مقالات رأي

الفنانون المعاصرون في العالم العربي: ناجون من عصر الأزمات

“عندما تشترك اثنتان وعشرون دولة متعددة الأشكال بذات اللغة والمجال الجغرافي والتاريخي، وتتقاسم معظمها ذات الديانة، فهل هناك رابط ثقافي مشترك؟” هذا ما تطرحه منسقة المعارض روز عيسى في مقدمة كتاب العروبة: الفن العربي المعاصر، والذي يضم مختارات جديدة لبعض الأعمال الأكثر إثارة وتأثيرا التي أُنتجت في المنطقة العربية على مدى العقود الأربعة الماضية.

قالت عيسى “العروبة هي الإجابة على هذا السؤال. إنها تستكشف الاهتمامات العربية فنيا واجتماعيًا وسياسيًا. سواء أكان ذلك من داخل أو خارج العالم العربي، وتوضح كيف يقاوم الفنانون العرب النمطية، ويتحدون حدود هويتهم، ويعيدون تشكيل معالم تقاليدهم ويعيدون الشعر البصري إلى الحياة.”

بدأت عيسى باستخدام مصطلح “العروبة” منذ حوالي عشر سنوات.

في مكالمة هاتفية من لندن، أخبرتني عيسى “إنها كلمة جديدة. يجب على الناس التفكير في الأمر. الهدف كله هو أننا يجب أن نفكر، ونتساءل عن ماهية اهتمامات الفنانين العرب اليوم؟”

خلال العقود الماضية، قامت عيسى بتنظيم العديد من المعارض التي ركزت على هذه المسألة. وهي تشمل: إعادة التوجهات: التمثيلات العربية المعاصرة (البرلمان الأوروبي، بروكسل، 2008)، العروبة (مركز بلوكوت للفنون، ليفربول، ومركز بيروت للمعارض، 2010)، إعادة التوجهات الثاني (لندن، 2012)، والعروبة: عين لبنان (معرض بيروت للفنون، 2017).

نَفُذت كتالوجات هذه المعارض بسرعة – ومن هنا كانت الحاجة لوجود كتاب لتسجيل المعارض، بالإضافة إلى عرض أعمال الفنانين الإضافيين الذين لم تتمكن عيسى من تضمين أعمالهم. من المقرر أن يرافق هذا الكتاب، الذي نشرته دار الساقي وحررته عيسى وجولييت سيستار، معرض العروبة الذي سيفتتح في 14 أيلول/ سبتمبر في معرض الفنون بمعهد الشرق الأوسط في العاصمة واشنطن.

فيما يتعلق بالسؤال الخاص بماهية اهتمامات الفنانين العرب اليوم؟ فإن إجابة عيسى تتضمن “المقاومة والإبداع والجمال والحرب والذاكرة والخسارة والنجاة.”

تدافع عيسى عن الفن المرئي والأفلام من العالم العربي وإيران منذ ما يقرب من 30 عامًا. فقد عاشت في إيران ولبنان وفرنسا قبل أن تستقر في لندن، حيث تعرض أعمالها في مساحة مشاريع روز عيسى. قامت برعاية العديد من المعارض. في عام 1982 أطلقت أول مهرجان سينمائي عربي في باريس.

 مواضيع العنف والنزوح

على الرغم من التنوع الكبير للفنانين الـ 35 الذين يتناول كتاب العروبة أعمالهم، إلا أن بعض المواضيع تبرز عمّا سواها. وتعتبر موضوعات عنف الاحتلال والحرب والنزوح من بينها. يتم تنظيم الكتاب حول خط تاريخي جغرافي تقريبي، ويمضي على طول نقاط التحول في التاريخ الحديث للمنطقة، والتي غالبًا ما تتمثل في صراع مثل: إنشاء دولة إسرائيل، مع الحروب والاحتلال والانتفاضات الفلسطينية التي تلت ذلك؛ الحرب الأهلية اللبنانية؛ وغزو العراق والحرب الأهلية السورية.

يبدأ كتاب العروبة بالفن الفلسطيني، الذي يعرض أعمال فنانين مثل منى حاطوم وإميلي جاسر وعبد الرحمن كتناني، الذين يعيش في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين بالقرب من بيروت، ويصنع فنه من الأشياء التي يعثر عليها مثل الأسلاك الشائكة وصفائح الفولاذ المموج. (اقرأ المقالات ذات الصلة: المتحف الفلسطيني يستضيف معرضه الأول  وفنان يبتكر منحوتات من مخلفات مخيم للاجئين).

تنتقل المجموعة بعد ذلك إلى الفن المصري واللبناني والعراقي والسوري،  لتعرض في النهاية الفن من منطقتي الخليج وشمال إفريقيا.أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

من أعمال جوهرة آل سعود، (الصورة: دار الساقي)
من أعمال جوهرة آل سعود، (الصورة: دار الساقي)

بالنظر إلى تاريخ المنطقة المتجسّد في تشكيلها وإعادة تشكيلها من قبل الاستعمار والحرب، فإن بعض الأعمال تلعب على هشاشة الدولة القومية وتعسفها. وتشمل هذه الأعمال أمور مثل المكاتب الافتراضية التي وضعها خليل رباح التابعة للخطوط الجوية للولايات المتحدة الفلسطينية أو سيناريو بادي دلول من أجل الاستقلال، عندما قام بتقسيم إنشاء دولة إلى مجموعة من الخطوات سهلة المتابعة.

ينخرط عدد من الفنانين أيضًا في موضوع النوع الاجتماعي. إذ يصوّر نبيل بطرس شبانًا جذابين يرتدون الحجاب ويحدقون في مسافة بعيدة. وتلتقط جوهرة آل سعود صورًا لنساء سعوديات في لحظات يومية حميمة كنقطة انطلاق لها؛ ثم تحذف، في الرسومات، جميع التفاصيل (بما في ذلك الوجوه) أو الموضوعات التي قد يعترض عليها الرقيب.

ومن غير المفاجئ أن يبرز الصراع في عمل العديد من الفنانين. ومن الأمثلة على ذلك عملية الحرية للعائلة العراقية بريشة محمود عُبيد، وهي لوحة مؤثرة ومليئة بالنحت، ولوحات سعد بعلبكي السوداوية لأكوام الحقائب؛ أو منحوتات كاتيا طرابلسي باستخدام قذائف الهاون الفارغة. تصوّر سلسلة الفنان السوري خالد بركة باسم “صور غير معنونة” نوع الصور التي شاهدناها جميعًا منتشرة عبر الإنترنت، لمدنيين سوريين يحملون أطفالاً ميتين أو جرحى، لكن مع تحويل الضحايا إلى صور ظلية بيضاء. بطريقة ما، فإن محو الضحايا يجعل مشاهدة الصور أكثر احتمالاً، مع الاحتفاظ بشهادتها على الأسى الشديد.

يبدو أن مثل هذه الأعمال تبرز إعلان الفنان إتل عدنان القاتم في بداية الكتاب: “هناك خيال عربي، مزيج من الواقع والأحلام، لرغبات المستقبل؛ إنه يربط بين شعوب، متشابهة ومختلفة، ويخلق ديناميكية تميز العالم العربي، مما يجعلها متفجرة ومأساوية. في النهاية، قد يكون هذا الشعور بالانتماء إلى مصير مأساوي، مؤلم ولكنه ضروري، الذي يربطنا جميعًا، نحن العرب.”

 أعمال فنية تتحدث “مباشرة”

ومع ذلك، فإن هذه الرؤية أكثر تشاؤما من رؤية عيسى التي ترى الفنانين على أنهم ناجون يخلقون عملاً يتسم بالجمال والإبداع والإنسانية حتى في خضم الدمار. قالت، “نحن لا نعطي منصات أو ميكروفونات كافية لفنانينا. نحن نمنح هذه الأمور للقادة الذين لم يتم انتخابهم.”

في مقال قصير، تلاحظ منسقة المعارض التونسية مشكات كريفة أن العديد من الفنانين العرب المعاصرين يوثقون شعورًا سائدًا بالخسارة، لكنهم يناضلون أيضًا من أجل إعادة التفسير وإعادة الاتصال بالماضي. قالت، “إنهم يستخلصون من الماضي ليروا ما إذا كان هذا يجعل التعامل مع الحاضر ممكنًا. وبالتالي، أصبح الأدب وعلم الآثار والدراسات الثقافية والأنثروبولوجيا والتاريخ والجغرافيا من العناصر الأساسية للتطور الفني.”

تعتبر مقالة كريفة واحدة من عدة مقالات في الكتاب. لكن في الغالب، تتحدث الأعمال عن نفسها، مؤطرة بأوصاف مختصرة أو بيانات فنانين. يشجع هذا النهج القراء على البحث عن مزيد من المعلومات بمفردهم. (كما تشير عيسى، أن من السهل البحث عن الفنانين على الإنترنت اليوم).

يتحدث الإختيار أيضًا عن تذوق عيسى الشخصي للفن الذي يتميز بالقوة والقدرة على الإدراك. قالت “الأعمال الفنية التي تتحدث بصريًا على الفور، والتي تعكس اهتمامات عامة الناس.”

وتضيف بحزن بأنه ليس لديها وقت للأعمال الفنية التي تتطلب قراءة ثلاثة كتب لتكون موضع تقدير. قالت “الوضع ملح للغاية.”

على مدى السنوات الثلاثين الماضية، شهدت عيسى ظهور الفن العربي المعاصر في السوق الدولية، من خلال مزادات ومعارض دولية مثل آرت دبي. كما ظهر عدد من المؤسسات الفنية الجديدة والمتاحف والبرامج، مما يوفر فرصًا أكبر لتدريب أو تنمية مواهب الفرد كفنان أو منسق أو ناقد.

لكن عيسى تقول إنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لتوثيق الإنتاج الفني في المنطقة وتشجيعه بين جميع شرائح المجتمع.

وعندما سألت عن نصيحتها للفنانين الشباب ومنسقي المعارض في الدول العربية، قالت: “ابدأ بنفسك. أقم معرضك في قريتك، مدينتك، بلدك. تعرف على تاريخك وبلادك وعائلتك. كن أصليًا، لا تكرر ما فعله الآخرون – قل شيئًا يضيف إلى الثقافة.”

تقول عيسى إن أكثر ما أعجبت به دائمًا في الفنانين هو “تفرد فكرهم، ومحبتهم، وتعاطفهم، وشعورهم بالاشمئزاز، والتمرد. التفرد يمسني. لا يتعلق الأمر بتنفيذ العمل، بل يتعلق بما إذا كان سيحرك المرء أو لا.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى