أخبار وتقارير

عالم اجتماع جزائري يناقش ثورة بلاده

منذ شهر شباط/ فبراير، شهدت الجزائر احتجاجات جماهيرية منتظمة للمطالبة بإحداث تغيير سياسي. تحت ضغط من الشارع، استقال الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يخطط للترشح لفترة رئاسية خامسة. لكن المتظاهرين يواصلون الدعوة إلى إقالة مسؤولين آخرين في عهد بوتفليقة فضلا عن الحصول على ضمانات بأن تكون الانتخابات، عند إجرائها، نزيهة وبعيدة عن تدخلات الحكومة والجيش.

كان ناصر جابي، عالم الاجتماع الجزائري الشهير، مؤيدًا للاحتجاجات وعلق على التظاهرات وحلل أهميتها في الصحافة الفرنسية والعربية. وقد تحدث إلى الفنار للإعلام مؤخرًا من العاصمة الجزائر.

يعتقد جابي أن السؤال الرئيسي يتمثل فيما إذا كان التغيير سيقتصر على تنحية بعض الشخصيات السياسية للنظام القديم، أو أنه سيمتد لإحداث تحول حقيقي للنظام السياسي. قال “ما هو على المحك يتمثل في مسألة ما إذا كنا سنغير النظام بأكمله أو أننا سنكتفي بإزالة أفراد معينين فقط. يريد الشباب والمجتمع إحداث تغيير سياسي جذري، وليس فقط تغيير بعض الشخصيات. “(اقرأ المقال ذو الصلة: طلاب الجزائر يقوضون أحلام بوتفليقة بولاية خامسة).

تقول رسالة السلطة: “لقد غادر هذا الشخص، وبذلك يمكنكم العودة إلى منازلكم. لكننا لا نريد التوقف حيث يريدون منا أن نتوقف. والسؤال الرئيسي يكمن في كيفية تغيير النظام الذي خلق هذا الفساد، وكل هذه العلل؟”

مؤخرًا، اجتمعت بعض المجموعات التي دعت إلى التغيير في منتدى للحوار الوطني. وقد كان التجمع، الذي تألف في الغالب من قوميين وأحزاب إسلامية ومنظمات غير حكومية ونقابات، مجرد وسيلة تسعى قوى المعارضة من خلالها لتلبية مطالبهم. يقول جابي إن هناك وجهات نظر ومناهج أخرى، بما في ذلك تلك الأكثر راديكالية أو يسارية، أو تلك التي تمثل جماعات تركز على هويتها الأمازيغية. لا تريد هذه المجموعات التحرك بسرعة كبيرة نحو الانتخابات الرئاسية، لأنهم يخشون أن تعيد هذه العملية إنتاج النظام القديم.

في الواقع، تتمثل إحدى نقاط الخلاف الرئيسية اليوم في كيفية تنظيم حوار وطني مع السلطة (أو le pouvoir كما يسمي الجزائريون النظام الحاكم) وما هي البنية المستقلة الجديدة التي سيتم إنشاؤها للإشراف على الانتخابات. قال جابي، “يطالب الكثيرون بضرورة إبقاء الحكومة ووزارة الداخلية بعيدا عن إدارة الانتخابات، وإجراء أول انتخابات حرة ونزيهة في البلاد.”

أضاف جابي “من ناحية أخرى، تريد السلطة المضي بسرعة كبيرة نحو الانتخابات.” إذ ترى السلطات إن هذا ضروري للبقاء في إطار الدستور، والخروج من الأزمة في أسرع وقت ممكن. لكن جابي يقول إن البلاد قد خرجت بالفعل من هذا الإطار. قال “دستورنا غير مبني للتعامل مع النزاعات السياسية، ونحن في وضع استثنائي. يقول السكان إن هذه المشكلة السياسية تتطلب حلاً سياسيًا وليس دستوريًا فقط.”

رجل يلوح بعلم على شرفة أثناء مظاهرة تزامنت مع الاحتفال باستقلال الجزائر عن فرنسا (تصوير: قادري محمد سيبا/ أسوشيتدبرس.)

في الوقت ذاته، تعدّ الاحتجاجات الضخمة في الشوارع الطريقة الوحيدة لمواصلة الضغط من أجل التغيير. قال جابي، “ضماننا الوحيد هو دوام هذه التعبئة الشعبية. بدونها، سوف نتراجع إلى الأساليب القديمة. نحن بحاجة إلى البقاء في الشارع لفرض هذا الحوار.”

ويضيف جابي “هناك جدل سياسي كبير. هناك تسييس كبير في الجزائر، والشباب على وجه الخصوص.”

شملت هذه التعبئة الجامعات أيضًا. يقول جابي إن المظاهرات التي يواصل طلاب الجامعات والأساتذة تنظيمها كل يوم ثلاثاء تركز في الغالب على المطالب السياسية العامة للديمقراطية، لكنهم مهتمون أيضًا بـ “الديمقراطية داخل الجامعات، وكيفية تحرير الجامعات، وكيفية محاربة الفساد داخل الجامعات”. (اقرأ المقال ذو الصلة: الإضراب يشل الجامعات الجزائرية) حيث يطالب الطلاب بمزيد من الشفافية في كيفية إنفاق الجامعات للأموال العامة. كما يدعون إلى مناهج تربوية جديدة تتوافق مع المعايير الدولية، وإلى مزيد من الانفتاح على العالم الخارجي.

ترتبط مسألة إدارة الجامعة مباشرة بالنقاش السياسي في البلاد، كما يشير جابي. قال “لا يمكننا تغيير الجامعات من دون تغيير النظام السياسي. بإمكان نظام سياسي شرعي فقط، بوجود برلمان ورئيس مدعوم من الشعب، مواجهة مشاكل الجامعات في الجزائر وإدارتها المالية. لم نجرِ قط نقاشًا جديًا وشفافًا حول دور الجامعة ومستقبلها، وأقصد بذلك النقاش الذي يدور حول شكل الجامعة التي نرغب بها. يتخوف قادتنا من مواجهة هذه المشاكل، ولم يقوموا بحلها أبدا. وهذا ما أعطانا جامعات مريضة.”

يعتقد جابي أنه توقع اندلاع الاضطرابات والاحتجاجات في الجزائر، بالنظر إلى مدى إحباط الناس. لكنه، وكحال كثيرين آخرين، فوجئ وأعجب بالشكل الذي اتخذته التعبئة الجماهيرية.

قال “لم أكن أتوقع مثل هذه التعبئة السلمية المنظمة والضخمة. لم نكن متأكدين من أننا سنشهد حراك وطني قوي وأن يبقى سلميا لعدة أشهر. كان هذا اكتشاف جميل. لم يدهشني شيء مما يحدث، وأن الأمور لن تستمر كما هي عليه الآن، فقد سئم الجزائريون من ذلك، ولاسيما الشباب. أنا مندهش من تصميم الشعب الجزائري، أن يخرج الناس في 48 مدينة في وقت واحد، وبذات المطالب، في مثل هذا الحر. الأمر مستمر منذ خمسة أشهر.”

لن يكون الحل الإيجابي لهذه الأزمة سهلاً.

قال “سندخل في فترة حساسة للغاية وصعبة. ستكون هناك مفاوضات رسمية وغير رسمية. أعتقد أن التعبئة ستفرض نفسها. لقد كانت الجزائر أول بلد خاض حربًا أهلية في المنطقة. آمل أن نكون أول بلد يغير نظامه السياسي من خلال حركة جماهيرية سلمية.” يعتقد جابي أن هذا يمكن أن يكون نموذجًا للمنطقة ويعطي الأمل لدول عربية أخرى يمكنها التغلب على الصدمة التي أعقبت فشل الربيع العربي في دول مثل مصر وسوريا.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى