أخبار وتقارير

باحثون يحاولون إيجاد حلول لمشكلة حرائق الغابات في لبنان

تتجه معظم الأنظار في لبنان لمراقبة الاحتجاجات المستمرة على مدار الأسبوعين الماضيين، لكن الانتباه، قبل ذلك بفترة وجيزة، تركز على النيران التي كانت تحرق وتدمّر مساحات شاسعة من غابات الأرز المحببة في البلاد.

قال جورج متري، الأستاذ المشارك في قسم علوم البيئة في جامعة البلمند، في طرابلس بلبنان، “يتحرك شريط الأخبار بسرعة كبيرة هنا. في كل عام نحاول تنبيه الحكومة من جديد، لكن لا شيء يحدث.”

لم تكن حرائق الغابات في تشرين الأول/ أكتوبر سوى جزء من اتجاه أكبر بدأ يتكشف في العقود الأخيرة، كما يحذر متري، حيث ازدادت وتيرة الحرائق سوءًا واتساعًا وأضحت أكثر تكرارًا. فبحسب الصليب الأحمر اللبناني، تم نقل ما لا يقل عن 18 شخصًا إلى المستشفى واحتاج 88 آخرين إلى رعاية طبية طارئة أثناء الحرائق، على الرغم من إجلاء الآلاف من الأشخاص. لا يعاني لبنان وحده من حرائق الغابات، إذ تأثرت سوريا وتونس بذلك أيضًا.

في لبنان، عادة ما يبدأ موسم الحرائق في أيار/ مايو وينتهي في تشرين الأول/ أكتوبر، لكن هذا الموسم قد توسّع، بحسب متري. قال “بدأت بعض الحرائق في نهاية شباط/ فبراير واستمرت أخرى حتى كانون الأول/ ديسمبر. لسنا بعيدين عن موسم حرائق مستمر بهذا المعدل.”

أسباب بشرية

يلعب تغير المناخ دورًا – إذ تزداد المواسم الجافة مدةً وتصبح أكثر سخونة، بحسب متري، ممّا يجعل الغابات أكثر عرضة للحرائق. لكن الطبيعة ليست السبب الرئيسي لبدء الحرائق. قال “تسعة وتسعون بالمئة من الحرائق في لبنان مفتعلة من قبل الإنسان.”

وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، تغطي الأشجار حوالي13  بالمئة من مساحة لبنان، مع 10 بالمئة إضافية من الأراضي ذات كثافة أقل من الأشجار مصنفة كغابات. من غير الواضح مقدار ما احترق من هذه المناطق هذا العام.

تبدأ بعض الحرائق بحوادث مثل نيران المخيّمات، لكن بعضها الآخر بدأ بشكل متعمّد. في كثير من الأحيان، تبدأ الحرائق المتعمدة من قبل أشخاص يرغبون في تطوير الأراضي للبناء أو أصحاب القطاع الخاص الذين لم سئموا من استمرار المشاحنات مع إدارة الغابات. يقول متري إن مشعلي الحرائق عمدًا يشعلون بعض الحرائق أيضًا.

يتكرر ذات الوضع في البلدان العربية الأخرى التي تعاني من حرائق الغابات، بحسب فلوران مويّو، عالم البيئة المتخصص في النظم الإيكولوجية المعرضة لمخاطر الحرائق في المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان. عمل مويّو سابقًا في تونس حيث درس حرائق الغابات هناك. وكما هو الحال في لبنان، فإن معظم حرائق الغابات في تونس سببها النشاط البشري بطريقة أو بأخرى. قال “هناك أيضًا الصواعق، لكنها ليست سببًا شائعًا في منطقة البحر المتوسط.”

“تسعة وتسعون بالمئة من الحرائق في لبنان مفتعلة من قبل الإنسان.”

جورج متري
أستاذ مشارك في قسم علوم البيئة في جامعة البلمند، في طرابلس بلبنان

نظرًا لكون اللوم في جميع حرائق الغابات في لبنان تقريبًا يُلقى على البشر، فإن علماء البيئة لا ينادون بالسماح باستمرار الحرائق تحت مبدأ “الحرق المُسيطر عليه”، وهو ما يحدث في أماكن أخرى من العالم حيث تُعتبر حرائق الغابات أحيانًا جزءًا طبيعيًا من دورة بيئية توجّب على البشر ألا يحاولوا الإطفاء، خشية أن تتراكم الشجيرات والأخشاب الجافة وتجعل الحرائق أكثر خطورة في المستقبل.

مشاكل في توافر البيانات

خلال فترة تواجده في تونس، اكتشف مويّو انعدام دقة كبير في الأرقام التي سجلها الباحثون والوكالات على نطاق المشكلة. وقد استخدم كتالوج ناسا لصور الأقمار الصناعية التي يعود تاريخها إلى عام 1985 لمراجعة الإحصاء الذي أجرته الحكومة لمعرفة مقدار احتراق الغابات في البلاد كل عام بفعل حرائق الغابات.

كما وجد أن المسؤولين الحكوميين قد قللوا  نسب الحرائق بشكل منهجي بنسبة 50 في المئة في المتوسط. وقال إن أكبر الحرائق على وجه الخصوص قللت أكثر من غيرها. في بعض الأحيان كانت المنطقة المحروقة الفعلية عشرة أضعاف المُعلن عنه رسميًا. ويلقي باللوم على عدم الدقة في “السيطرة السياسية العالية على البيانات الرسمية بهدف عدم إخافة السكان.”

نشبت حرائق قوية في أجزاء مختلفة من لبنان وسوريا مما أجبر بعض السكان على الفرار من المنازل. (الصورة: أخبار بلادي)
نشبت حرائق قوية في أجزاء مختلفة من لبنان وسوريا مما أجبر بعض السكان على الفرار من المنازل. (الصورة: أخبار بلادي)

يحتاج لبنان أيضًا إلى المزيد من البيانات – ما زال حجم حرائق الغابات كل عام غير معروف إلى حد كبير. قال مويّو “ليس هناك إحصاء للمناطق المحروقة وهذا ما أعمل عليه هنا.”

وأضاف إنه سيمتلك سجلات كافية خلال عام واحد لمعالجة عجز البيانات هذا، وهو ما يأمل في أن يستخدمه أولئك الذين يسعون لمنع الحرائق. قال “قبل أن تقاتل، عليك أن تعرف ما الذي يجري لإجراء عمليات محاكاة لمساعدة البلد على إدارة هذه المشكلة.”

البحث عن حلول

في الوقت ذاته، قام متري، من جامعة البلمند، بإنتاج نموذج كمبيوتر لرسم خريطة للتوزيع المكاني لمخاطر الحرائق في لبنان.

أنتج متري الخريطة عن طريق تعيين مستوى المخاطر بعناية لكل قطعة أرض في جميع أنحاء البلاد، بناءً على استخدام الأراضي والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى. على سبيل المثال، تعتبر الأراضي العشبية والغابات من المواد الطبيعية القابلة للاحتراق، ولكنها أكثر عرضة للخطر إذا كانت قريبة من الأنشطة البشرية أو في حالة عدم وجود خطة عمل لمكافحة الحرائق. يقول متري إن الغالبية العظمى من الغابات في لبنان تفتقر لمثل هذا التخطيط.

قال “شهدنا أكثر من 420 حريقًا في لبنان هذا الموسم وحده، وقد تركزت الحرائق بشكل أساسي في المناطق التي حددناها على أنها عالية الخطورة. لذلك، نحن نعرف أن خريطتنا تعمل. إنها أداة ممتازة لتحديد المجالات ذات الأولوية بهدف اتخاذ تدابير الوقاية.”

على سبيل المثال، يمكن أن تساعد خريطته السلطات في معرفة مكان نشر الحراس الذين يمكنهم تقييم مخاطر الحريق في الوقت الفعلي. ويمكن أن تساعدهم أيضًا على معرفة الأماكن التي يجب عليهم توجيه معدات مكافحة الحرائق إليها مثل مدافع المياه والمروحيات التي تلقي المياه.

عدم الاستقرار السياسي والمخاطر

في سوريا، هناك معلومات أقل عن نماذج حرائق الغابات والأشجار، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الصراع في السنوات الأخيرة. قال متري “لا أعرف ما الذي يجري في سوريا. لكن النار لا تتبع الحدود الإدارية.”

استنادًا إلى الوقت الذي أمضاه في تونس، يقول مويّو إن عدم الاستقرار قد يزيد الحرائق سوءًا ويجعلها أكثر تكرارًا. بعد ثورة تونس في عام 2011، لاحظ مويّو زيادة في نسبة حدوث حرائق الغابات في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا.

يعتقد مويّو أن ذلك قد يعود لإستغلال الناس الارتباك السياسي بهدف إخلاء الأرض للبناء من خلال حرق الأشجار. في جنوب تونس على وجه الخصوص، صادرت حكومة ما قبل الثورة الأراضي في الثمانينيات على طول الساحل لزراعة الأشجار للحماية من الكثبان الرملية، على حد قول مويّو. تذكر ملاك الأراضي السابقين هذا وقاموا بالانتقام في أعقاب الثورة من خلال حرق الغابات.

قال “كان الناس خائفين من الحكومة قبل عام 2011، بعد ذلك لم يعد الناس خائفين لدرجة أن في استطاعتهم اشعال الحرائق إذا ما أرادوا.”

وفقًا لحسابات مويّو، ازدادت مساحة الأرض المحروقة في تونس بما يصل إلى عشرة أضعاف في خضم الاضطرابات السياسية، التي يعتقد أنها قد تكون نذيرًا لما حدث بالفعل في سوريا.

قال “بدأنا للتو التحقيق في ما حدث في سوريا الآن. لكننا نتوقع زيادة مماثلة بمقدار عشرة أضعاف في المناطق المحروقة.”

يأمل كل من مويّو ومتري في أن تأخذ الوكالات الحكومية وملاك الأراضي الخاصة علما بنتائجهم لوضع خطط لمكافحة الحرائق تستند إلى الأدلة. إذا ما كان لدى المزيد من المناطق الحرجية مثل هذه الخطط، فذلك يعني أن الحرائق ستكون أقل احتمالا للانتشار، وأقل احتمالا في أن تحدث في المقام الأول، وستكون الغابات أكثر قدرة على التعافي عند حدوث مثل تلك الحرائق.

قال متري “في الوقت الحالي، حرائقنا تتكرر بشكلٍ كبير. بإمكاني رؤية بعض المناطق تحترق كل خمس سنوات، وهذا ليس بالوقت الكافي للتعافي بالشكل المناسب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى