أخبار وتقارير

مصر تواجه نقصاً في الأطباء وتراجعاً في الخدمات الصحية

تشهد مصر موجة هجرة غير مسبوقة للأطباء وسط مخاوف من تأثير ذلك على مستوى الخدمة الصحية المتدني أصلا في البلاد. فخلال الأعوام الثلاثة الماضية غادر أكثر من 10 ألاف طبيب، منهم ثلاثة ألاف خلال العام الحالي، بحسب نقابة الأطباء. إذ تقدر النقابة هجرة  110 ألف طبيب مصري للعمل بالخارج من مجموع 220 ألف طبيب مسجل لديها، أي نصف أطبائها خلال الخمس سنوات الماضية.

قال إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، “هجرة الأطباء مقلقة وتهدد المنظومة الصحية التي تعاني بالفعل من الإهمال،” مشيراً إلى ازدياد أعداد الأطباء المستقيلين من المؤسسات الطبية الحكومية بما ينذر بنقص الكوادر في بعض التخصصات.

قال “استمرار ذلك قد يعني أن المصريين لن يجدوا قريبا من يعالجهم.”

مشكلة العجز في عدد الأطبّاء أكدتها هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان أمام مجلس النواب في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث قالت إنه يوجد 103 آلف طبيب لـ100 مليون مواطن، وهو ما يمثل 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 32 طبيباً لكل 10 آلاف مواطن.

أسباب متنوعة والنتيجة واحدة

تتعدد أسباب هجرة الأطباء بين تدني مستوى الرواتب، مع ضعف الإمكانات والمستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية، إضافة إلى عدم وجود قوانين تحمي الطبيب أثناء ممارسة عمله، بحسب ما يقول أطباء.

قال خالد سمير، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب في جامعة عين شمس، “كأطباء نعاني من مشكلات كثيرة بدء بضعف الأجور مروراً بالإهانات المتكررة والاعتداءات من قبل المرضى وذويهم  وتشوية صورتنا واتهامنا المستمر بالإهمال. كل ذلك يدفع الكثيرين للسعي وراء الهجرة.”

يبلغ متوسط ما يتقاضه الطبيب حديث التخرج 2,000 جنيه مصري (120 دولار أميركي) شهرياً، ويتقاضى الأخصائي عقب حصوله على الماجستير حوالي 3,000 جنيه (180 دولار أميركي)، بينما يبلغ متوسط إنفاق الأسرة المصرية 3,058 ألف جنيه (183 دولار أميركي) في عام 2015 بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وذلك قبل قرار تعويم الجنيه المصري. من جهة أخرى، يشكو الأطباء من عدم توافر حماية لهم في حال أصيب المريض بمكروه أو توفي نتيجة حدوث مضاعفات صحية أو نقص الإمكانيات، وعدم حدوث ذلك نتيجة تقصير من الطبيب. إذ يفاجأ الطبيب بإحالته للنيابة العامة وخضوعه لأحكام قانون الجنايات لعدم وجود قانون خاص بهم. في المقابل، لايتجاوز تعويض بدل العدوى الذي يتقاضاه الطبيب شهريا 19 جنيه ( 1,13 دولار أميركي).

قال مصطفى عبد الرحيم، إخصائي الأطفال في الكويت، “لست نادماً على استقالتي من العمل في مصر، فالأجور ضعيفة مما يجعل الطبيب يعمل في العيادات والمراكز الخاصة بعدد مناوبات يصل إلى 72 ساعة لتلبية متطلبات معيشته واسرته، ناهيك عن افتقاد الشعور بالأمان أثناء العمل.”

يتفق أحمد رفعت، مدرس بمعهد الأورام في جامعة أسيوط مع عبد الرحيم حول ضعف البدلات المالية للأطباء وغياب السياسات الداعمة لإستمرار عملهم.

قال “لا يتقاضى الأستاذ الجامعي بكلية الطب أكثر من 10 ألاف جنيه كحد أقصى (600 دولار أميركي) بينما يتقاضى الأخصائي في أي دولة عربية عشر أضعاف هذا الراتب ومن يغادر لن يفكر في العودة مرة أخرى.”

لا يترتب على ضعف رواتب الأطباء هجرتهم للعمل خارج مصر فقط، وإنما يترتب على ذلك أيضا هجرة داخلية لبعض التخصصات الحرجة. (الصورة: طارق عبد الجليل)
لا يترتب على ضعف رواتب الأطباء هجرتهم للعمل خارج مصر فقط، وإنما يترتب على ذلك أيضا هجرة داخلية لبعض التخصصات الحرجة. (الصورة: طارق عبد الجليل)

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

لا يترتب على ضعف رواتب الأطباء هجرتهم للعمل خارج مصر فقط، وإنما يترتب على ذلك أيضا هجرة داخلية لبعض التخصصات الحرجة، كالجراحات العامة والرعاية المركزة والتخدير والطوارئ وجراحات القلب، والتوجه إلى تخصصات تحتاج جهد أقل وذات عائد مادي أعلى كجراحات التجميل والأطفال والنساء، ما يسبب عجزا كبيرا في تخصصات وتكدسا بتخصصات أخرى.

فعلى سبيل المثال، طلب معهد القلب القومي  مؤخرا 50 طبيبا مقيما للتعيين بقسم التخدير، و30 طبيبا مقيما بقسم جراحة القلب لكن لم يتقدم سوى طبيب واحد لكل قسم .

قال الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، “هناك عجز الشديد في تخصصات طبّ الطوارئ والرعاية المركزة، لأن أطباءها يفضلون السفر إلى الخارج، إضافة إلى غياب وجود قانون خاص بتقييم الأخطاء الطبية وترك الأطباء عرضة للمحاكمات الجنائية غير المتخصصة.”

حلول غير مدروسة

على الرغم من الاتفاق حول أسباب هجرة الأطباء، فإن إيجاد حلول لهذه المشكلة ليس محل اتفاق بعد.

إذ أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا عزمها دراسة إمكانية تخريج دفعات استثنائية من خريجي كليات الطب، بالإضافة إلى زيادة أعداد الطلاب المقبولين بكليات الطب لمواجهة أزمة هجرة الأطباء للخارج. لكن الحلول المقترحة من قبل الحكومة لا تلقى قبولا كافيا.

قالت منى مينا، عضو مجلس نقابة الأطباء، “لا يمكن توفير تدريب عملي مناسب في حال تم زيادة أعداد المقبولين، زيادة أعداد الطلاب ومن ثم الخريجين تحتاج لدراسة معمقة وتفصيلية لتجنب زيادة انحدار الخدمات الصحية.”

يرفض سمير، أستاذ جراحة القلب بكلية الطب في جامعة عين شمس، أيضاً فكرة زيادة أعداد الطلاب أو حتى الكليات. قال “لا نعاني من عجز فى عدد خريجي الطب، ولكن في هجرتهم بعد التخرج. بيئة العمل هنا طاردة للكفاءات ولابد من وجود منظومة أجورعادلة وقانون حماية للارتقاء بمستوى معيشة الأطباء.”

لايبدو أحمد سعيد، الأستاذ المساعد بقسم النساء والتوليد بكلية طب القصر العيني، متفائلا حيال تغيير الوضع للأفضل قريبا. إذ يستعد للخضوع للجزء الثاني من إمتحان الزمالة البريطانية هذا العام ليحصل على فرصة للسفر والعمل في إنجلترا.

قال “مع الأسف تأخرت في اتخاذ هذه الخطوة، كان ينبغي علي اتخاذها قبل ست سنوات فالوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى