أخبار وتقارير

في لبنان: أساتذة وطلاب ينتفضون للتغيير

بيروت- مع دخول احتجاجات لبنان أسبوعها الثاني، مازالت الجامعات والمدارس مغلقة كما هو حال جميع المؤسسات والمصارف والشركات والمحال التجارية خاصة مع استمرار قطع الطرقات من قبل المتظاهرين من خلال استخدام الإطارات المشتعلة أو تشكيل سلاسل بشرية بأجسادهم. مع ذلك، تسعى بعض الجامعات لاستئناف الدروس المعطلة مما يلقى رفضاً واسعاً بين صفوف الطلاب والأساتذة.

يبدو حضور الشباب طاغياً في المظاهرات التي عمت سائر البلاد منذ  في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ تعج مختلف الساحات بهم ومعظمهم من خريجي الجامعات أو طلابها يطالبون جميعاً بأوضاع معيشية أفضل ومحاربة الفساد وتوفير فرص عمل مبنية على الكفاءات وليس على الواسطة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: حرب الطوائف في لبنان تتحوّل إلى ثورة شباب ضد السياسيين).

قالت عبير زيان، 22 عامًا طالبة في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، “نحن لن نخرج من الشارع ونعود إلى الجامعة، قبل تحقيق مطالب الشعب اللبناني التي هي مطالبنا،” مشيرة إلى أن أوضاع التعليم الجامعي عموماً والجامعة اللبنانية تحديداً، وهي الجامعة الحكومية الوحيدة في البلد، ليست جيدة وبحاجة ماسة إلى هذه الانتفاضة.

قالت “نحن كطلاب نعاني الحرمان من أبسط حقوقنا، في الحاجيات الأساسية والبنية التحتية والتجهيزات وعدم توفر المعدات اللازمة لإنجاز أبحاثنا نتيجة إهمال الدولة لنا.”

لا يبدي طلاب الجامعات الخاصة موقفاً مغايراً من الحراك. إذ تعتبر نسرين شدياق، (23 عامًا) طالبة في كلية الزراعة في الجامعة الأميركية في بيروت والحاصلة على منحة دراسية، أن مشاركتها في الاحتجاج أمر أساسي.

قالت “دافعي كطالبة للنزول إلى الشارع هو ضدّ غلاء المعيشة، غالبيتنا نتخرج من جامعاتنا من دون أن نجد فرصة عمل في لبنان، فنضطر إلى الهجرة وترك أهلنا وأحبتنا حتى نعمل ونعيش بكرامة.” مؤكدة أن نزول الطلاب للشارع يهدف إلى ضمان مستقبلهم بالعيش بكرامة في بلدهم بعد تخرجهم.

قالت “جميع الطلاب يخسرون مستقبلهم في لبنان، نحن لسنا جيل الحرب، لم نعش القسوة ولا الكره، لذا لدينا القدرة على تقبل الآخر، وهناك أمل كبير لدينا بالتغيير.”

دعم أكاديمي

ساند رؤساء الجامعات الحراك منذ بدايته. إذ انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي رسائل بريدية تلقاها عدد من الطلاب من أساتذتهم يؤيدون مشاركتهم بالاحتجاجات ويشجعونهم على المشاركة. وانتشرت تغريدات على موقع تويتر لرؤساء جامعات مختلفة يحيون مشاركة الطلاب ويعلنون إيقاف الدوام وتأجيل الامتحانات دعماً لمشاركتهم، حيث غرد جوزيف جبرا، رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية على تويتر “أنا مغرم بالتزامكم الشغوف ببلدنا.”

كما صدر بيان مشترك الأسبوع الماضي لرئيس الجامعة الأميركية فضلو خوري ورئيس الجامعة اليسوعية سليم دكاش، أكدوا فيه “إنّ ما يعيشه لبنان هو صرخة وطنيّة حقيقيّة، وهي أكبر حركة توحيديّة وطنيّة منذ سنة 1943، تعبّر بعمق عن معاناة وحاجات شعبنا اللبناني ورغبته العظيمة في إعادة بناء وطنه على قواعد جديدة”.

“نحن لن نخرج من الشارع ونعود إلى الجامعة، قبل تحقيق مطالب الشعب اللبناني التي هي مطالبنا،”

عبير زيان
 طالبة في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية

وأكد الرئيسان “أنّ جامعتينا اللتين التزمتا تاريخيًّا بناء الكيان اللبناني الكبير منذ نشأة دولته في سنة 1920، لا يمكنهما إلاّ المشاركة في إسهام الأساتذة والطلاب والإداريين والخرّيجين الذين هم اليوم على أرض الوطن من أجل حقوق كلّ اللبنانيين من دون استثناء.”

أبدى الأساتذة اللبنانيون دعماً مماثلاً.

قال يوسف ضاهر، رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، “عندما وجدنا أنّ الشّعب اللبناني دخل في مرحلة وعيٍ على حقوقه، ونزل إلى الشارع، وتخطى طوائفه وأحزابه، كان من واجبنا أن نكون في صلب هذا الحراك.”

بدورها، تعتقد سوزان كحالة، وهي أستاذة جامعية متعاقدة مع الجامعة اللبنانية وجامعتي سيدة اللويزة والقديس يوسف، أنّ مشاركة الأستاذ الجامعي في الاحتجاج أمر مفروغ منه. قالت “ننزل يوميًا إلى الشارع ونطالب بإنصافنا فقط، لأنه حين يتمتع الأساتذة بصلاحياتهم ، ينعكس الأمر إيجابًا على طلابهم، ونريد أن نشعر باحترام الوطن لنا ولكفاءاتنا، وأحيانًا نتساءل من يأسنا: هل فعلًا كان يجب أن نتعب ونُكمل دراسات عليا للحصول على شهادة الدكتوراه؟”

تعهد الطلاب في الشوارع بعدم العودة لمحاضراتهم مطالبين الجامعات بإعادة النظر في قراراستئناف الدراسة. (الصورة: صفحة الفيسبوك الخاصة بتكتل طلاب الجامعة اللبنانية)
تعهد الطلاب في الشوارع بعدم العودة لمحاضراتهم مطالبين الجامعات بإعادة النظر في قراراستئناف الدراسة. (الصورة: صفحة الفيسبوك الخاصة بتكتل طلاب الجامعة اللبنانية)

وطالب أساتذة الجامعة الاميركية في بيروت بإعلان إضراب عام يتناغم مع الحراك الشعبي القائم ودعوا الى “القيام بعمل اجتماعي وسياسي يتماشى مع رسالتنا كمثقفين وتربويين ونقاد اجتماعيين، ويعبر عن أهدافنا التي تتوافق مع الرسالة الأساسية للجامعة كمؤسسة ترعى ممارسات تعلمية نقدية تسهم في التحول الاجتماعي.”

وظهر مجموعة من الأساتذة في فيديو على موقع الفيسبوك وهم ينشدون نشيداً وطنياً داعماً للحراك في الشارع وسط الاحتجاجات. أما طلاب وأساتذة وموظفين الجامعة اللبنانية الأميركية فقد أصدروا عريضة، بحسب جريدة النهار اللبنانية،  أكدوا فيها “دعمهم لزملاءهم في الجامعات اللبنانية ودعوهم للإضراب المفتوح، طالما أنّ التحرّكات الشعبية مستمرة. ودعوا زملاءهم في الجامعة اللبنانية الأميركية لتنظيم لقاءات واقتراح أفكار والمساهمة في القيادة الحكيمة للانتفاضة الشعبية ووضع كل الإمكانات المتوافرة على كل الأصعدة للوصول الى دولة مدنية تنتصر  للشعب اللبناني وحركته السلمية والديموقراطية.”

دعوات العودة مرفوضة

شهد الأسبوع الماضي أيضاً دعوات لاستئناف الدروس في الجامعة اللبنانية من قبل رئيسها فؤاد أيوب، لكن الدعوة قوبلت برفض شديد من قبل المحتجين من الطلاب والأساتذة معاً قبل تحقيق مطالب الاحتجاجات.

إذ انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وسم #عالجامعة_مش_رايحين (لن نذهب إلى الجامعة)، ونشر حساب باسم رابطة طلاب الجامعة اللبنانية تغريدة جاء فيها: “عالجامعة بكرا مش نازلين، ومن الشارع أكيد مش طالعين! قرار رئاسة #الجامعة_اللبنانية تماما مثل ورقة رئيس الحكومة الإصلاحية، ما بغيّر شي! #لبنان_ينتفض”.

كما نشرت صفحة تكتل طلاب الجامعة اللبنانية على الفيسبوك بياناً رفضت من خلاله قرار رئيس الجامعة وأعلنت فيه أنه ” لا تعليم حتى سقوط الحكومة”.

قالت كحالة، من الجامعة اللبنانية، “لن يؤثر الاحتجاج وتعطيل الدروس سلبًا على الطلاب، الانتفاضة التي يقومون بها، هي من أجلهم ومن أجل مستقبلهم، حتّى يتمكنوا من التعلّم وتأمين وظائف لائقة لهم. ” داعية الطلاب إلى الاستمرار في الانتفاضة لتحقيق مطالبهم في مستقبل أفضل.

بدوره، يعتبر ضاهر أنّ لدى أساتذة الجامعة الذين يعلمون الوطنية والعلمانية واحترام حقوق الانسان، فرصةً ذهبية الآن. قال “للأساتذة دور في الثورة، سيسهم بالتأكيد في إعادة الاعتبار للجامعة الوطنية، كريكزة من أهم ركائز البلد إلى جانب الجيش والقضاء.”

مع ذلك، يبدي بعض الأساتذة تخوفاً من مستقبل الانتفاضة.

إذ تعتقد رولى أبو شقرا، أستاذة في الجامعة اللبنانية في كلية العلوم الاجتماعية في بيروت، أنّ طبيعة الوضع في لبنان، سياسيًا واجتماعيًا، لا تسمح بدور كبير للأساتذة في الانتفاضة الشعبية، لا سيما أنّ الثورة الواقعة، وفق أبو شقرا، هي ثورة “جوع ” لا تملك مشروعًا سياسيًا واضحًا بعد”.

كما تخشى أبو شقرا على الدور الذي يمكن أن يلعبه الجامعيون، وتعتبر أنّ الحضور لا يزال ضعيفًا، لأنّ المشاركات في الانتفاضة الشعبية هي بمبادرة فردية وليست جامعة ورسمية كقطاع مهني واحد. قالت “على الأساتذة الجامعيين أن يكون لهم دور إلى جانب الناس في الساحات، وليس في أبراجهم العاجية، وأن يقوموا بترشيد الشعارات المطروحة، وتصويبها ورفع مستواها، وأن يحثّوا على وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دورًا أساسيًا في الحراك الشعبي، على كتابة كلامٍ موزونٍ، يستقرئ المرحلة، من دون أن يدفع الناس بالذهاب في أحلامٍ وهمية نحو المجهول، ثمّ تتحول إلى كوابيس.”

حتى الآن، لايبدو واضحاً إلى متى ستستمر الاحتجاجات. إذ لا يوجد حل سياسي متفق عليه لليوم، ومع عزيمة المتظاهرين القوية يستمر الأكاديميون في خيار البقاء خارج الفصول الدراسية وممارسة تعليمهم وتعلمهم في الشارع.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى