مقالات رأي

ماذا تعلمت من تجربة التدريس الفعال عبر الإنترنت

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

في منتصف الشهر الماضي، أرسل رئيس الجامعة الأميركية في القاهرة رسالة بريدية لجميع الأساتذة يعلن فيها تعطيل الدراسة بالحرم الجامعي وتقديم إجازة فصل الربيع عن موعدها كإجراء وقائي لدعم الجهود المحلية والعالمية للحد من انتشار وباء كورونا، ليتم بعد ذلك استئناف الدراسة عبر الإنترنت.

كان أمامنا أسبوعاً واحداً فقط، وهو مدة عطلة فصل الربيع، للتخطيط والعمل على تحويل مناهجنا الأكاديمية بما يتلاءم مع متطلبات الدراسة عبر الإنترنت.

يعتقد كثيرون أننا محظوظون في الجامعة لتوفر بنية تحتية تقنية داعمة لهذا النوع من التعليم، وهو أمر صحيح بنسبة كبيرة. إذ توفر الجامعة منصة خاصة تسمى Blackboard تشبه الفصل الافتراضي Virtual Classroom تتيح فرصة للتواصل مع الطلاب ومناقشتهم ومشاركتهم المواد التعليمية. شخصياً، سبق لي وأن قدمت تدريبات عديدة على الإنترنت كما أنني قمت العام الماضي بإعداد محتوى خاص بدبلومة الإعلام الرقمي التابعة لمركز كمال أدهم للصحافة التليفزيونية والرقمية في الجامعة.

مع ذلك، فإن التحدي مازال قائماً نظراً لضيق الوقت المتاح أمامنا لإجراء هذا التحول وسط مخاوف صحية وقلق على مستقبل العملية التعليمية والمعيشية بأكملها.

يعتمد التدريس في قاعات المحاضرات على المعلم بنسبة أكبر من كافة الوسائط التعليمية الأخرى حيث يصبح هو ناقل المعرفة الرئيسية ويمكنه تحفيز الطلاب من خلال التواصل المباشر معهم وتقييم تفاعلهم من خلال رصده لانطباعاتهم وانفعالاتهم أثناء المحاضرة. في المقابل، يحتل التوجيه والإرشاد المكانة الرئيسية في التعليم الالكتروني، ويتم نقل المعارف والعلوم عبر وسائط عدة مثل تسجيلات الفيديو والشرائح المتعددة والتمارين والتطبيقات.

عتقد أن الانتقال من النوع الأول للثاني ممكن لكنه يتطلب الكثير من التحضير لإعادة تصميم محتوى المنهج يما يناسب نقله عبر الوسائط التقنية، خاصة أنني سأفقد تواصلي المباشر معهم وزيارتهم لمكتبي بعد المحاضرة لمزيد من النقاش والأسئلة. ونظراً لضيق الوقت المتاح، عملت على وضع منهجية جديدة لمنهجي التدريسي تستند بصورة أساسية على التواصل والتحفيز وقياس

” نظراً لضيق الوقت المتاح، عملت على وضع منهجية جديدة لمنهجي التدريسي تستند بصورة أساسية على التواصل والتحفيز وقياس مستوى الاستيعاب والتفاعل.”

مستوى الاستيعاب والتفاعل، أشارككم بعضاً من خطوطها العريضة في هذا المقال في سعي لتشارك خبرات ومعارف تتيح لنا فرصة لإعادة النظر في أدواتنا وأساليبنا التعليمية.

تحديد الأهداف ومشاركتها

في عصر الإنترنت، القليل يساوي الكثير. إذ ينصب كل شيء على التركيز وتحديد الأهداف بدقة، لذلك لم أخصص وقتاً كبيراً للمعلومات التي يجب أن أقدمها وركزت أكثر على الكيفية التي يصبح من خلالها الطلاب متعلمين محفَّزِين، متفاعلين، نشطين. لذلك كان لا بد من مشاركة أهدافي مع الطلاب بما يعزز إحساسهم بالتشاركية والمسؤولية ويجيب على الكثير من أسئلتهم المتعلقة بكيفية الوصول للمادة العلمية، الجدول الزمني الخاص بمناقشتها والواجبات التي ينبغي تنفيذها من قبلهم ومواعيد إرسالها ومعايير تقييمها وهي أسئلة عادة ما تشغل أذهان الطلاب بصورة كبيرة. إن توضيح كل ذلك في رسالة بريدية واحدة، كان مقدمة جيدة لبناء أرضية مشتركة واحدة انطلقت منها معهم في تجربة تعليمية جديدة بالنسبة لهم لكنها واضحة وسلسة.

التواصل الفعال والآمن

في قاعة المحاضرات، يسهل التعرف على الطالب غير المكترث، فهو غالباً يختار الجلوس في الصفوف الخلفية لتفادي التواصل البصري مع الأستاذ والمشاركة في النقاشات. بالطبع، الوضع مختلف تماما في التعليم الإلكتروني. لكن ذلك لا يعني إطلاقاً فقدان التواصل مع الطلاب. بل على العكس، يكتسب التواصل أهمية مضاعفة نظراً لدوره في دعم وتشجيع الطلاب الذين يعيشون، كما الأساتذة، في عزلة اجتماعية تفرضها الظروف الحالية. لذلك أعتقد أنه من الضروري الإستفادة من برامج البث المباشر، حتى لو لم يتمكن الجميع من مشاركة الكاميرا، لتخصيص الدقائق الاستهلالية في كل محادثة للاطمئنان على الطلاب وفتح المجال أمامهم للحديث والتواصل بما يزيد من رغبتهم بالتفاعل لاحقاً.

من جهة أخرى، خصصت مساحة من الوقت في كل محاضرة لتمارين التعليم التعاوني، حيث يمكن للطلاب العمل معاً وفق مجموعات صغيرة على إنجاز بعض المهام بما يضمن انخراطهم في النقاش وتحفيزهم على التواصل والتفاعل فيما بينهم.

“أعتقد أن وصول المعلومات بصورة صحيحة للطلاب هو غاية كل معلم، لكن ذلك ليس كل شئ. إذ أنه من المهم التأكد من فهم الطلاب لهذه المعلومات وقدرتهم لاحقاً على الإستفادة منها.”

تقنياً، يستخدم العديد من الزملاء تطبيق Zoom لكنني أميل بشكل شخصي لاستخدام تطبيق Jitsi للدردشة الافتراضية لكونه يوفر خاصية تسجيل المحاضرة ويتيح لها رابط خاص يمكن تسميته بإسم المحاضرة. كما يمكن للطلاب الولوج إليه من خلال كلمة مرور خاصة يمنحها لهم المحاضر بما يضمن الحفاظ على خصوصية جميع المشاركين لكونه لا يحتوي على خوارزميات تخترق خصوصية المستخدمين.

هناك أيضاً مجموعة تطبيقات متاحة وداعمة مثل أجندة جوجل، إذ قمت بإضافة مواعيد المحاضرات الإلكترونية إليها حيث تمتاز بخاصية التنبيه المسبق والتي تعطي الطلبة مساحة من الوقت لتحضير أنفسهم بوقت كاف قبل المحاضرة. كما قمت بمشاركة كافة العروض التقديمية الخاصة بكل محاضرة عبر مساحة مشتركة على جوجل درايف ليتمكنوا من تصفحها بصورة مسبقة بما يضمن الإستفادة من وقت جلسات البث المباشر للنقاش وطرح الأسئلة.

بالطبع، هناك عشرات التطبيقات والأدوات التي يمكن استخدامها. لكنني شخصياً، لا أفضل الإفراط في استخدامها لتجنب إرباك الطلاب. فهم وعلى الرغم من ولعهم بالتكنولوجيا، إلا أن الكثيرين منهم – ومنا نحن أيضاً كاساتذة- حديثي العهد بها.

قياس النتائج

أعتقد أن وصول المعلومات بصورة صحيحة للطلاب هو غاية كل معلم، لكن ذلك ليس كل شئ. إذ أنه من المهم التأكد من فهم الطلاب لهذه المعلومات وقدرتهم لاحقاً على الإستفادة منها من خلال التطبيق أو المحاكاة أو التحليل أو النقد أو المقارنة أو التصميم أو أي فعل آخر يعكس توظيفهم لما حصلوا عليه من معلومات بطريقة مفيدة. كما أن ذلك أساسي لتقييم مهاراتهم المكتسبة.

بالطبع، تلعب الامتحانات دوراً كبيراً في تقييم النتائج. وفي التعليم الإلكتروني، يتم الاعتماد بصورة كبيرة على اختبار الكتاب المفتوح. لكنني أفضل أن يتم التقييم بناء على المشاريع التي يمكن للطلاب تنفيذها استنادا للمحتوى العلمي الذي حصلوا عليه. وسيكون من المناسب جداً هنا إشراك الطلاب بعملية التقييم، بحيث يستعرض كل طالب مشروعه أمام زملاءه ومن ثم يتاح للطلاب فرصة للنقاش والتقييم مما يزيد من التفاعل ويفعل التغذية العكسية فيما بينهم.

لم يمض وقت طويل بعد للحكم على نجاعة ما أقوم به، لكنني لمست خلال الأسبوعين الماضيين تفاعلاً جيداً من الطلاب وهو ما يزيد من حماستي وسعادتي بهذا التحول التعليمي ويدفعني للبحث والتفكير بصورة مستمرة حول سبل تطويره. وهنا لا يمكنني إغفال دور إدارة المؤسسة الأكاديمية في دعم الأساتذة والطلاب والتواصل معهم بصورة مستمرة لإستطلاع أرائهم بالتجربة ومحاولة العمل على تفادي أي مشكلات تقنية قد تعترضنا.

لا أشك أن ما نمر به اليوم محنة عالمية على مختلف الأصعدة، لكنني أتمنى أن نتمكن من تحويلها إلى منحة تعليمية على المستوى المحلي لعصر جديد من التعلم الفعال.

*عمرو العراقي، صحافي ومحاضر بكلية الشئون الدولية والعلاقات الخارجية بالجامعة الأميركية في القاهرة.

Countries

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى