أخبار وتقارير

تجارب النجاة من العبودية في أعمال سارة شما

لندن – غالباً ما يدور تركيز المنظمات الدولية المهتمة بقضية الإتجار بالنساء حول محاولات وقف هذه الممارسة أكثر من تركيزها على شفاء النساء اللاتي تم بيعهن في أسواق النخاسة. في معرض جديد يجمع بين وجهات نظر الفن والأوساط الأكاديمية، تبرز الفنانة السورية سارة شما الحاجة لمساعدة الناجيات على التغلب على الصدمات وبناء المستقبل، على الرغم من المعاناة التي تحملنها.

يوضح معرض “العبودية الحديثة”، الذي افتتح هذا الأسبوع في جامعة كينغز كوليدج لندن، تجارب النساء المُتّجر بهن في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك آلاف النساء والأطفال الأيزيديين الذين اختطفهم تنظيم داعش، أو الدولة الإسلامية، واستعبدهم جنسيًا. أصبحت شما مهتمة بمصير تلك النساء بعد سماع قصصهن من أصدقاء رأوهن وهن يُبَعن في أسواق العبيد بوضع علامات الأسعار حول رقابهن.

قالت “أردت أن ألقي بعض الضوء على العبودية الحديثة ككل لأنها قضية كبيرة لكن لا أحد يتحدث عنها، ولاسيما في الشرق الأوسط.”

أثناء إقامتها البحثية الفنية في كينغز كوليدج، عملت شمّا إلى جانب سيان أورام، وهي كبيرة المحاضرين في الصحة العقلية للمرأة في معهد الطب النفسي وعلم النفس والعلوم العصبية في الجامعة. من خلال مؤسسة هيلين بامبر، وهي منظمة لحقوق الإنسان تدعم الناجين من تجارب العنف الشديد، تعرفت وأورام على نساء من مختلف البلدان وأجرين مقابلات معهن، واستنبطن تفاصيل أرهقت شما بعمق.

قالت “بعد أول مقابلة مع إحدى الناجيات، لم أستطع النوم، كنتُ أتخيل الصور والضوضاء والروائح … تعتبر هذه اللوحات ردة فعلي حيال ما تعلمته، فهي ليست تصويرًا لما حدث، بقدر ما تمثل الشعور الذي تتركه فيك هذه القصص.”

بداية المأساة

قالت بعض النساء إن محنتهن بدأت عندما توفي الزوج أو الوالد وتدخل أحد الأقارب لاستغلالهن. قالت شما، وهي تروي الظروف التي سمعت بها عدة مرات، “عادة ما يقوم أحد أفراد الأسرة من الذكور، ربما عمّها أو شخص آخر،  بأخذها واغتصابها وبيع أطفالها قبل أن يبيعها بشكل منفصل.”

تعرف شمّا جيدًا مدى انتشار العبودية الحديثة. من خلال حياتها في سوريا ولبنان، شهدت أشكالًا أخرى من العبودية، بما في ذلك الاستعباد المنزلي الذي يعاني منه العمال المهاجرون في جميع أنحاء المنطقة، والذي غالبًا ما يعتبره المجتمع المحلي أمراً مفروغًا منه. حيث تشير تقديرات الاتحاد الدولي للنقابات العمالية إلى استعباد حوالي 2.4 مليون من عاملات الخدمة المنزلية الوافدات في منطقة الخليج وحدها.

منح التحدث مع الناجيات من بلدان وثقافات أخرى معرض شما أهمية عالمية. يعد قياس مدى انتشار العبودية الحديثة أمرًا صعبًا، لكن في عام 2016، كان ما يقدر بـ 40.3 مليون شخص مستعبدًا في تلك الفترة، و71 في المائة منهم من النساء، بحسب مؤشر العبودية العالمي.

تقول أورام إنه وعلى الرغم من تركيز الاستجابات لحجم المشكلة في الغالب على الوقاية، إلا أن هناك حاجة ملحة لتحسين الدعم المُقدّم للناجيات. قالت “من خلال هذا المشروع، بدأنا نفهم واقع حياة المرأة بعد التعرض للاستغلال. إنه يستكشف ما يعنيه لهن البقاء والتشافي – كيف يفكرن في أنفسهن والآخرين والمستقبل. نحن نأمل في أن يلهم هذا العمل طرقًا جديدة لتصوير العبودية الحديثة والتفكير فيها.”

بعد أول مقابلة مع احدى الناجيات، لم أستطع النوم، كنتُ أتخيل الصور والضوضاء والروائح … تعتبر هذه اللوحات ردة فعلي حيال ما تعلمته، فهي ليست تصويرًا لما حدث، بقدر ما تمثل الشعور الذي تتركه فيك هذه القصص.

سارة شما  

أسفر التعاون أيضًا عن إلهام أورام، التي تعتقد أن وجهة نظر الفنانة أضافت أبعاداً جديدة إلى بحوثها العلمية. قالت “بالتفكير في نبرة الصوت، والوضع، والنظر في عين شخص ما ومحاولة الاحتفاظ بكل ذلك واستخدامه لفهم ما كانوا يعنونه عندما قالوا تلك الكلمات، أعتقد أن هذا سيمثل تغيّرًا في ممارستي لعملي.”

تحقق اللوحات، المعروضة في بوش هاوس بكلية كينغز كوليدج لندن في الفترة من 1 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 22 تشرين الثاني/ نوفمبر، ما لا يمكن للكلمات والإحصائيات أن تنقله بنظرة واحدة بخصوص تعقيد تجارب العبودية الإنسانية والعواطف المعقدة التي تقف وراءها.

يُظهر أحد أكثر الأعمال تعقيدًا في هذه السلسلة، بعنوان “الأمومة المزدوجة”، ثلاثة أجيال من النساء وهن يحتضن بعضهن البعض في وضع يبدو وكأنه وضع تغذية. لكن هناك قراءة أخرى، تتمثل في تعابير امرأة شابة وابنتها، تشير إلى وجود أمومة أكثر خبثًا، حيث تكون الأم الحاكمة المسؤولة عن استعباد النساء الأكثر ضعفًا في العائلة.

في لوحة أخرى، بعنوان “الاختباء في مرأى النظر” Hiding in Plain Sight، تخلق أعين الشخصية حالة من التوتر، وتنقل الضعف والتحدي والخوف والازدراء في وقت واحد. تعاني العديد من النساء اللواتي يتم الاتجار بهن من الشعور بالذنب والعار الذي تعيشه الناجيات. قالت أورام، “أينما يذهبن، فإنهن يشعرن أن الناس يراقبونهن.”

 بورتريهات تجار البشر

هناك أيضًا تركيز قوي على نظرات الذكور الملتهبة، ولاسيما في سلسلة من الرسومات الزيتية التي تصور رجالًا بدون أسماء يمكن توقع كونهم المتاجرين بالبشر الذين باعوا هؤلاء النساء واستعبدوهن. وكما هو الحال في اللوحات الزيتية الأكبر حجمًا، فإنها لا تستند إلى أشخاص معينين، وإنما إلى انطباعات الفنانة، والمستمدة من تجارب الحياة الحقيقية التي واجهتها في بحثها.

بهدف إخفاء هويتهن، لم تصوّر شما النساء اللاتي تحدثت إليهن. عوضًا عن ذلك، قامت برسم حياتهن، في الماضي والحاضر، مستحوذة على الألم الذي تحملنه وجُهودهن للتغلب عليه. قالت شما، الحاصلة على العديد من الجوائز الدولية تقديرًا لعملها على مر السنين، “أريد أن تلامس لوحاتي الناس وتحركهم، وتغيّر رأيهم وتجعلهم يطرحون الأسئلة.”

كثيراً ما كان الفن والعلوم مقترنين بتأثير كبير، لكن من النادر رؤية تنفيذ ممارسات بحثية تخص الفنان والأكاديمي بالترادف. تعتقد كاثلين سوريانو، المشرفة على المعرض، أن هذا العمل يدخل أرضًا جديدة، ليس فقط من ناحية المنهجية التي تقف وراءه، بل من ناحية القضايا التي يواجهها والطريقة التي يتم تناولها بها.

أضافت “كان الكثير من الصور التي تم إنتاجها حول هذا الموضوع صور فوتوغرافية ورسوم توضيحية إلى حد كبير، لذلك من غير المعتاد أن يتم التقاط موضوع مثل هذا في لوحة تصويرية شخصية. الفن هو أن تجعل الناس يشعرون، إنه لا يتعلق بالفهم فحسب. أعتقد أنه سيكون لهذا العمل تأثير لأن الناس لم يعتادوا على النظر إلى هذا النوع من الموضوعات بصورة ملونة.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى