أخبار وتقارير

الباحثون المصريون في قطاع الزراعة يواجهون مخاطر بيولوجية

في الوقت الذي تكتسب فيه البحوث الزراعية أهمية متزايدة في مصر لتحقيق الأمن الغذائي، يبدي عدد من الباحثين ترددا في إجراء العديد من البحوث في هذا القطاع نتيجة لغياب معايير السلامة المهنية والأمان الحيوي خلال عملهم.

قال محمد السيد، أستاذ أمراض النبات في مركز البحوث الزراعية وهي مؤسسة حكومية في محافظة الجيزة، “لا يتم التقييد بإتباع قواعد الأمان الحيوي داخل المختبرات، والتي تعمل على تقليل الأخطار البيولوجية ومنع انتقال الأمراض للباحثين نتيجة التعامل مع مواد بيولوجية خطرة في المعامل البحثية.”

بدوره، يقول عمر راضي شلبي، أستاذ علوم التغذية بمركز البحوث الزراعية وزميل السيد، إن “إصابات الباحثين أثناء عملهم بالمعامل تتزايد ولا وجود لمعايير تضمن السلامة المهنية والأمان الحيوي للباحثين في العديد من مختبرات البحوث الزراعية،” مشيرا إلى وفاة ثلاثة باحثين على الأقل خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بعد معاناة مع المرض نتيجة إصابتهم خلال عملهم في المخابر.

تواجه مصر، كالعديد من دول المنطقة، تحديات كبيرة لتحقيق أمنها الغذائي خاصة في ظل التأثير السلبي للتغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي. إذ تشير دراسة  نُشرت في دار النشر العالمي سبرنجر في عام 2013 تحت عنوان “الزراعة المستدامة والتغيرات المناخية في مصر”، إلى أن التغييرات  في ارتفاع وانخفاض درجة الحرارة وانخفاض توافر المياه وهطول الأمطار المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية، ستقلل من صافي الإنتاجية للمحاصيل الزراعية، وأيضًا ستتسبب في زيادة في حدوث الآفات والأمراض. من هنا تكتسب البحوث الزراعية أهمية خاصة في مصر ويبدو إحجام الباحثين عن القيام بها أمراً مؤسفاً.

حالات وفاة

فبحسب شلبي، يواجه الباجثون في أقسام الفيروسات والفطريات وأمراض النبات عادة مخاطر الإصابة بأمراض متعددة. قال ” توفي العديد من الباحثين نتيجة تعرضهم لإصابات بالفطريات والبكتيريا والفيروسات أثناء العمل.”

في كانون الثاني/ يناير الماضي، توفي الباحث أحمد إبراهيم، بمعهد الأراضي والمياه والبيئة في مركز البحوث الزراعية، عن عمر يناهز الـ39 عاما نتيجة إصابته بعدوى بكتيرية أثناء عمله في بحث خاص بعزل سلالة من أنواع البكتيريا الموجودة في التربة، التي يمكن استخدامها في المكافحة الحيوية للآفات التي تصيب النبات.

قال شلبي”انتقلت العدوى إلى الباحث من خلال نوع من البكتيريا التي لم يعرف لها ضرر من قبل على الإنسان، والتي أصابت جهازه المناعي بأضرار كبيرة، وأصبح لا يستجيب لأي نوع من أنواع العلاج حتى توفي.”

كما توفي العام الماضي، محمد صالح أستاذ مساعد بمعهد البساتين قسم الفطريات في القاهرة، نتيجة دخول  فطر إلى رئتيه وتوفي بعد حصوله على الدكتوراه بـ 15 يوماً.

تتسبب مثل هذه الحوادث في تراجع العديد من الباحثين عن القيام بالبحوث والاكتفاء بالعمل الإداري أو إجراء تجارب بسيطة لا تتضمن العمل مع مواد سامة أو كائنات خطرة.

قال محمد علي فهيم، أستاذ التغيرات المناخية بمركز البحوث الزراعية، ” لدينا نحو 12 ألف باحث وباحثة لكن العدد الفعلي الذي يعمل بالمعامل ذات الخطورة لا يتعدى 500 ، أعداد قليلة من الباحثين تعرض نفسها للمخاطر.”

يمكن للدروع والقفازات الزجاجية أن تساعد في تقليل خطر العدوى، عندما تستخدمها المختبرات (الصورة: وزارة الزراعة الأميركية).
يمكن للدروع والقفازات الزجاجية أن تساعد في تقليل خطر العدوى، عندما تستخدمها المختبرات (الصورة: وزارة الزراعة الأميركية).

لا تعويضات

على الرغم من الأخطار التي يواجهها الباحثون في معاهد مركز البحوث الزراعية، إلا أن رواتبهم وتعويضات عملهم لا تتناسب مع حجم العمل والمخاطر التي يتعرضون لها. إذ يبلغ متوسط ما يتقاضاه المعيد 3,000 جنيه مصري (180 دولار أميركي) شهريا، في حين يتقاضى المدرس المساعد   3,750 جنيه (225 دولار أميركي)، ويتقاضى المدرس عقب حصوله على الدكتوراة 4,500 جنيه (271 دولار أميركي)، بينما يبلغ متوسط إنفاق الأسرة المصرية 4,916 (296 دولار أميركي) في عام 2018  بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

كما يشكو الباحثون من عدم وجود أي تعويضات مالية تتعلق بمخاطر المرض أو العدوى خلال العمل.

قال محمود عبد الرحمن، باحث بمركز البحوث الزراعية، “أعمل طوال الوقت مع مسببات الأمراض، من فيروسات وطفيليات وفطريات وبكتيريا ولدي التزامات أسرية مادية لا يكفيها راتبي، ولا أتقاضى بدلا للعدوى، وهو ما يفقدني الشعور بالأمان تجاه مصير أسرتي، إذا ما أصابتني عدوى بكتيرية أثناء عملي.”

يتفق محمد حسان، الباحث بمعهد بحوث أمراض النباتات، مع عبد الرحمن حول ضعف الأجور وغياب أي تعويضات ضد العدوى المحتملة جراء تعرض الباحثين للمبيدات السامة. قال “لا نتقاضى بدل عدوى رغم حصولنا على أحكام قضائية نهائية بأحقيتنا في ذلك، هذا يجعلنا نفكر في ترك العمل والبحث عن مصدر دخل آخر.”

ميزانية ضعيفة

يتفق الباحثون الذين التقتهم الفنار للإعلام على دور ضعف الميزانيات الموضوعة لمراكز البحوث الزراعية في غياب وسائل الأمان الحيوي اللازمة لعملهم.

فعلى سبيل المثال، يتسبب نقص الميزانية في عدم توفير ملابس واقية للارتداء خلال العمل في المخابر، وبالتالي يتوجب على الباحث توفيرها لنفسه أو العمل من دونها مما يجعله عرضة للإصابة والمرض. كما يتسبب ضعف الميزانية في قلة عمليات التنظيف والتطهير اللازمة للمختبرات فضلاً عن قلة عدد المختبرات المعزولة بشكل جيد.

قال شلبي “لابد من زيادة الميزانية، هذا هو الحل الوحيد لضمان الحفاظ على الباحثين من أي أخطار تواجههم خلال عملهم.”

تبلغ ميزانية المركز للعام الحالي نحو 27 مليون جنيه مصري في حين كانت تزيد عن ٢٠٠ مليون جنيه خلال فترة التسعينيات وأوائل الألفيين، بحسب الإحصائيات الرسمية.

يتفق فهيم مع شلبي على ضرورة زيادة المخصصات المالية الموجهة للبحث الزراعي في مصر لتحسين وضع الباحثين وضمان سلامتهم. لكنه يعتقد أيضاً بضرورة وجود قوانين تدعم السلامة المهنية للباحثين.

قال “يجب أن يخصص نسبة لا تقل عن واحد في المئة من إجمالي الدخل القومي الزراعي لمصر وهو ما يتعدى أربعة مليارات جنيه مصري سنويا على الأقل، وقبل ذلك لابد من وضع سياسة بحث علمي زراعية واضحة تتضمن بنودا واضحة تضمن السلامة المهنية للعاملين.”

Countries

تعليق واحد

  1. حقيقة هذاءهو حالنا كباحثين فى مركز البحوث الزراعية فنحن نعانى من شح الموارد المالية والمتطلبات البحثية الضرورية لإنتاج بحث علمى سليم كما كنا فى بداية عملنا….كما أننا نعانى من تفرقة عنصرية واضحةبينا وبين زملائنا من اساتذة الجامعة مع العلم أن كل التجارب االحقلية هى من المهام الأساسية التى نقوم بها دون غيرنا من اساتذة الجامعة…..كما أننا نواجه مشكلة لم نجد لها حلا لها حتى الآن رغم مناشدة كل المسؤولين الجاد حلا لها دون أية بارقة أمل حتى الان إلا وهى تنفيذ الأحكام القضائية واجبة التنفيذ التى حصل عليها العديد من الباحثين الافاضل ولم تنفذ حتى الان دون معرفة السبب فى ذلك…..ولا يسعنا إلا أن نقول الله المستاع…..؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى