مقالات رأي

متحف جديد في لبنان يثير تساؤلات حول نهب الآثار

افتُتِح في لبنان خريف العام الماضي متحف جديد يحمل اسم (نابو)، لكنه أثار مؤخراً الكثير من الجدل حول أصول بعض مقتنياته والتي يعتقد أنه تم الحصول عليها بصورة غير قانونية من العراق.

يحمل المتحف الجديد الخاص اسم إله الكتابة والحكمة في العراق القديم، ويهدف، بحسب ما جاء في الموقع الإلكتروني الخاص به، إلى الحفاظ على إرث بلاد الشام والعراق من الضياع والاهتمام بتوثيقه وإتاحته للجمهور للتعرف على أصول حضاراته.

تضم مجموعة المتحف الأثرية نحو 2000 قطعة مختلفة تم الشروع باقتنائها منذ العام 1990 بالشراء المباشر من دور المزادات والصالات العالمية ومصادر أخرى لم يتم التعريف بها. وتشمل رُقم مسمارية طينية عراقية، تغطي مساحة زمنية طويلة جدًّا من عصر الدويلات السومرية الى العصر البابلي الوسيط ( 2600 وحتى 1100 ق.م ).

 يبلغ العدد الكلي لما نُشِر عنها رسميا لحد الآن 331 رقيمًا، تم تحليل ونشر نصوص تلك الرُقم على مرحلتين من قبل عالم مسماريات يدعى ديفيد اوين من جامعة كورنيل في نيويورك. نشر اوين دراسته الأولى بجزئين في (نيسابا، المجلد 15 في العام 2013) وثق فيها قراءاته وتحليله لما مجموعه 144 رقيمًا، أما الثانية والتي تضم  187 رقيمًا فقد تم نشرها في  كتاب مستقل  مشاركة مع بيرتراند لافونت*** في دراسة باسم من ميسوبوتاميا إلى لبنان، الرقم المسمارية لمجموعة جواد عذره في متحف نابو، الهرّي، لبنان – جامعة بنسيلفانيا.

تكشف هذه الدراسة عن وجود نحو 100 رقيم تقريبًا تعود إلى موقع  أثري في وسط العراق يعرف باسم  إري-ساجرج ( Iri-sagrig ) لم يُسجل فيه تنقيب رسمي لحد الآن، مما يثير تساؤلات كثيرة حول كيفية حصول المتحف على هذه القطع ويعزز الاعتقاد بارتباط هذه الرقم  بمجموعة أكبر منها تمت مصادرتها في الولايات المتحدة الأميركية، تحت اسم فضيحة متاجر هوبي لوبي الخاصة بمتحف الكتاب المقدس في واشنطن، والتي سعت الحكومة العراقية لاسترجاعها حيث أثبت مكتب المدعي العام الأميركي في ولاية نيويورك عدم شرعية تملك هذه القطع.

يعتقد مختصون أن رُقم موقع ( اري –ساجرج ) والرقُم الاخرى مسروقة ومهربة ومقتناه بطرق غير شرعية من أرضها الأم)، خاصة مع وجود أضرار فيها تعود لسوء التخزين وهو ما يعكس جهل السارقين والمهربين. من جهة أخرى، بات معروفاً أن هذه المنطقة وما جاورها قد تعرضت الى عمليات نهب كثيف خلال الحصار الدولي الذي فُرض على العراق في عقد التسعينيات من القرن المنصرم.

قالت الدكتورة إميلي بورتر، مؤرخة الفن في جامعة نيوكاسل سابقاً، وهي عراقية الأصل – بريطانية الجنسية، “أشعر بخيبة أمل كبيرة. إنه متحف مشبوه للغاية وينبغي معالجة القضايا المتصلة به بجدية. كلانا يقاتل للحفاظ على الآثار في العراق وإعادة ما سُرق، لكن عرض هذه القطع في متحف يعني إضفاء شرعية على المسروقات،” موضحة أن كل الآثار المعروضة يجب أن تمتلك وثائق قانونية لإثبات كونها مأخوذة بطريقة شرعية من موقعها الأصلي. قالت “لا يمكن لهذا المتحف أن يأخذ على عاتقه دور الوصي على الآثار العراقية، وهو ما يمكن أن تقوم به السلطات العراقية فقط.”

من مقتنيات متحف نابو، شمال بيروت. (الصورة: من صفحة المتحف على الفيسبوك)

مواثيق دولية:

بالطبع، يعد اقتناء متحف لقطع آثرية منهوبة انتهاكاً علنياً للقوانين والتشريعات الدولية التي تحمي إرث الشعوب وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالعراق. فعلى سبيل المثال، ينص البند السابع من قرار مجلس الأمن الخاص بالعراق رقم 1483على أنه “يتوجب على جميع الدول الأعضاء اتخاذ الخطوات المناسبة لتيسير عودة الممتلكات الثقافية العراقية والأشياء الأخرى ذات الأهمية الأثرية والتاريخية والثقافية… والتي أخذت بصورة غير قانونية من المتحف الوطني العراقي والمكتبة الوطنية ومن مواقع أخرى في العراق منذ 1990.. وكذلك الأشياء التي من المعقول الاشتباه في أنها أُخذت بصورة غير قانونية”.

حتى الآن، يرفض القائمون على المتحف الرد على أي استفسارات أو توضيح  حول مصدر بعض القطع. وقد علمت لاحقا، أنه تم رفع بعض القطع من العرض العام في محاولة للتخلص من تبعات اقتناءها غير الشرعي.

أقدر”الغايات النبيلة” والرغبة المعلنة للقائمين على المتحف بالحفاظ على المقتنيات الأثرية لدول تمزقها الحروب كالعراق وسوريا، لكن هذه الخطوة  ستشجع على المزيد من النهب و التداول غير الشرعي بحجة عرضها في متاحف. وهذه معضلة النهب الاثري الكبرى، ونقصد بها فقدان السياق التاريخي – الزمني  للأثر، حيث سيتم التعامل معه بوصفه قطعة نادرة منزوعة من رحمها، من دون سجلها التنقيبي، فتكون النتيجة الشاملة للفهم الآثاري منقوصة والقراءة للنتائج عرضة للتأويلات. كما قد يشجع الأمر إن تم السكون عنه على افتتاح متاحف أخرى للقطع المسروقة بدعوى إظهارها للجمهور العام.

لذلك لابد من إعادة غير مشروطة لكافة القطع التي في صالات ومخازن المتحفللحكومة العراقية، وأي اقتراح بتفاوض لإعادة القطع عبر بروتوكولات وتفاهمات مريبة أمر مرفوض، لأن هذه حيازة علنية لإثر دوليمسروق لا يمكن تقبلها تحت أي مسمى أو تبرير، ولابد من الوقوف بصلابة بوجه هكذا محاولات ومحاسبة القائمين عليها بقوة القانون لا التستر عليهم لأنها تسئ إلى هيبة الدولة اللبنانية وسمعة مؤسساتها الثقافية العريقة، فحقوق الشعوب لا تسقط بالترهيب أو التقادم.

عبد السلام صبحي طه: كاتب وباحث عراقي مختص بالشأن الآثاري العراقي، أصدر مذكرات الآثاري العراقي الراحل د. بهنام أبو الصوف، وكتاب (الكارثة، نهب آثار العراق وتدميرها) بالمشاركة مع نخبة من الباحثين الآثاريين حول العالم، وكتاب أطلس تاريخ العراق القديم المصور (قيد الطبع)، بالإضافة الى سلسلة مقالات عن ذاكرة العراق في السوق السوداء. عضو في لجنة تراث العراق الحي. ومؤسس العراق في التاريخ.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى