أخبار وتقارير

فنان إماراتي يتجاوز بيئته المحلية

عندما يستخدم أحد الفنانين اللون بحرية في عملٍ فني، فهل يعني هذا اعتبار العمل مجرد لوحة فنية؟ أو أن في الإمكان الإعجاب بأعمال نحتية بسبب تركيبتها الهيكلية وقيمتها البصرية الجمالية؟ يبدو أن هذه الأسئلة هي نقاط الانطلاق بالنسبة للفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم، الذي يقترح من خلال الأعمال المعروضة الآن في دبي أن الخط الفاصل بين الرسم والنحت يمكن أن يكون، بل ومن الواجب أن يكون غير واضح.

وُلد إبراهيم في عام 1962 في خورفكان، وهي مدينة ساحلية في الشارقة تحيط بها جبال الحجر، ويُعتبر جزءًا من مجموعة من خمسة فنانين إماراتيين طليعين ظهروا في الثمانينيات. ويشمل الآخرون كلاً من حسين شريف وعبد الله السعدي  ومحمد كاظم والراحل حسن شريف.

قبل وفاته، أشرف حسن شريف على إبراهيم، وكان شريف مَن أشار إلى أن ما كان يفعله إبراهيم في وقت سابق في ممارسته (والمتمثل بتحريك الصخور في جبال الحجر) يعتبر فنًا بريًا. وفيما عدا ذلك، يعتبر إبراهيم في الغالب فنانا ذاتي التعلم، وتبدو أعماله وكأنها آتية من رغبة بدائية عميقة للإبداع.

ثلاث مجموعات متميزة

يشتمل معرضه الشخصي الحالي والمُقام في معرض لوري شبيب في دبي، بعنوان “المسافة بين الجفن ومقلة العين“، على ثلاث مجموعات مميزة من اللوحات وأعمال النحت. تتألف إحدى المجموعات من لوحات لشخصية رجل جالس، من دون رؤوس، وقد نفذت كل لوحة بطريقة مماثلة من حيث التكوين ولكن بألوان مختلفة.

تتكون السلسلة الثانية من أعمال ورقية على طريقة بابيه ماشيه مُعلقة على أحد جدران المعرض ومُنفذة بأشكال من خطوط وعلامات بالأبيض والأسود. تمثل هذه الأعمال ما يصفه نص جدار المعرض بأنه “العلامات الوسواسية” لفن إبراهيم، على غرار الخطوط والعلامات المرسومة على جدران الكهوف، وهي أول أعمال فنية في تاريخ البشرية.

تُعتبر السلسلة الثالثة – المؤلفة من عدد كبير من منحوتات بأشكال غير منتظمة منتشرة في جميع أنحاء المعرض – الأكثر إثارة للاهتمام. تقدم هذه الأعمال تفسيرًا للفكرة وراء عنوان المعرض. فكونها مصنوعة من الورق المقوى على طريقة بابيه ماشيه وملونة بكثافة لونية، تفسر هذه الأعمال أول تجربة لإبراهيم لغروب الشمس، “كانفجار في عيني”، بحسب ما أوضح الفنان، وهو ما أثار افتتانه الشديد بالألوان. إذ كان الحدث اليومي الطبيعي لغروب الشمس مخفيًا عنه عندما كان يعيش في خورفكان بسبب الجبال المحيطة بالمنطقة.

باستخدام المخلفات التي عثر عليها في خورفكان، بما في ذلك الصخور والأسلاك النحاسية والطين وأغطية الزجاجات المهملة والورق المهمل، حصل الفنان على مصادره محليًا فيما يخص كل من مواده ومراجعه. حتى أصباغ الورق الطبيعية مصنوعة يدويا من قبل الفنان نفسه.

تقول أسماء الشبيبي، التي يمثل معرضها الفنان، “أشعر أن عمله مختلف لأنه قد تم إنتاجه من دون التفكير في الجمهور أو السوق. لذلك كان غزير الإنتاج ولم يكن خائفًا من التجربة. الكثير مما يقوم به باستخدام المواد الموجودة – كل ما هو حوله في ذلك الوقت – لذلك لم يتم التخطيط لها. وبالتالي هناك ثغرة في أعماله أو نوع من الحرية نادر الحدوث في أعمال الفنانين الآخرين. انها تحتفظ بجوهر طفولي. لقد كان يصنع الفن حقًا من أجل الفن.”

حكايات من دون صور نمطية

الأعمال مخدرة، ليس بالمعنى التحقيري للكلمة، ولكنها حقًا تمثل استخدامًا غير مقيد للون مثل طفل اكتشف للتو مدى اتساع علبة كبيرة من الطباشير الملون. تعتبر المنحوتات متطرفة بصريًا حيث أنها عبارة عن مواجهة ساحرة لخطوط مرسومة بشكل تجريدي أو نقاط أو شرطات على هياكل يمكن فك شفراتها مثل الأشجار أو الكراسي أو أي شيء يرد على ذهن الرائي.

يعامل إبراهيم أسطح هذه التراكيب باعتبارها ألواح متعددة الأبعاد من القماش، وبذلك يرسم كل جانب بعناية واهتمام بالألوان والأنماط. إن استخدام إبراهيم للظلال المشبعة بشكل مكثف باللون الأزرق والأخضر والوردي مع اللون الأخضر النيون والبرتقالي هو ما يشير إلى أن هذه العناصر قد تكون ألعابًا أو وأشياء عبثية طفولية.

قالت الشبيبي “لا يقتصر الأمر على ذكرى الألوان عند رؤيته الأولى لغروب الشمس، ولكن لذلك علاقة أيضا بجولات المشي على طول جبال الحجر القاحلة، حيث تتواجد أمثلة لمجموعات مذهلة من الزهور الملونة العشوائية. كما يتحدث عن علامات الطباشير على جدران المنازل التي استخدمت لتسجيل عدد زجاجات المياه التي تم تسليمها إلى المنازل. يتم تخزين هذه الخطوط في اللاوعي وهي الخطوط التي نراها في رسومات الخطوط السابقة الخاصة به.”

يبرهن معرض إبراهيم المُقام بجودة المتاحف على أن الفنانين الشرق أوسطيين ينتجون أعمالاً ناضجة تقنيًا وجماليًا كحال الفنانين المعاصرين في الخارج دون الوقوع في دروب أو مواضيع استشراقية محددة. (اقرأ المقال ذو الصلة: الفن العربي المعاصر: نافذة مغايرة على المنطقة العربية).

قالت الشبيبي “أجمل ما في أعماله علاقتها ببيئته في خورفكان، لكنها لا تصور الصحراء والبحر والمناظر الطبيعية بشكل مباشر كما يتوقع المرء. لقد اتخذ موقفا مختلفا تماما. وهذا هو ما نستمتع به في أعماله، وما يجعلنا نبتسم عندما يكون الناس متشككين للغاية عندما يسمعون بأنه من الإمارات.”

تقول الشبيبي “يمكن قول ذات الشيء بخصوص الكثير من فنانينا في الشرق الأوسط. نحن نحاول الابتعاد عن جماليات الصور النمطية، لكننا لا نزال نحكي قصة الشرق الأوسط (الشتات، الهجرة، النزوح، الحرف اليدوية) ولكن من خلال عدسة مختلفة.”

https://www.bue.edu.eg/

يعمل جاليري لوري شبيبي حاليًا على إعداد دراسة مصورة شاملة لأعمال إبراهيم وقد تلقوا دعمًا تمويليًا من مؤسسة السركال الثقافية للفنون.

يعرض محمد أحمد إبراهيم معرضه “المسافة بين الجفن ومقلة العين” في جاليري لوري شبيبي في دبي حتى 9 أيار/ مايو 2019.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى