مقالات رأي

سعودية تثبت حضورها بمنحوتاتها

ليس الطريق لأن تصبح فنانًا بالطريق السهل أبدًا. وبالنسبة لفلوة ناظر، لم يكن ذلك مجرد طريق فحسب، بل سلسلة من الخطوات التي قادتها لتصبح اليوم واحدة من أبرز الفنانين التصوريين في المملكة العربية السعودية.

على مدار العام الماضي، عملت ناظر بجد على إنتاج أعمال فنية للمعارض المُقامة في مسقط رأسها في جدة، بما في ذلك معرض 21، 39، حيث تم منح المواهب الناشئة من المنطقة اهتمامًا تنسيقيًا، إلى جانب تحضيرها لأعمال تُعرض الآن في آرت دبي، معرض الفن الأكثر زيارة في الشرق الأوسط.

يمتد فن ناظر ليشمل عدة أنواع من الفن التلصيقي “الكولاج” وحتى المنسوجات، وهي الوسيلة التي تفضلها الآن وتعرفها بشكلٍ جيد. تعمل ناظر حاليًا على النسيج لإنتاج تراكيب نحتية كبيرة، بعد أن استخدمت المنسوجات لسنوات لتصنيع الملابس بصفتها مصممة أزياء.

على الرغم من رغبتها في دراسة الفن منذ سن مبكرة، إلا أن طريق ناظر المتعثر نحو تحقيق حلمها أخذها إلى معهد مارانجوني للأزياء في ميلانو في أوائل التسعينيات.

قالت ناظر”لم يكن هناك تعليم للفنون في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات في المملكة العربية السعودية. كانت الطريقة الوحيدة للدراسة في الخارج واستكشاف اهتماماتي بالفن تتمثل في الالتحاق بمدرسة الأزياء. لم أكن أعرف حتى ذلك الحين كيفية إعداد محفظة فنية بشكل صحيح للتقدم إلى مدرسة الفنون، ولكن تم تشجيعنا على القيام بشيء “مفيد”، وهو أمر يعتبر وظيفة مناسبة ذات دخل منتظم. أن تصبح فنانًا كان شيئًا تقوم به بشكل جانبي.”

وأضافت “لم يكن لدينا مشهد فني كهذا الذي يمكن رؤيته الآن. أقام عدد قليل من الرسامات الرائدات معرضًا في الستينيات. لا يمكنني إلا أن أتخيل كيف ناضلت تلك النساء من أجل مواصلة الرسم، والقيام بذلك في بلد لم يكن فيه مشهد ثقافي.”

ترجم تدريب ناظر في واحدة من أرقى مدارس الأزياء في العالم نفسه بشكل جيد من خلال مجموعة أعمالها الحالية. فعلى الرغم من نجاحها المهني في صناعة الأزياء، سواء في لندن أو مع خطها الخاص من القفطان في جدة، إلا أن تركيزها انصبّ دائمًا على تحسين مهاراتها كفنانة.

في فصول الصيف والوقت الذي قضته في لندن، التحقت ناظر بانتظام في دورات الرسم لاستكمال الدورات التي أخذتها في مؤسسة تديرها الفنانة السعودية البارزة صفية بن زقر.

على الرغم من انشغالها في مهنتها في مجال الأزياء، فقد سعت ناظر إلى تطوير فنها من خلال القراءة والسفر والأنشطة اليومية، لكنها لا تريد أن تغامر بإيقاف وظيفتها اليومية حتى الآن.

عرضت ناظر أعمالها على القيم على معرضها الحالي، قسورة حافظ من حافظ جاليري، الذي اقترح عليها أن تعرض رسومها على سامية خاشقجي، التي كانت تشرف على معرض جميع النساء في الجاليري. قامت خاشقجي بتضمين عملين من أعمال ناظر في معرض المجهول كان امرأة Anonymous Was a Woman.

كما وجدت ناظر أيضًا دعمًا من قبل قيّمات أخريات، بما في ذلك لينا الأزعر، القيّمة الفنية التونسية ورئيسة مؤسسة الأزعر، والتي تواجد مقرها في جدة في ذلك الوقت.

واصلت ناظر العمل في مجال فن الكولاج الخاص بها، مستخدمةً الصور والنصوص المناسبة، وبدأت تفكر بالعمل على وسائط بديلة بعد رحلة إلى Documenta، وهو معرض للفن المعاصر يقع مقره في كاسل بألمانيا، حيث صادفت هناك أعمالاً قائمة على النسيج. من خلال تركيز أنظارها على العمل مع مادة كانت على دراية بها، بدأت في تصوّر العمل الذي تعتبره قريبًا إلى قلبها من الناحية المواضيعية.

قالت “أحب أن يأتي عملي كله من مكان شخصي، لأنني أعتقد أنه كلما كان العمل أكثر أصالة، كلما زاد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الاتصال به على مستوى ما.”

وأضافت “كلما تعرضت للمزيد من التجارب، كلما تطورت واكتشفت المزيد من المعلومات. كنت مفتونة بالصورة الأكبر للفن وليس فقط بالتقنية والحرفية كما هو الحال عندما كنت أصغر سناً.”

https://www.bue.edu.eg/

وهكذا بدأت طريق ناظر للوصول إلى عملها الحالي: سلسلة من “التنانير” الكبيرة من قماش الموسلين، وهي أشياء تشبه الملابس التي تتدلى بجلالٍ كبير الحجم.

عُرضت السلسلة بعنوان “الجلد الذي أعيش فيه” لأول مرة في حافظ جاليري في جدة، ثم في كشك حافظ جاليري في آرت دبي، الذي يستمر حتى 23 آذار/ مارس.

في هذه الأعمال، تستكشف ناظر المساحات، بالمعنى الحرفي والمجازي، التي تسكنها. باستخدام النسيج الذي يغطي مواقع البناء والمباني شبه المهجورة في المملكة العربية السعودية، حولت ناظر أكثر المواد ارتباطًا بمواقع البناء شيوعًا إلى شيء ناعم وأنثوي. فعند النظر إليها عن كثب، تبدو أنماط التطريز مرئية. فيما تحُث القطع المزينة بمهارة المرء على التفكير في تاريخ حرف التطريز اليدوي، وكيف يتم الحفاظ على أنماط وتقنيات التطريز التقليدية – التي تُشاهد أيضًا على الفساتين التقليدية في المملكة العربية السعودية.

لا تبدو أعمال ناظر أعمالًا تصويرية حادة من الناحية البصرية، بل يمكن الاستمتاع بها لمجرد ما تبعثه من فضول بصري مبهج، والطريقة التي تتحدث بها إلى المشاهد، وتغريه بذلك على الاقتراب والدخول في الأعمال ذاتها.

تعتبر أعمال ناظر بيان حول المفاهيم، الحرفية أو المجازية، للجلود، التي يتم ارتداؤها. تقول ناظر”نحن نرتدي الملابس لحماية أنفسنا وللتعبير عن أنفسنا في الوقت ذاته”، ومن خلال مثل هذه الأعمال، تتلاعب ناظر ببراعة بوسيلة غير عادية لاستحضار المساحات الواقية غير المرئية التي نبنيها حولنا في كثير من الأحيان.

بإضفاء صفة ذاتية على الأحداث الاجتماعية – السياسية، جاءت سلسلتها الأخيرة من تأملاتها حول الطريقة التي تعلمت من خلالها التواصل مع ذاتها والفضاء الداخلي الذي تعيش فيه عاطفيًا ونفسيًا.

من الناحية الجمالية، تشبه هذه السلسلة فن الكولاج أيضًا، فهي: حساسة وشفافة مع قليل من التوتر، وتُظهر خروجًا ملحوظًا عن كولاجاتها السابقة لتتطور إلى عمل أصيل أكثر نضجًا وتصويراً.

تتطلع ناظر إلى الإقامة في مؤسسة الشارقة للفنون هذا الصيف، حيث بدأت بالفعل محادثات حول إدراجها في البينالي الإقليمي الذي بدأ للتو. مستشهدة بتحمسها بمستقبل الفنون في المملكة العربية السعودية، والذي شاهدته يتطور وينمو في السنوات الأخيرة، ستلعب ناظر بلا شك دورًا كبيرًا في المشهد الفني الإقليمي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى