أخبار وتقارير

مبادرات مستقلة لمساعدة الطلاب على اختيار تخصصهم الجامعي

في الوقت الذي تلعب فيه نتائج الثانوية العامة دوراً أساسياً في تحديد مستقبل الطلاب الدراسي في مختلف الدول العربية، تسعى مبادرات شبابية وأخرى جامعية في الأردن ولبنان إلى تقديم مشورات للطلاب بهدف مساعدتهم على اختيار تخصصهم الجامعي.

قالت ديما حماد، مسؤولة مبادرة عينك على المستقبل، وهي مُبادرة شبابيّة مُجتمعيّة تعمل على مساعدة طلاب الثّانويّة في اختيار تّخصّصات دراستهم الجامعيّة في الأردن، “يفتقر غالبية الطلاب إلى المعرفة الشاملة بنوعية التخصصات الجامعية المتوفرة ومدى ملائمتها لميولهم، وبالتالي يكونون بحاجة ماسة للتعرف على طبيعة التخصصات الدراسية المتاحة حيث أن معرفتهم غالباً ما تكون قاصرة على ما سمعوه من أقاربهم.” مشيرة إلى أن كثيرين يلتحقون بكليات معينة ذات مكانة اجتماعية ككليات الطب والهندسة ويكتشفون لاحقاً أنها مغايرة لتوقعاتهم أو أحلامهم المهنية. (اقرأ المقال ذو الصلة: لماذا تركت “مهنة العمر”؟)

يستند القبول الجامعي في غالبية الدول العربية على نتائج الثانوية العامة بصورة أساسية، حيث يتم توزيع الطلاب على الكليات بحسب درجاتهم النهائية في امتحان الثانوية. يتسبب نظام القبول هذا بالتحاق الكثيرين بتخصصات لا يرغبونها أو لا يعرفون عنها شيئاً بأحسن الأحوال. وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه لهذا النظام، بوصفه يقصي سنوات الدراسة السابقة للثانوية ولايكترث برغبات الطلاب وميولهم الدراسية، إلا أنه مازال معتمداً.

لا يوجد أرقام أو مؤشرات رسمية توضح تخبط الطلاب في اختيار دراستهم الجامعية وحاجتهم للإرشاد بخصوص التخصص الأكاديمي الذي يناسبهم، إلا أن ذلك يبدوا واضحاً بحسب حماد.

قالت ” قراءة الواقع والتجارب الشخصية، و مشاهداتنا في الحياة اليومية تثبت ذلك.”

رغبات متعارضة

 ترغب مريم عمران، البالغة من العمر 18 عاما من محافظة الكرك جنوب العاصمة عمّان، بدراسة تصميم الأزياء لكونها تحب الرسم كثيراً، لكنها لم تجد تشجيعاً كافياً من أسرتها الراغبين في إلحاقها بكلية الهندسة خاصة وأن درجاتها في الثانوية العامة تؤهلها لذلك.

قالت “دخول الكلية لا يكون وفق رغبات الطلاب وميولهم، لكن وفق المجموع الذي يحصلون عليه في نهاية المرحلة الثانوية بالدرجة الأولى ومن ثم رغبة أسرتهم.”

في المقابل، قارب مسلم إخميس على التخرج من كلية الإدارة العامة بالجامعة الأردنية بعد تعثره أكثر من مرة نتيجة لعدم رضاه عن طبيعة دراسته. قال “لم أكن على دراية بطبيعة الدراسة واعتقدت أنها ستوفر لي فرص عمل كثيرة في المستقبل، لكن عندما بدأت الدراسة الفعلية اكتشفت أنه مغاير لما اعتقدت.”

يفتقر غالبية الطلاب إلى المعرفة الشاملة بنوعية التخصصات الجامعية المتوفرة ومدى ملائمتها لميولهم.

ديما حماد
مسؤولة مبادرة عينك على المستقبل  

يعمل إخميس حالياً كمتطوع في مبادرة عينك على المستقبل. قال “أردت مشاركة تجربتي ودعم الطلاب في اختيار دراستهم الجامعية عن علم وليس عن جهل.” مضيفاً أن هناك حاجة كبيرة لشرح التخصصات الجامعية لطلاب الثانوية وتحضيرهم للدراسة نظرا للاختلاف الكبير بين الحياة المدرسية والجامعية.

نشاطات اجتماعية وحملات إلكترونية

إلى جانب توعية خريجي المدارس بطبيعة التخصصات الجامعية وتزويدهم بقدر كافٍ من المعلومات عنها، يحتاج الطلاب إلى التعرف على احتياجات سوق العمل ومستقبله للفترة المقبلة إذ تٌشكل نسبة البطالة ككل في هذه المنطقة ما نسبته 9.81 في المئة من إجمالي السكان، بينما يصل المعدل العالمي في نسب البطالة إلى ما نسبته 5.38 فقط، بحسب إحصائيات البنك الدولي لشهر أيلول/ سبتمبر 2018.

لتحقيق ذلك، تقيم مبادرة عينك على المستقبل، والتي تمول بالجهود التطوعية منذ عام 2011، أنشطة متنوعة تعتمد على التواصل المباشر مع الطلاب ولكن يتم الإعلان عنها من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. تعتمد غالبية هذه النشاطات، بحسب حماد، على متطوعين من طلاب الجامعات يقومون بتقديم شرح موسع عن بعض التخصصات بفروعها وتقسيماتها المختلفة من جامعة لأخرى ومساعدتهم على اختيار تخصص يتناسب مع ميولهم وتوقعاتهم فيما يخص العمل لاحقاً.

قالت حماد “التفاعل الكبير الذي تشهده المبادرة من الشباب هو مقياس نجاحها،” مشيرة إلى أن المبادرة شملت حتى اليوم أكثر من 35 ألف طالب وطالبة في الأردن على مدار 8 سنوات وبمساعدة أكثر من 500 متطوع.

 جلسة توجيه من معهد عصام فارس في لبنان إلى لطلاب الصف الثاني ثانوي لتزويدهم بالمعرفة والمهارات المفيدة لضمان الانتقال الناجح من المدرسة إلى الجامعة.
جلسة توجيه من معهد عصام فارس في لبنان إلى لطلاب الصف الثاني ثانوي لتزويدهم بالمعرفة والمهارات المفيدة لضمان الانتقال الناجح من المدرسة إلى الجامعة.

لبنان ومحاولات للتوسع

لاتقتصر هذه المبادرات على الأردن. فمؤخراً، أطلق معهد عصام فارس بالجامعة الأميركية في بيروت برنامج “الانتقال من المدرسة إلى الجامعة”، لتعريف الطلاب بأنواع التخصصات والفرص الموجودة بالجامعات، وتيسير انتقالهم إليها. يستهدف البرنامج الطلاب غير القادرين في لبنان، حيث تم اختيار مجموعة من 100 طالب وطالبة بالصف الحادي عشر بالمدارس الحكومية في بيروت، مقسمين إلى 60 بالمئة من اللبنانيين و 40 بالمئة من السوريين، للمشاركة في تدريب عملي لمدة 20 ساعة بمختلف التخصصات، إضافة إلى عشر ساعات للإستشارات حول موضوعات تغطي كيفية التقدم للحصول على المنح الدراسية، وذلك على مدار شهرين.

قالت هناء الغالي، مديرة برنامج بحوث التعليم وسياسات الشباب بمعهد عصام فارس في الجامعة الأميركية ببيروت “هناك فجوة كبيرة في التوعية والإرشاد على مستوى المدارس العامة والخاصة، يجب أن نعالجها مبكرا وعلى المستوى الوطني.”

تعتقد الغالي أن أحد الأسباب وراء أزمة البطالة المركزة بين الشباب الجامعي في لبنان، والتي تصل إلى 25 في المئة وتتجاوز 36 في المئة في صفوف الشباب بحسب البنك الدولي، هو غياب التوجيه في اختيار التخصص الجامعي بما يلائم ميول ورغبات الطالب ويتوافق مع احتياجات سوق العمل.

قالت “هناك حاجة كبيرة لبدء تقديم الإستشارات الدراسية في مراحل دراسية مبكرة.” موضحة أن “التعليم العالي مكلف جدا في لبنان، والأسرة تنتظر تخرج ابنائها لكي يعملوا لا ليكونوا عبئا عليها.”

في المقابل، تقدم جمعية توحيد شبيبة لبنان برنامجا بعنوان “BRIDGE” يختص بتقديم المشورة الدراسية للطلاب اللاجئين في لبنان، حيث يقدم الإرشاد والتوجيه الجامعي لطلاب الصف الحادي عشر والثاني عشر، والمساعدة في تقديم الطلبات على المنح الدراسية، وتقديم الدعم المالي للطلاب حتى التخرج.

قالت ملك النمر، مؤسسة الجمعية، “أعتقد أنه ما من سبيل للخروج من مخيم اللاجئين غير التعليم. نحن نسعى فقط  لتسهيل وصولهم إلى حقوقهم وإرشادهم نحو التخصص المناسب.”

مع ذلك، يبقى أثر هذه المبادرات محدودا في ظل اعتمادها على التطوع وغياب الدعم الحكومي.

قالت  حماد “نعمل بالجهود التطوعية وليس لدينا مصدر دخل، ناهيك عن الصعوبات التي نواجهها للوصول للفئة المستهدفة واقناعها بأهمية اختيار التخصص بعناية عن فهم ووعي، نحن بحاجة للمزيد من الدعم لنتمكن من التوسع جغرافيا والوصول لأعداد أكبر من الطلاب.”

تبدو الغالي أكثر تفاؤلا حيال المستقبل. إذ سيقوم برنامجها بمتابعة الطلاب خلال العام المقبل عند اتخاذ القرارات المتعلقة بمتابعة التعليم العالي، وسيتتبع نجاحهم في التقدم للجامعات والمنح الدراسية.

قالت “إذا نجح البرنامج، أمل في أن يتوسع ليصبح مبادرة وطنية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى