أخبار وتقارير

دعوات لحماية تراث قطر غير المادي من الضياع

الدوحة – يشكل تدفق العمالة الوافدة إلى قطر وجهود التحديث المرتبطة بالازدهار الاقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي تحديًا ثقافيًا كبيرًا للقطريين. يثير انفتاح البلد على الثقافات الأخرى والوتيرة السريعة للتنمية الاجتماعية العديد من الأسئلة حول الثقافة والهوية والتراث في بلد يشكل المواطنون المحليون فيه أقلية.

في اجتماع عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الدوحة، ناقش فريق من الخبراء موضوع حماية الجوانب الرئيسية للتراث الثقافي غير المادي لقطر، ودورهم في حماية الثقافة التقليدية والهوية الوطنية لدولة قطر للأجيال القادمة.

بحسب اليونسكو، يشمل التراث الثقافي غير المادي الطقوس والممارسات والتعبيرات والتقاليد الشفهية والمعارف والمهارات المرتبطة بالحرف التقليدية التي يتعرف عليها الناس كجزء من تراثهم الثقافي الأصيل.

وشأنها شأن المجتمعات الخليجية الأخرى، شهدت قطر تغيرًا سريعًا وهائلاً أبعدها عن أسلوب صيد اللؤلؤ التاريخي ونمط الحياة البدوية، بعد اكتشاف موارد النفط في الأربعينيات. (اقرأ التقرير ذو الصلة: مشروع يربط الشبان القطريين بآثار بلدهم).

نتيجة لذلك، اختفت العديد من عناصر التراث القطري لانتفاء الأسباب الاقتصادية وراء ممارستها. اليوم، لا يزال العديد من هذه العناصر على قيد الحياة من خلال الارتباط بالأشياء الموجودة في المتاحف وحكايات الأجداد، ولكن لم تتح الفرصة للأجيال الشابة لتجربتها بشكل مباشر.

قالت مريم إبراهيم الحمادي من قسم العلوم الإنسانية والتاريخ بجامعة قطر في حلقة النقاش، “الحفاظ على هذا النوع من التراث مسؤولية اجتماعية لمنظمات المجتمع المدني وأعضاء المجتمع وليس دور المؤسسات الحكومية فحسب.”

على هذا النحو، تُعدّ زيادة الوعي بأهمية التراث غير المادي أمر أساسي، بحسب الحمادي.

عقبات في وجه حُماة التراث

قالت الحمادي إن هناك رأيين في المجتمع القطري حول التراث الثقافي غير المادي. يقر أحدهما بأهميته وضرورة حمايته، فيما يقول الآخر أن هذه الممارسات الثقافية “بدعة” ويجب محوها من التراث الثقافي لدولة قطر لأنها تتعارض مع المعتقدات الإسلامية. يشير مصطلح “البدعة” إلى الابتكار في الشؤون الدينية، وهو ما لا يشجعه القانون الإسلامي.

“نحتاج إلى تصفية التراث القطري النقي من التراث المُتبنى. هناك موضوعات تراثية مشوهة بالفعل، فيما اختفت عناصر قطرية خالصة أخرى.”

-مريم الحمادي
 قسم العلوم الإنسانية والتاريخ بجامعة قطر

علاوة على ذلك، ومع تطور الاقتصاد القطري، بدأت البلاد في جذب عدد كبير من العمالة الوافدة التي تشكل الآن حوالي 90 في المئة من السكان، وفقًا لأرقام غير رسمية. يشكل هذا الأمر تحديا جديدا للهوية الثقافية للبلاد.

قالت الحمادي “نحتاج إلى تصفية التراث القطري النقي من التراث المُتبنى. هناك موضوعات تراثية مشوهة بالفعل، فيما اختفت عناصر قطرية خالصة أخرى.”

تم إدراج ثلاثة عناصر من التراث القطري في قوائم اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي. وتشمل: المجلس كمكان ثقافي واجتماعي، والقهوة العربية كرمز للكرم، والبيزرة “تربية الصقور” كموروث إنساني حي. تم تقديم العناصر الثلاثة إلى منظمة اليونسكو بالتعاون مع دول عربية أخرى.

يقول فيديريكو لينزيريني، الأستاذ المشارك في القانون الدولي بجامعة سيينا بإيطاليا، والذي تحدث في اجتماع الدوحة، إن اعتراف اليونسكو يلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للدول. وأضاف أن هذا الاعتراف يسلط الضوء على التعاون الدولي، ويسمح للبلدان بمشاهدة ما لديها من روابط مشتركة، ويساهم بالتالي في تعزيز الصداقات بين الأمم.

مداولات الحلقة النقاشية في الدوحة. (الصورة: إيمان كامل)
مداولات الحلقة النقاشية في الدوحة. (الصورة: إيمان كامل)

خلال حلقة النقاش، أكد عبد الله محمد السليطي، نائب مدير البحوث والمقتنيات في المتحف الوطني لدولة قطر، على دور التعليم في دعم نقل هذا التراث الثقافي غير المادي إلى الأطفال في البلاد.

قال السليطي “لكل قطعة معروضة في المتحف قصة يجب روايتها. يربط هذا الأمر بين التراث المادي والتراث غير المادي، والمؤسسات التعليمية هي الشريك الرئيسي للمتاحف في إنشاء مثل هذه البرامج.”

جمع ذكريات الماضي

بهدف مساعدة المتاحف على سرد هذه القصص، أجرت هيئة متاحف قطر 240 مقابلة مع كبار السن من المجتمع القطري، نتج عنها 720 ساعة من المواد المسجلة التي تم فرزها وتصنيفها وفقًا للفترات التاريخية. اليوم، توفي ما يقرب من 30 في المئة من الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات – وهذه حقيقة قاتمة تبرز الحاجة الملحة لحماية عناصر التراث الثقافي غير المادي للبلاد المحفوظة في ذاكرة الإنسان.

تعمل هيئة متاحف قطر الآن مع المتاحف والمؤسسات التعليمية لإتاحة هذه الموارد للطلاب والباحثين الذين يدرسون التراث الثقافي.

لكن جيل الباحثين الذين كانوا مهتمين بدراسة هذا النوع من التراث أصبحوا الآن كبارًا في السن، بحسب نورا حمد، إحدى الحاضرات في الجلسة. سألت اللجنة “كيف يمكننا إعداد أكاديميين شباب جدد في هذا المجال؟”

أقرّ حمد المهندي، المتخصص في التراث الثقافي بوزارة الثقافة والرياضة، بأنه لا يزال هناك الكثير ممّا يتعين القيام به لتوجيه الباحثين الشباب للاهتمام بهذا المجال.

قال “يجب نقل التراث الثقافي غير المادي إلى المؤسسات الأكاديمية لأن هذا جزء من الاعتراف بهذا التراث.”

“يجب نقل التراث الثقافي غير المادي إلى المؤسسات الأكاديمية لأن هذا جزء من الاعتراف بهذا التراث.”

حمد المهندي
 المتخصص في التراث الثقافي بوزارة الثقافة والرياضة

وأشار إلى الخطوات الإيجابية الأخيرة في هذا الصدد، مثل البدء بتقديم مساق حول الأدب الشعبي في جامعة قطر والمشاريع المختلفة لحماية وتعزيز تاريخ وثقافة قطر التي تنفذها كلية لندن الجامعية بالتعاون مع هيئة متاحف قطر.

أسفرت جهود التعاون هذه أيضًا عن برامج وأنشطة مختلفة متعلقة بالتراث الثقافي في المدارس القطرية، لكن الكاتب القطري جمال فايز يقول إن معظم هذه الأنشطة لا تعتبر جزءًا أساسيّا من العملية التعليمية، مما يحُد من تأثير هذه التدخلات.

قال “يعني غياب التراث الثقافي عن المناهج التعليمية تخريج أنصاف بشر غير مرتبطين بتراثهم وهويتهم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى