مقالات رأي

دعوة لعلماء العالم العربي للانفتاح على الإعلام

سياتل – منذ العام 2013 وأنا أكتبُ عن البحوث في الشرق الأوسط لصالح الفنار للإعلام وإنه لمن دواعي سروري أن أتعرف على ما يقوم به العلماء والأكاديميون في المنطقة – لاسيما وأنه شيء نادرًا ما يغطيه صحافيون آخرون. لكن، عندما بدأتُ بنشر التقارير عن العالم العربي لأول مرة، شعرت بأن كل قصة جديدة بمثابة مهمة شاقة لأن أحدًا لم يكن يرغب في التحدث إليّ تقريبًا، أو على الأقل هذا ما شعرتُ به.

للصُعوبات التي أواجهها والصَحافيون الآخرون في نشر التقارير عن الباحثين العرب آثار على ما سيعرِفه أولئك الذين يعيشون في الدول العربية عن علمائهم المحليين وأبحاثهم. كما يوضح ذلك الحاجة إلى زيادة الوقت الذي يقضيه العلماء في الدول العربية في التواصل مع الجمهور.

حتى وقت قريب، كنت قد نسيتُ ذلك إلى حدٍ كبير. إذ أصبح من المعتاد بالنسبة لي إرسال رسائل بريد إلكتروني متعددة إلى عشرة علماء أو نحو ذلك مع متابعة مكثفة عبر الهاتف والبريد الإلكتروني لتأمين مقابلة واحدة.

في الشهر الماضي، سافرتُ إلى سياتل بواشنطن لحضور الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم. هناك، تم تذكيرنا بمدى سهولة عمل مراسلي العلوم في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى مقارنة بعمل المراسلين في الشرق الأوسط.

وصف بعض الأشخاص المؤتمر بأنه “أولمبياد للعلوم”. هذه مبالغة، لكن العلماء من جميع مجالات البحث تقريبًا سافروا من جميع أنحاء العالم بهدف التواجد هناك. إذ جاء ما يقرب من 7000 من الحاضرين إلى سياتل، حيث ألقى العلماء، يومًا بعد يوم، محاضرات حول التقدم المُحرز في عملهم بموضوعات تتراوح بين رياضيات التلاعب بالانتخابات إلى المستقبل المحتمل للرفقة البشرية مع الروبوتات (سواء الأفلاطونية أو غير ذلك). حضر العديد من الصحافيين، وقدم بعضهم عروضًا حول قيمة الحفاظ على علامات تبويب جودة نتائج الباحثين. (اقرأ المقال ذو الصلة: البحوث المزيفة: مشكلة عالمية وعربية).

ليس برجًا عاجيًا

تخلل معظم هذه المناقشات تركيز كبير على السياسة العامة وكيفية ضمان عدم إستبعاد المجموعات السكانية المختلفة – بما في ذلك النساء والأقليات – في البحث. وأظهر المتحدثون حرصًا واضحًا على عدم اتهامهم بتسليم معارفهم من برجهم العاجي.

حلول الليل، كان على الحاضرين اختيار حفلات الاستقبال التي استضافتها حكومات أجنبية مختلفة، وعلى رأسها حكومات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين أظهروا حماسًا في تقديم بلادهم كأماكن جذابة لإجراء البحوث. كما أقيم حفل لتوزيع جوائز صحافة العلوم في مركز علوم المحيط الهادئ، وهو متحف علمي يتمتع فيه الزوار بتجربة تشاركية. في الحفل، ناقش الصحافيون التحديات المتمثلة في مساءلة الباحثين بالتزامن مع الاحتفاء بنجاحاتهم.

ليس الهدف من تواجد صحافيي العلوم تشجيع أو تمجيد العلماء، وكما ليس هدفنا تدمير سمعتهم في الوقت ذاته. من المهم مناقشة نتائج البحوث الجديدة والتعريف بها حتى يدرك عامة الجمهور والأكاديميون الآخرون التطورات الناشئة.

ليس الهدف من تواجد صحافيي العلوم تشجيع أو تمجيد العلماء، وكما ليس هدفنا تدمير سمعتهم في الوقت ذاته. من المهم مناقشة نتائج البحوث الجديدة والتعريف بها حتى يدرك عامة الجمهور والأكاديميون الآخرون التطورات الناشئة. أعرب معظم العلماء الذين قابلتهم في الاجتماع الأخير عن تقديرهم لذلك، وكانوا حريصين على التفاعل معي، منفتحين على المحادثة وسريعين في متابعة الأسئلة عبر البريد الإلكتروني.

بعد جلسة واحدة حول علم الإرشاد الأكاديمي، التي كتبتُ عنها في الفنار للإعلام، كان لديّ بعض أسئلة المتابعة لتقديمها. أرسلتها عبر البريد الإلكتروني وحصلت على رد كامل على الفور تقريبًا مع بعض الاقتراحات لمصادر معلومات أخرى للمتابعة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: علم الإرشاد: وسيلة جديدة لتحسين مهارات المعلمين).

يجعل مثل هذا الرد السريع الجوانب العملية لكتابة المقال ضمن الموعد النهائي أسهل بكثير. كما يساهم في جعل المقالات أكثر دقة، مما يضمن إمكانية تقديم الصحافيين للمعلومات في سياق صحيح، وهذا أمرٌ مهم. في زمن نظريات المؤامرة الفيروسية والمعلومات الخاطئة التي تنتشر بسرعة حول القضايا المهمة، مثل فيروس كورونا وتغير المناخ، من السهل للغاية أن تنتشر المعلومات غير الصحيحة بشكل أسرع من التصحيحات على الإطلاق. (اقرأ االتقرير ذو الصلة: باحثون عرب يوظفون الذكاء الاصطناعي لمحاربة الأخبار المزيفة).

على سبيل المقارنة، ليس من النادر أن يطلب الباحثون في العالم العربي الاطلاع على المقالات الكاملة قبل نشرها أو أن يطلبوا حق النقض ضد من قد أجري معهم مقابلات في ذات المقال. من أجل النزاهة الصحفية، نرفض دائمًا هذه الطلبات، لكن الحاجة إلى القيام بذلك تعيق عمل مراسل العلوم.

لا أريد تصوير جميع العلماء العرب بذات الشكل. هناك بالطبع علماء في العالم العربي ممّن يشاركون معي بنشاط مثل باحثي سياتل، لكنهم مع الأسف ينتمون إلى أقلية صغيرة.

آمل أن يتم عقد مؤتمرات إقليمية مماثلة لمؤسسة الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم AAAS في المنطقة العربية، مما يسمح للعلماء من مختلف التخصصات بمقابلة بعضهم البعض، والتركيز على التواصل في مجال البحوث ومناقشة الآثار المترتبة عن السياسات.

كما آمل أن يعود الباحثون العرب الذين حضروا المؤتمر إلى المنطقة برغبة مماثلة لأن هناك بعض البحوث الهامة في الشرق الأوسط التي تستحق الاهتمام.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى