مقالات رأي

الاحتجاجات اللبنانية في عيون الأكاديميين

تتصدر الأوضاع الاقتصادية المتردية والمشكلات الاجتماعية والحكومية القديمة مقدمة أسباب إثارة الاحتجاجات في لبنان، بما يتخطى المشكلات الطائفية التقليدية والحواجز الجغرافية. يقدم الباحثون في المعاهد المهتمة بدراسة الشرق الأوسط أراء مختلفة حول أسباب وسبل معالجة مايحدث. فيما يلي ملخص محدث بتاريخ 13 تشرين الثاني/ نوفمبر لبعض أبرز المقالات بهذا الخصوص. (اقرأ أيضاً: حرب الطوائف في لبنان تتحوّل إلى ثورة شباب ضد السياسيين و أساتذة لبنانيون يطلقون “مدرسة المشاغبين”)

لبنان لا يحتاج إلى أبطال

فضلو خوري، رئيس الجامعة الأميركية في بيروت

من شأن حركة الاحتجاج الحالية أن تنهي النظام السياسي الذي ساد في لبنان منذ اتفاق الطائف عام 1989، وهو نظام قائم على الانقسام الطائفي. كتب خوري، “أخيرًا، انتهت الحرب الأهلية اللبنانية في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.”

من بين المتظاهرون العديد من طلابنا وأعضاء هيئة التدريس وموظفي جامعتنا. يتوجّب علينا أن نساعد الطلاب على إكمال دراساتهم بينما يشاركون في المظاهرات. في الجامعة الأميركية في بيروت، تُعد خدمة المجتمع جزءًا لا يتجزأ من تعليم الفنون المتحررة.

على المتظاهرون أن يبقوا متحدين، ويجب ألا يجعلوا من أنفسهم ضحايا أعمالٍ بطولية. من شأن هذا أن يخدم مصالح السياسيين الذين يديرون البلاد فقط.

كما يتوجب علينا استئناف الدراسة، التي تم تعليقها منذ 18 تشرين الأول/ أكتوبر، على الرغم من كوننا ندعم ونحمي حرية التعبير وحق طلابنا وأعضاء هيئة التدريس في الاحتجاج.

الكفاح عبر التطبيقات: لبنان، غينيا، وخلاف البنى التحتية

حاتم الهبري وكلوفيس بيرجير، موقع جدلية Jadaliyya.com

“كانت ضريبة تطبيق الواتساب WhatsApp اللبنانية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ولكن ما الذي جعلها القشة التي بدأ معها كل شيء؟”

في لبنان، لا يمكن فصل هذا التطبيق تقريبًا عن استخدام الهاتف المحمول، نظرًا لكون تسعيرة الهاتف والبيانات في البلد من بين الأغلى في العالم. كتب المؤلفان، “كان من الممكن أن تقطع الضريبة نسيج العديد من أشكال التفاعل الاجتماعي، ولاسيما بالنسبة للعاطلين عن العمل وفقراء العمّال.

إنها ضريبة تراجعية، بمعنى أن المبلغ الذي يتم فرضه ثابت بمعدل واحد، مما يجعلها أكثر تكلفة بالنسبة للفقراء مقارنة بالأغنياء. يفضّل النظام السياسي الذي يخدم مصالح الأغنياء بشكل رئيسي الضرائب التراجعية بدلاً من الضرائب التصاعدية، والتي يتم فرضها وفقًا لقدرة دافعي الضرائب على الدفع.

لكنها ضريبة يسهُل جمعها في بلد مثل لبنان. ففي لبنان، يعني عدم وجود نظام ثابت للعناوين عدم وجود علاقة ثابتة دائمة بين الموقع والمواطن. تتطلب الضرائب تحديد موقع الكيان المالي – أي شيء أو شخص ما – وحسابه. في لبنان، لا يمكن تحديد دافع الضرائب المحتمل عن طريق عنوان المنزل، ولكن يمكن إجباره على دفع ضريبة عند استخدام أي شيء محمول متاح مجانًا.

يقارن المؤلفان الوضع في لبنان بحركة الاحتجاج الجارية الآن في غينيا – “وهي دولة أخرى تشهد حركة احتجاج تتعلق بديناميات صناعة الاتصالات أيضًا.” لكن الفرق الرئيسي بين البلدين يتمثل في أن الحكومة في غينيا تلجأ إلى إغلاق الإنترنت بالكامل لمنع الاحتجاج، وهو أمر لم يحدث في لبنان.

الاحتجاجات اللبنانية: انعدام الثقة في النظام

سامي عطا الله، المركز اللبناني للدراسات السياسية، بيروت

تُظهر خطة الإصلاح التي طرحها رئيس الوزراء سعد الحريري في أعقاب الاحتجاجات (استقال الحريري منذ ذلك الحين)، وحظيت بدعم السياسيين لها، عدم رغبتهم في إصلاح الدولة والاقتصاد بطريقة تخدم مصلحة المواطنين. لم تنص الخطة على إنشاء قضاء مستقل، وهو أمرٌ ضروري لسيادة القانون. كما رفض الحريري التوقيع على قانون من شأنه إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد. ولم تقم خطته بإعادة هيكلة النظام الضريبي لجعله عادلاً.

ربما استقال الحريري لتحسين موقفه التفاوضي بشأن الحكومة المقبلة. لقد غير الاحتجاج الشعبي حساباته السياسية. بالنسبة للسيّد نصر الله، زعيم حزب الله ، فإن الحفاظ على النظام أكثر أهمية من محاربة الفساد.

لا تكمُن المشكلة في تمرير القوانين، إذ لا يتم تنفيذ القوانين التي يتم إقرارها.

إنما تكمُن المشكلة في انعدام ثقة المواطنين بالأحزاب السياسية.

استخدمت الأحزاب السياسية نهاية الاحتلال السوري في عام 2005 كبداية جديدة، وألقت باللوم على الوجود السوري في عرقلة الإصلاح في حينها. بعد مرور 15 عامًا تقريبًا، ازدادت الأمور سوءًا. يبدو أن لبنان في حاجة ماسة لنظام حكم جديد.

يستخدم المتظاهرون مكبرات الصوت لترديد شعارات تعكس مطالبهم وتشجع الأخرين على الانضمام لهم. (الصورة:  ثناء بتشاني).
يستخدم المتظاهرون مكبرات الصوت لترديد شعارات تعكس مطالبهم وتشجع الأخرين على الانضمام لهم. (الصورة: ثناء بتشاني).

المتظاهرون يرسمون خطوطهم الحمراء الخاصة بهم

سامي عطاالله: المركز اللبناني للدراسات السياسية، بيروت

يعتقد سامي عطا الله، المدير التنفيذي لمركز السياسات، أن حركة الاحتجاج الشعبية أكبر وأعمق من حركة السنوات السابقة، مثل تلك التي حدثت في عام 2015 بسبب أزمة جمع القمامة. اعترف السياسيون بمظالم ملايين المحتجين في الشوارع، لكنهم فشلوا في فهم مدى عمق الاستياء. كما أن الحلول التي قدمتها الحكومة على عجل “قليلة للغاية ومتأخرة للغاية.”

عمل عطا الله بسرعة على هدم التدابير التي اقترحها السياسيون. قال “من غير الواضح كيف ستخفض الحكومة العجز من أكثر من 7 في المائة إلى 0.6 في المئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي في عام واحد. إن مهمة تخفيض 5 مليارات دولار مهمة هائلة، وبعد أكثر من 30 عامًا من العجز المزمن في الميزانية، تبدو فكرة أن الحكومة قد وجدت طريقة للقيام بذلك في ثلاثة أيام، وكل ذلك من دون إصلاحات ضريبية كبرى، فكرة مثيرة للشك.”

أما بالنسبة لاقتراح القضاء على الفساد، فهو “مثير للسخرية ببساطة”، بحسب ما كتب عطا الله.

يبدو عطا الله متفائلًا باحتمالات نجاح الحركة، طالما أنها تواصل الضغط على الحكومة والأحزاب السياسية في لبنان. كتب “لقد حقق المتظاهرون مكاسب رئيسية. لم يجبروا الحكومة على إلغاء خططها لفرض ضرائب على العاملين فحسب، وإنما فرضوا أجندتهم ويقومون الآن بتشكيل الخطاب السياسي في البلاد.”

ليس بلدًا للفقراء: كيف فاقم دَينُ لبنان عدم المساواة

نسرين سلطي: مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بيروت

توضح نسرين سلطي، الأستاذة المشاركة في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، كيف أفاد الاقتراض المتهور من قبل الحكومة منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان في عام 1990 البنوك اللبنانية بالدرجة الأولى، على حساب احتياجات الاقتصاد والمجتمع.

بدلاً من تحمل مخاطر تمويل الشركات المحلية، يمكن أن تجني البنوك أرباحًا أكبر وأكثر موثوقية من خلال شراء سندات الحكومة اللبنانية. وبذلك زادت أرباحهم مع زيادة ديون الحكومة اللبنانية.

بحلول عام 1998، لم تستطع الحكومة اللبنانية الاقتراض بسرعة كافية للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون. في محاولة لمواجهة هذا العجز، لجأت الحكومة إلى زيادة الضرائب على السكان. وقد كانت هذه الضرائب تراجعية. أي إنها فُرضت بمعدل واحد على السلع والخدمات الأساسية، بغض النظر عن دخل المستخدم. وهذا يعني أن الفقراء كانوا يدفعون، من خلال الضرائب، عن أرباح البنوك اللبنانية.

وكانت النتيجة زيادة عدم المساواة في الدخل، الأمر الذي تفاقم بسبب حقيقة أن زيادة تكاليف خدمة الديون تزامنت مع تقلص قدرة الحكومة على التدخل في الاقتصاد اللبناني.

كتبت سلطي، “تمثّل الخيارات السياسية التي سادت في العقد الذي تلا الحرب الأهلية  بشكل فعال جهدًا منسقًا للأخذ من الفقراء ومنح الأثرياء.”

في مقاومة إجراء الإصلاحات اللازمة – مثل الحد من الاعتماد على الضرائب التراجعية على الاستهلاك الذي لا مفر منه – “قررت الطبقة الحاكمة، مرة أخرى، الخروج من المأزق المالي باتخاذ تدابير رجعية. من خلال القيام بذلك، بدلاً من احتواء السخط على نطاق واسع، أدى ذلك إلى تسريع مؤشر القنبلة الموقوتة.”

في طرابلس، يتابع مواطنون المتظاهرين من الشرفات. (الصورة:ثراء بشناتي).
في طرابلس، يتابع مواطنون المتظاهرين من الشرفات. (الصورة:ثراء بشناتي).

ثورة حزب الله المضادة

بلال مصعب: معهد الشرق الأوسط، واشنطن

يقول بلال صعب، الزميل البارز في المعهد، إن الشيعة في لبنان لم يكونوا مشاركين نشطين في ثورة الأرز في عام 2005، وهي الحركة الشعبية التي أدت إلى انسحاب القوات المسلحة السورية من البلاد. إذ كان حزب الله – وهو جيش وحزب سياسي يمثل الشيعة اللبنانيين – خائفًا من آفاقه في المشهد السياسي الجديد، ما بعد سوريا، ولم يشجع جمهوره على المشاركة في الاحتجاجات.

يكتب صعب أن الانتفاضة الحالية أكبر من ثورة الأرز، وهي متجذرة في المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي طال أمدها والتي تؤثر على الجميع. “وهذه المرة، انضم الشيعة إلى الكفاح.”

لقد هزت مشاركتهم قادة حزب الله، الذين يرون في ذلك تهديدًا لدور حزبهم كجزء لا غنى عنه في التوازن السياسي للبلاد.

ظهر صدع في الدعم السابق والقوي من المجتمع الشيعي القوي لحزب الله. يكتب صعب، “في انتخابات عام 2018، أعرب الكثير من الشيعة في البقاع وبعلبك، وهي مناطق تعتبر معاقل لحزب الله، عن استيائهم من الحزب بسبب تراجع قدرته على تزويدهم بالسلع والخدمات الأساسية.”

أعرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، عن تعاطفه مع مطالب المحتجين، لكنه عارض الإطاحة بالنظام السياسي السائد، الذي ساعد في بنائه. على الرغم من تهديدات نصر الله وتحذيراته، يشارك الشيعة اللبنانيون في الاحتجاجات بأعداد متزايدة. [في يوم الجمعة الموافق 25 تشرين الأول/ أكتوبر، دعا نصر الله أنصاره إلى مغادرة الاحتجاجات وقال إن القوى الأجنبية تتلاعب بهم الآن.]

“من غير الواضح كيف سيتعامل حزب الله مع هذه الحلقة لأن هذا المجال يمثل أرض غير مدروسة.”

فن عدم التحكم

كريستيانا باريرا: شبكة سينابس، بيروت

تُظهر كريستيانا باريرا، المستشارة في سينابس، كيف تمكنت الفصائل السياسية من السيطرة على البلديات المحلية في جميع أنحاء لبنان وأنشأت نموذجًا للحكم تمسك فيه مجموعة محلية بالسلطة من خلال المحسوبية والفساد من دون أن تقدم سوى القليل من الخدمات العامة الأساسية.

بدأت العملية خلال الحرب الأهلية في البلاد، عندما وجدت البلديات نفسها معزولة عن تمويل الحكومة المركزية وغير قادرة على توفير الخدمات الأساسية. في عام 1982، في مدينة صيدا الساحلية الجنوبية، تدخل المليونير المحلي، رفيق الحريري، لسد الفجوة. كتبت باريرا”استمر الحريري في تمويل إصلاح الطرق وإنارة الشوارع وخدمات الصرف الصحي.”

وبقيامه بذلك، أسس الحريري نفسه كسلطة على طريقته في صيدا (وبذلك بدأ حياته السياسية إلى أن أصبح رئيس وزراء لبنان عام 1992).

شجع نجاحه في صيدا الفصائل السياسية في مدن أخرى على بناء قواعد للسلطة من خلال الاستيلاء على البلديات المحلية. “في صور، عاصمة إقليم الجنوب، اضطلعت حركة أمل، وهي حزب سياسي وُلد قبل الحرب الأهلية مباشرة قبل أن يُأسّس له فيما بعد فرعًا مسلحًا، بدور مماثل.”

كتبت “ازدادت العلاقات بين المليشيات والبلديات كثافة وانتشارًا في القرى والمدن في جميع أنحاء البلاد. بحلول نهاية الحرب، كانت مجموعة جديدة من القادة قد عززت وجودها من خلال استبدال الدولة المركزية باعتبارها المورد الرئيسي للمساعدات المالية.”

بالحفاظ على قبضة قوية على توزيع الحكومة المركزية وغيرها من أشكال التمويل، تمكّن للزعماء السياسيين المحليين من البقاء في السلطة من خلال المحسوبية والفساد، مع توفير القليل من الخدمات الأساسية.

كتبت باريرا “المجتمع اللبناني، مع ذلك، يدلي الآن بصوته. لن تفعل حوكمة عدم القيام بأي شيء سوى إثارة المزيد من الغضب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى