أخبار وتقارير

الفنون الحرة لمواجهة عقبات تعليم اللاجئين

أربيل – على مدار السنوات الثلاث الماضية، عملت مؤسسة المبادرة اليسوعية للتعليم عبر العالم Jesuit Worldwide Learning، وهي منظمة غير ربحية مقرها جنيف في سويسرا، على إدارة برنامج لتعليم الفنون الحرة للاجئين في إقليم كردستان العراق. ومن المقرر أن يتخرج أول ثمانية طلاب – وهم خليط من السوريين النازحين والعراقيين – هذا العام وهم يأملون في استخدام المهارات التي اكتسبوها لمساعدة غيرهم من اللاجئين في المنطقة.

قالت نغم داوود، التي فرت من سهل نينوى في شمال العراق إلى أربيل، عاصمة الإقليم، عند وصول الإرهابيين، “منحني هذا البرنامج فرصة للدراسة من جديد بعد وصول تنظيم داعش إلى قريتي. كما عزّز من ثقتي بنفسي فضلا عن المهارات الأخرى التي أود استخدامها الآن لفائدة اللاجئين الآخرين.”

في الوقت الراهن، يسجّل البرنامج المُقدّم عبر الإنترنت ما مجموعه 49 طالبًا يدرسون في الحرم الجامعي الجديد للجامعة الكاثوليكية في إربيل أو في مخيمات اللاجئين في دهوك، بالإضافة إلى وجود 31 لاجئًا مسجلا في البرنامج في عمّان.

يتم إصدار الدبلومات التي يدرس الطلاب للحصول عليها من قبل جامعة ريجيس، أحد الشركاء الجامعيين للمبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم، وهي مؤسسة يسوعية في دنفر بولاية كولورادو. ستمنح الجامعة شهادات رسمية وسجلات دقيقة كما تفعل مع طلابها الذين يكملون دراستهم في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية.

لا تعادل الدبلومات درجة البكالوريوس – ويحصل الطلاب عليها بعد حصولهم على 45 وحدة دراسية معتمدة. لكن، بعد الانتهاء من الحصول على الدبلوم، سيكون في إمكان الطلاب مواصلة الدراسة في إحدى الجامعات الدولية وتقديم هذه الاعتمادات للحصول على درجة بكالوريوس كاملة.

حاليًا، تقدم اثنان من اللاجئين في عمان بالفعل من برنامج الدبلوم لمواصلة المزيد من الدراسة بهدف نيل درجة كاملة.

وبينما يواجه البرنامج بعض التحديات – ويتمثل الجانب الأكبر منها في عدم ثقة العديد من الدول العربية بالدورات الإلكترونية التي توفرها المؤسسات الأجنبية – يأمل مسؤولو التعليم الدولي في أن يساعد نهج الفنون الحرّة في البرنامج اللاجئين على استئناف التعليم المتقطع ووضعهم على المسار الصحيح للحصول على مهن مفيدة.

يستخدم الطلاب في مخيم خانكي للاجئين قرب دهوك في العراق أجهزة الكمبيوتر اللوحية للدراسة الحصول على شهادة. (الصورة: المبادرة اليسوعية للتعليم عبر العالم)

خليط من العقائد

ينحدر الطلاب في برنامج أربيل من خلفيات مختلفة، حيث يدرس المسلمون والمسيحيون واليزيديون مع بعضهم البعض. يعني هذا، بحسب بيتر باليس، الرئيس التنفيذي للمبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم، أن للبرنامج تأثير كبير مقارنة بحجمه المتواضع نسبياً.

قال “كنا نتعمّد أن يكون لدينا خليط من الأديان ليتعلموا معًا لأن ذلك سيساعد على بناء مستقبل يمكننا فيه جميعا أن نعيش معاً في سلام. يسعى هذا البرنامج لإعداد قادة، وعندما يخرج طلابنا إلى العالم، فإنهم سيأخذون هذه الرسالة معهم.”

يُعتبر هذا النهج الشامل، بحسب باليس، مفيدًا أيضاً بالنسبة للأقليات المسيحية في الشرق الأوسط والتي تتعرض لخطر الاضطهاد. قال “إنه يساعد غير المسيحيين على رؤية المسيحيين كجزء إيجابي من مجتمعهم كما يجعل الأمر من العيش في سلام أكثر سهولة.”

في العقد الذي أعقب تأسيس مؤسسة المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم، قدمت المؤسسة الخيرية فرصًا تعليمية لأكثر من 5,000 لاجئ ومهمش – وشكلت النساء ما يقرُب من نصف هؤلاء الطلاب.

يتم تقديم دبلوم الفنون الحرة حاليًا في العراق والأردن وكينيا وملاوي، ولكن هذا لا يمثل النطاق الكامل لجهود المنظمة. إذ تقوم المؤسسة الخيرية بإدارة برامج الشهادات المهنية، والتي يتم تقديمها في ذات المواقع، بالإضافة إلى أفغانستان وتشاد. تغطي برامج الشهادات مواضيع مثل صحة المجتمع والاستشارة وتعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية.

قال باليس “نحن نعمل على الهامش مع الناس في بعضٍ من أفقر مناطق العالم. يتعلق الأمر بمساعدة الأشخاص الراغبين في التعلم وتعليمهم ليكونوا مواطنين مسؤولين، بما يتجاوز تعلم الحقائق فحسب.”

التركيز على التفكير النقدي

وكما هو حال معظم برامج الفنون الحرة، تغطي شهادة الدبلومات المقدمة من جامعة ريجيس كل شيء من السياسة والتاريخ وحتى أخلاقيات العلوم، مع تركيزٍ شديد على مهارات التواصل والتفكير النقدي. يُطلب من الطلاب تكوين آراء حول هذه المواضيع، وإثبات وتبرير تأكيداتهم بالأدلة والحجج المنطقية. عند القيام بذلك، يقول الطلاب في أربيل إن آرائهم غالباً ما تتطور أو تتغير.

يتمكن واحد في المئة فقط من اللاجئين الشباب من الوصول إلى التعليم الجامعي، بحسب مارين كروغر، المسؤولة العليا عن التعليم العالي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

تعتقد كروغر أن المحتوى الإلكتروني لبرنامج الدبلوم يوفر للمشاركين المرونة المطلوبة بشكل ماس. قالت “يعني نموذج المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم أن في إمكان الطلاب العمل وفقًا لجدولهم الخاص، وهذا مهم لأن العديد من اللاجئين لديهم مسؤوليات أخرى مثل العائلات الجديدة أو الوظائف.”

وأضافت “التقيت بالدفعة الأولى في العراق وقد تأثرت حقاً. أخبروني أنه من الأهمية بمكان أن يتعلموا كيفية صياغة أسئلة ناقدة لأنهم لم يحظوا بفرصة تعلم مثل ذلك في سوريا.”

لاجئون يدرسون للحصول على دبلوم في الفنون الحرة تمنحه جامعة في الولايات المتحدة. (الصورة: بنجامين بلاكيت)

من شأن تعليم الفنون الليبرالية بهذا النوع من المقاربة أن يخلق أفرادًا مستقلين وقادرين على التصرف بناء على مبادرتهم الخاصة، بحسب غراي كوخار ليندغرين، الأستاذ ومدير المناهج الدراسية الأساسية المشتركة في جامعة هونغ كونغ.

قال كوخار ليندغرين، الذي ساهم في تأليف كتاب عن الانتشار العالمي لبرامج الفنون الحرة خارج الولايات المتحدة، “الحوار أهم بكثير من الرأي نفسه. الأمر يتعلق بشرح الآراء ودعمها.”

يتم تقديم المناهج الدراسية لدبلوم الفنون الحرة عبر الإنترنت من قبل أساتذة في جامعة ريجيس في ولاية كولورادو بدعم من مصادر التعلم عبر الإنترنت في جامعة جورج تاون في واشنطن.

لكن، وعلى الرغم من أن التدريس يتم في مجمله عن بعد، إلا أن الطلاب في أربيل يجتمعون بشكل شخصي بصفة منتظمة للعمل على إنجاز مهامهم وأنشطتهم الجماعية. كما يوجد موظفون للدعم في أربيل، ويسافر أعضاء البرنامج أيضًا إلى مخيمات اللاجئين بالقرب من دهوك عند الحاجة.

في أربيل، يستخدم الطلاب أجهزة الكمبيوتر والفصول الدراسية في الجامعة الكاثوليكية، فيما يتم إقراض الطلاب في الأردن أجهزة كمبيوتر لوحية.

مشاكل على الصعيد الوطني

بينما يمنح برنامج المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم اللاجئين فرصة للتعليم العالي، إلا أنه يأتي مع تحذير كبير، حيث لا تعترف الحكومتان العراقية والأردنية بالشهادات عبر الإنترنت. قال باليس “هذه هي السياسة الحكومية، لكنه عائق كبير.”

وهذا يعني عدم السماح للخريجين بمواصلة دراستهم في جامعة عراقية أو أردنية، ولن يكونوا مؤهلين للحصول على وظائف حكومية. ومع ذلك، فإنهم سيكونون قادرين على الدراسة في إحدى الجامعات الدولية مثلما يفعل أي خريج آخر من جامعة ريجيس.

قالت كروغر “تعي المبادرة اليسوعية للتعلم عبر العالم هذه المشكلة وتسعى لحلها. يتطلب الأمر إجراء مفاوضات متعمقة مع الوزارة للسماح بالاعتراف بهذه المؤهلات على المستوى الوطني.”

لكن البرنامج لا يزال ذو قيمة، بحسب زميلها تشارلي رايت،  الخبير في التعليم المتصل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

قال “لدى المبادرة اليسوعية JWL برنامج قوي. حيث أنه يتضمن منح اعتماد من جامعة عالمية ولهذا الأمر قيمة.”

على الرغم من القضايا المتعلقة بالاعتراف على المستوى الوطني، يعتقد باليس أن البرنامج لا يزال يمنح خريجيه خطوة في سوق العمل. قال، “في القطاع الخاص، سيتم الاعتراف بهذه المهارات والمؤهلات المقدمة من إحدى الجامعات الأميركية وتقديرها.”

https://www.bue.edu.eg/

من جهتهم، يرى الطلاب إن البرنامج يستحق الجهد المبذول.

قالت نور إسحاقي، إحدى الطالبات اللاتي وصلن إلى أربيل في عام 2014 من منطقة سهل نينوى، “قبل هذا المساق، لم أكن أستطيع الحديث أو التعبير عن نفسي، لكن ذلك تغيّر الآن.” تتوقع نور أن تتخرج هذا العام. قالت “أريد أن أعمل لمساعدة الأشخاص الذين عانوا الكثير، ولا سيما بقية النازحين.”

يتفق كوخار-ليندغرين بخصوص قدرة الطلاب على أن يكونوا في وضع جيد للتنافس من أجل الحصول على الوظائف. قال “هناك حجة قوية يجب تقديمها لفهم قدرة الفنون الحرة في أن تمثل تدريبا للبدء بمهنة ما. يعود ذلك جزئياً إلى قدرة طلاب الفنون الحرة على إظهار بعض الاستعداد لاتخاذ المبادرة ومعالجة مواضيع مختلفة. وتعتبر رغبتهم في العمل مع اللاجئين الآخرين أمر رائع. هناك الكثير ممّا يمكنهم تقديمه للمنظمات غير الحكومية في المنطقة.”

يمثل هذا بالتأكيد أمل الطلاب الذين على وشك التخرج. قالت إسحاقي، “ستساعدنا هذه المهارات على تحسين المجتمع، وربما تستطيع المنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية توظيف المزيد من الأشخاص المحليين مثلنا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى