أخبار وتقارير

أرضية مشتركة تجمع طلاب العراق والولايات المتحدة

الموصل – إنها الساعة الثامنة صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة والطلاب في جامعة ولاية بنسلفانيا يصلون إلى الفصل الدراسي مرتدين معاطف ثقيلة، مترنحين في باكورة يومهم. أمّا في الموصل، في شمال العراق، فالوقت متأخر بعد الظهر والشمس على وشك أن تغرب في المدينة التي لا يزال الكثير منها تحت الأنقاض بعد مرور أكثر من عامين على تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش.

في البداية، هيمنت النقاشات المتعلقة بطبيعة الحياة في ظل الجماعة الجهادية على المناقشات الأسبوعية بين المجموعتين، حيث وصف الشباب الموصليّون محنتهم وأصغى الطلاب في ولاية بنسلفانيا لهم والرعب يسيطر عليهم.

قال باسم رزّو، مدير برنامج العراق في العالم في حوار World in Conversation، الذي يسهل إجراء حوارات عبر الفيديو بين الطلاب في دول العالم، “بغض النظر عن طبيعة موضوع النقاش، فقد انتهى بهم الأمر دائمًا إلى وصف معاناتهم في ظل داعش. لقد كان وصفهم لما حدث علاجيّا.”

بعد بضع جلسات، شجع رزّو الطلاب العراقيين على مناقشة جوانب أخرى من حياتهم. قال “على الرغم من كونهم قد تعرضوا للاضطهاد من قبل داعش، إلاّ إن لديهم آمال وأحلام. يسارع هؤلاء الطلاب بشكل كبير وجهود إضافية من أجل اللحاق بها؛ إنهم يريدون تعويض السنوات الثلاث المفقودة من حياتهم.”

قام رزّو بجلب برنامج “العالم في حوار” إلى الموصل ومدينة أربيل القريبة بعد مشاهدة حوار عالم الاجتماع سام ريتشاردز عبر منصة TED Talk، الذي شارك في تأسيس البرنامج مع زوجته لوري مولفي، وهي الأخرى عالمة اجتماع، في عام 2002. لاحظ الزوجان تصاعد التوتر العنصري في جامعة ولاية بنسلفانيا، حيث يُدرّسان، ورغبا في توفير منبر لـ “الدبلوماسية العامة الحقيقية”، والتي توسعت فيما بعد لتشمل الطلاب في بلدان في جميع أنحاء العالم.

بما أنه قد سبق له العيش في الولايات المتحدة، يتذكر رزّو كيف واجه العديد من المفاهيم الخاطئة عن العرب والإسلام والشرق الأوسط. قال “أردت أن تكون هذه فرصة للطلاب الأميركيين للتعرف على ثقافتنا وديننا وقيمنا وطريقة حياتنا.”

تواصل باسم رزو مع مؤسسة العالم في حوار ودعاهم إلى فتح حوارات مع الطلاب في الموصل وإربيل. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)
تواصل باسم رزو مع مؤسسة العالم في حوار ودعاهم إلى فتح حوارات مع الطلاب في الموصل وإربيل. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)

حوار الثقافات

بالنسبة للطلاب في جامعة الموصل، يقدم البرنامج فرصة لفهم واقع المجتمع الأميركي. قال رزّو موضحًا، “الأمر يعمل في كلا الاتجاهين. … يعتقد شبابنا أن الحياة في الغرب سهلة للغاية، لكنها ليست كذلك. أنا أخبرهم عن ذلك. صحيح، إنهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية مقارنة بكم، ولكن للحرية ثمنها. إنه حوار بين الثقافات.”

انضم العديد من القادمين الجدد إلى مجموعة الموصل لإجراء أحد الحوارات مؤخراً، متلهفين لمعرفة ما ستتم مناقشته في الجلسة. تأمل بتول، 21 عامًا، في تحسين لغتها الإنجليزية بينما تواضب زينب، البالغة من العمر 21 عامًا، على المشاركة بانتظام. قالت زينب “لقد كانت فرصة عظيمة للتعرف على ثقافة أخرى. إنهم ليسوا مختلفين كما كنا نظن – الأمر لا يشبه شيئا ممّا نراه في الأفلام!”

تصدر فرقعة مستمر، ثم تومض الشاشة بتركيز ليظهر الطلاب في ولاية بنسلفانيا مستقرين في مقاعدهم. يستكشف الموضوع اليوم الأهداف الشخصية. ما الذي يثير قلق المجموعتين؟ كيف يتعاملون مع هذه المخاوف؟ وقد بدت الإجابات، على الرغم من السياقات المختلفة للطلاب، متشابهة بشكل خاص – ولاسيما فيما يتعلق بتحديات العثور على وظيفة ومتطلبات حياة الكبار بعد التخرج التي أتت في طليعة المخاوف في أذهان الجميع.

“على الرغم من كونهم قد تعرضوا للاضطهاد من قبل داعش، إلاّ إن لديهم آمال وأحلام. يسارع هؤلاء الطلاب بشكل كبير وجهود إضافية من أجل اللحاق بها؛ إنهم يريدون تعويض السنوات الثلاث المفقودة من حياتهم.”

باسم رزّو
 مدير برنامج العراق في العالم في حوار

يقول الطلاب المشاركون في الحوارات إنهم يتعلمون الكثير، وليس دائمًا ما كانوا يتوقعونه.

قال مؤمن محمد، الذي أكمل التدريب ليصبح مديراً للحوار في العام الماضي، “الأمر لا يتعلق بتبادل الثقافات فحسب، المسألة أعمق من ذلك بكثير.”

فوجئ محمّد عندما وجد أن الحياة في أميركا بعيدة كل البعد عن الصورة التي تقدمها أفلام هوليوود.

قال “لطالما اعتقدنا أن الأميركيين، والغربيين عمومًا، يعيشون في رخاء، ولكن في الحقيقة بعضهم بالكاد يتمكن من تسيير أموره ويتوجب عليهم سداد قروض وسندات ضخمة حصل عليها الطلاب. … الناس هنا لا يعرفون ذلك.”

خلال التحضير لحوار الفيديو مع طلاب ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)
خلال التحضير لحوار الفيديو مع طلاب ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)

رؤى جديدة

اكتسب المشاركون في الموصل أيضًا رؤى ثاقبة عن مجتمعهم. قال محمد “اكتشفت أن كل فرد منا وجد طرقًا للنمو خلال فترة احتلال داعش. لقد تعلم بعض الناس لغات جديدة، بينما أصبح آخرون أقرب إلى أسرهم أو عملوا على تطوير أنفسهم بطريقة ما.”

كطالب في قسم ترجمة بجامعة الموصل، اشترك محمد في البرنامج بهدف تغيير المفاهيم حول مدينته. قال، “أريد التواصل مع الناس وتغيير رؤيتهم للعراقيين والمسلمين؛ أريد أن أوضح لهم ما نحن عليه بالفعل، بما يتجاوز الصور النمطية في وسائل الإعلام.”

تمرّ الدقائق العشر الأولى من الجلسة لتقديم مقدمات قبل طرح السؤال الأول لتُثار مناقشة حول الحياة بعد التخرج من الجامعة. يريد الطلاب في الولايات المتحدة معرفة المزيد عن الاحتجاجات في العراق، وكيف يتأثر الطلاب بقضايا البطالة التي كانت في طليعة أسباب المظاهرات المستمرة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: احتجاجات الطلاب في العراق: جرأة وإصرار على مستقبل أفضل).

يأخذ محمد الميكروفون ليشرح أن مسار دراسة الشباب العراقي يعتمد على ما إذا كانوا قد حصلوا على درجات عالية بما يكفي لدخول مجالات مرغوبة مثل الطب، والتي توفر فرص عمل أفضل. في العراق، الأمر أقل تعلقا باتباع شغفك، والمسألة في جوهرها تعتمد على أماكن تواجد فرص العمل، بحسب ما يقول لهم. 

“أريد التواصل مع الناس وتغيير رؤيتهم للعراقيين والمسلمين؛ أريد أن أوضح لهم ما نحن عليه بالفعل، بما يتجاوز الصور النمطية في وسائل الإعلام.”

مساحة آمنة لمناقشة مواضيع صعبة

تتطرق بعض المواضيع إلى المناطق الحساسة ليخيّم الصمت على الجميع. على سبيل المثال، قد يكون من الصعب إجراء المناقشات حول دور المرأة في المجتمع في الموصل، ولكن هذه المساحة آمنة وسرعان ما يتبدّد التردد الأولي ويفسح المجال للرغبة في التحدث.

خلال محادثة واحدة حول معايير الجمال، ذكرت طالبة في الموصل إعجابها بأسلوب كارداشيان، بحسب ما يتذكر محمد. قال، “كنت مندهشا، ماذا! في العادة لا نتحدث عن مثل هذه الأشياء، لكن الحوار يخلق جوًا من الثقة والصدق، ولذلك يقول الناس ما يريدون.”

زينب (من اليسار) وبتول تشاركان في حوار عالمي في الموصل في كانون الأول/ديسمبر الماضي. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)
زينب (من اليسار) وبتول تشاركان في حوار عالمي في الموصل في كانون الأول/ديسمبر الماضي. (الصورة: أوليفيا كوثبرت)

بالنسبة للطلاب في الولايات المتحدة، سلّطت هذه المحادثات الضوء على الفروق الدقيقة المتعلقة بعلاقات النوع الاجتماعي في العراق. فوجئ أوستن كورتانيش، 21 عامًا، الذي يدير المناقشات من ولاية بنسلفانيا، باكتشاف أرضية مشتركة بين الطلاب الأميركيين والعراقيين حول قضايا مثل المساواة في الأجور والتحرش الجنسي وحركة أنا أيضًا MeToo. قال، “في وقتٍ سابق، سألونا عن الدين وفوجئوا بسماع وجود مسيحيين ومسلمين متدينين في الغرفة. … في كصسؤ من الأحيان، تُبرز أوجه التشابه ذاتها.”

في أوقات أخرى، تقدم التجارب المختلفة بشكل صارخ رؤى لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الاستماع. قال كورتانيش، “أجريتُ محادثة، ذات مرة، وصف فيها صبي في الموصل إصابته بشظية بعد انفجار قذيفة صاروخية بالقرب منه. كل ما يمكنك فعله في تلك اللحظة هو الاستماع وأن تكون محترمًا.”

لكن من المهم التأكد من أن الحوار لا يزال يسير في اتجاهين، على حد قوله، على الرغم من الانقطاعات الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي في العراق والتي تتسبّب في توقف الجلسة التي تستغرق 90 دقيقة في العادة، أو أن تتوقف، في حالات نادرة، عندما يتسبب تعليق طائش في شعور بالإساءة.

قال محمد، الذي يفكر في العمل كمدرس عندما يتخرج، “نحن نعتقد أن الصراع قوة حميدة – مواجهة بين الاختلافات – بخلاف القتال. ليست الفكرة في إثبات الصواب والخطأ، بل دعوة للمناقشة. أريد أن أفتح عقلي على العالم، وانظر إلى الصورة بأكملها وأتعرف على المزيد من الناس. أعتقد أنها طريقة رائعة للقيام بذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى