاجة إليها بغض النظر. هذا ينطبق أيضًا على جميع اللاجئين في المنطقة بالطبع.”

وعلى الرغم من سعي الجامعات في المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة للحصول على اعتراف رسمي بشهاداتها، إلا أن الأمر يبقى مرهوناً بشكل أو بآخر بالاعتراف الدولي بهيئات المعارضة وهو أمر متزايد الصعوبة في ظل الانقسامات الحاصلة.

يعتقد علاء العبد الله، محاضر سابق في في كلية الإعلام في الجامعة الدولية للإنقاذ، أن المشكلة تكمن في غياب الاهتمام بتطوير التعليم وبناء مؤسسات أكاديمية بمعايير متوزانة لتلبية احتياجات الشباب في هذه المناطق.

قال “نحتاج لوجود هيئة تأسيسة تبني نظام تعليمي جديد ومتطور بعيداً عن التجاذبات السياسية لتلبية تطلعات الشباب واحتياجاتهم لبناء حياة أفضل.”

اليوم، ومع اشتداد التجاذبات السياسية والقصف على إدلب، تزداد مخاوف الطلاب حول مستقبلهم.

قال إيراهيم زيدان، الطالب الجامعي في كلية التربية في جامعة حلب الحرة، “يبدو مستقبلنا كارثي خاصة وأن كثيرين منا مازالوا في السنة الثانية والثالثة، إغلاق الجامعات دون اعتراف بالشهادات أو نتائج الامتحانات يعني عودتنا إلى ما قبل نقطة الصفر والقضاء على أي فرصة لنا بغد أفضل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى