أخبار وتقارير

التكنولوجيا الرقمية تستعيد مواقع تاريخية مدمرة في المنطقة العربية

أسفرت الحروب الوحشية في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تركيز تنظيم الدولة الإسلامية على محو جميع آثار الأديان والثقافات السابقة للإسلام، إلى تدمير مراكز المدن القديمة والمساجد الرائعة والمعابد القديمة وغيرها من المعالم التاريخية المسجلة على قائمة اليونسكو في العراق وسوريا. وفي دول أخرى، تعرضت المواقع التراثية لذات القدر من التدمير بفعل الإهمال كما هو الحال في مناطق الصراع.

الآن، وبفضل أكثر الجهود المعاصرة طموحًا لإعادة إنشاء بعض مما فقدناه، أصبح في الإمكان القيام بجولة في تلك المناطق في بعض المتاحف الرائدة في العالم.

يستخدم معرض “المدن العتيقة: رحلة افتراضية من تدمر إلى الموصل“، الذي نظمه معهد العالم العربي في باريس، وهي منظمة ومتحف أسسته فرنسا مع 18 دولة عربية في عام 1980 بهدف الترويج للفن والحضارة العربية. يستخدم المعرض أحدث التقنيات الرقمية ثلاثية الأبعاد لإظهار التفاصيل المذهلة للجمال الأصيل والحالة المدمرة الحالية لأربع مدن قديمة هي: تدمر وحلب في سوريا والموصل في العراق ولبدة الكبرى “ليبتوس ماجنا” في ليبيا. تعتبر الأخيرة، التي أسسها الفينيقيون وأطلق عليها الرومان اسم “روما إفريقيا”، الوحيدة من بين المدن الأربعة التي لم تتضرر من جراء الحرب، لكنها تضررت بفعل النهب والإهمال.

يضم المعرض إثني عشر مقطع فيديو مذهل، مدته في حدود الدقائق الثلاث، يتم عرضه على شاشات عملاقة تسمح للزائرين بالتحليق فوق مناظر مدمرة في المدينة قبل أن يتم تكبير المعالم المدمرة. تشمل هذه المقاطع الجامع النوري الكبير في الموصل من القرن الثاني عشر الميلادي، والذي كانت مئذنته الحدباء واحدة من أشهر معالم الموصل وحيث أعلن زعيم تنظيم داعش أبوبكر البغدادي الخلافة في عام 2014، ومعبد بعل من القرن الأول الميلادي في تدمر. قام تنظيم داعش بتفجير المعلمين. في الفيديوهات، يمكن للمشاهدين مشاهدة المعلمين وهما يبرزان مجددًا من تحت الأنقاض.

بالإضافة إلى مقاطع فيديو التحليق، يمكن للزوار الدخول واستكشاف أطلال العديد من المعالم التي لحقت بها أضرار بالغة من خلال تقنيات الواقع الافتراضي بارتداء نظارات خاصة. يروي المعرض أيضًا قصص كل مدينة من البداية وحتى وضعها المعاصر، وذلك باستخدام الوثائق والصور الأرشيفية، فضلاً عن شهادات فيديو يتحدث فيها السكان وعلماء الآثار المحليين والخبراء في مجال الثقافة.

“تتيح تكنولوجيا اليوم إمكانية رؤية شاملة للوضع أفضل ممّا يمكن أن توفره الرؤية البشرية أو التصوير الفوتوغرافي.”

جاك لانغ
 مدير معهد العالم العربي

حماية التراث الثقافي

بدأت فكرة المعرض منذ حوالي أربع سنوات، عندما استشعرت رئاسة معهد العالم العربي القلق المتزايد من سياسة تنظيم الدولة الإسلامية المتمثلة في تفجير وتجريف الآثار الثقافية، فضلاً عن تدمير أجزاء كبيرة من حلب أثناء القتال العنيف الذي تخلل الهجوم العسكري الحكومي لاستعادة المدينة في عام 2016.

تعتبر هذه المدن القديمة حجر زاوية في الثقافة العالمية. قالت أوريلي كليمنت روي، مديرة المعارض في المعهد والقيّمة على معرض المدن العتيقة، “اعتقدنا أن تقديم التحف لم يكن الحل الصحيح”. وبذلك قررت وزملاؤها العمل على إقامة معرض افتراضي يعمل على تثقيف الجمهور حول الدمار الذي حدث وجمع الوثائق الرقمية للمساعدة في جهود إعادة الإعمار.

قال جاك لانغ، مدير المعهد، في حفل أقيم بمناسبة افتتاح المعرض الشهر الماضي [كانون الثاني/ يناير 2020] في واشنطن العاصمة، “هذا التراث ملك الجميع والحفاظ عليه مسؤولية الجميع.”

ينقل المعرض زواره إلى مدن مدمرة قبل خرابها باستخدام الواقع الافتراضي والوثائق الأرشيفية والصور وشهادات الفيديو من سكان المواقع المتأثرة. (الصورة: معهد العالم العربي)
ينقل المعرض زواره إلى مدن مدمرة قبل خرابها باستخدام الواقع الافتراضي والوثائق الأرشيفية والصور وشهادات الفيديو من سكان المواقع المتأثرة. (الصورة: معهد العالم العربي)

كما أقام المعهد شراكة مع إيكونيم، وهي شركة ناشئة مقرها باريس متخصصة في الرقمنة ثلاثية الأبعاد لمواقع التراث الثقافي المهددة بالإندثار. عملت الشركة الخاصة مع اليونسكو والحكومات الوطنية وغيرها من المنظمات لتوثيق التفاصيل المتضررة أو المهددة بالإندثار في أكثر من 20 دولة.

 التكنولوجيا في جهود إعادة بناء العراق وسوريا

قال إيف أوبلمان، المهندس المعماري المتخصص في الحفاظ على المواقع التراثية والمؤسس المشارك لشركة إيكونيم، أنه وغيره من الخبراء قد قاموا، على مدى العقد الماضي، بتطوير الخوارزميات ونظام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مخططات ثلاثية الأبعاد افتراضية للآثار والمناظر الطبيعية المبنية – بغض النظر عن حالتها الراهنة.

تستخدم تقنياتهم كلاً من الطائرات المُسيّرة بدون طيار والأشخاص الذين يلتقطون آلاف الصور الرقمية على الأرض. يتم تجميع كل ذلك معًا رقميًا لتشكيل “سحابة نقطية” يمكن تحويلها إلى نسخ متماثلة ثلاثية الأبعاد في الإمكان عرضها أو طباعتها.

بإمكان هذه التقنية استخدام الصور الحديثة أو القديمة لإنشاء نماذج رقمية مفصلة بدقة للمعالم التالفة في حالتها الأصلية وتثبيتها على أكوام من الركام حيث كانت تقف ذات يوم. في مقاطع الفيديو الكبيرة التي تم عرضها في معرض “المدن العتيقة”، تظهر صور مفصلة ودقيقة لقيام الآثار الأصلية من أطلالها الحالية إلى وضعها السابق أمام أعين المشاهدين.

قال لانغ، مدير المعهد، “تتيح تكنولوجيا اليوم إمكانية رؤية شاملة للوضع أفضل ممّا يمكن أن توفره الرؤية البشرية أو التصوير الفوتوغرافي.”

تستفيد اليونسكو وغيرها من المنظمات من هذه الوثائق الرقمية في مشاريع مختلفة لإعادة بناء أجزاء من المدن. قال أوبلمان من شركة إيكونيم، “بفضل الأسلوب الجديد، أصبحت عملية إعادة الإعمار أسهل وأسرع.”

افتتح المعرض في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 في معهد العالم العربي في باريس قبل أن ينتقل العام الماضي لفترة وجيزة إلى المتحف الوطني في الرياض أولاً ومن ثم إلى قاعة الفنون والمعارض بجمهورية ألمانيا الاتحادية في بون. وقد أفتتح في كانون الثاني/ يناير في المتحف الوطني للفن الآسيوي التابع لمعهد سميثسونيان، في واشنطن العاصمة. من المقرر أن يستمر المعرض هناك حتى 26 تشرين الأول/ أكتوبر.

وصف تشيس إف. روبنسون، مدير متحف الفنون الآسيوية، المعرض بأنه “معرض تاريخي” بفضل “القصة المؤثرة التي يرويها” و”إستخدامه المبتكر للتكنولوجيا الرقمية في سياق المتحف” على حدٍ سواء.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى