مقالات رأي

هل تكفي 15 دقيقة لتغيير الصورة النمطية عن التعليم الإلكتروني في عصر فيروس كورونا

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

أنا مدافعة كبيرة عن التعلم الإلكتروني، كما أنني متحمسة للفرصة الخفية التي أتيحت فجأة أمامه. وفقاً لليونسكو، أغلقت أكثر من 185 دولة مدارسها وجامعاتها مما تسبب في توقف تعليم مئات الملايين من الأطفال والشباب. يحاول مقدمو التعليم الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في التدريس عن بُعد، وبينما يكتشف الآباء أدواراً جديدة لهم، يبذل المعلمون جهدهم بشكل كبير.

بالطبع أتمنى لو كانت الظروف مختلفة، لكن الحقيقة هي أن الـ 15 دقيقة – وربما أكثر- لدروس التعليم الإلكتروني  باتت تشكل فرصة اليوم لتعزيز وجود هذا النوع من التعليم.

وبينما نشاهد هذا يتكشف، يتبادر إلى ذهني بعض الأسئلة.

هل لدى التعلم الإلكتروني فرصة عادلة لإثبات نفسه؟ على الرغم من ارتباطنا بالتعلم في الفصل الدراسي والحياة الاجتماعية التي تأتي معه، فإن مجموعة متزايدة من الأدلة تظهر أن التعلم الإلكتروني عالي الجودة يمكن أن يحسن تجربة الطالب ونتائج التعلم. لكننا اليوم لسنا في وضع طبيعي. إذ أن انتباه الطلاب مشتت، والأساتذة ليسوا مدربين بصورة كافية على هذا النوع من التعليم والبنية التحتية التكنولوجية غير مؤهلة تماماً لدعم هذا الانتقال.

أشعر بالقلق حيال الضغوط التي تتعرض لها بعض الحكومات ومقدمي الخدمات للانتقال السريع لضمان عدم انقطاع التعلم، مع القليل من التخطيط على المدى المتوسط أو البعيد. بينما يحتاج تصميم تجارب تعليمية عالية الجودة عبر الإنترنت وقتاً طويلاً، بما في ذلك دمج الممارسات التربوية الجديدة.

الخيار الوحيد قصير المدى لبعض مقدمي الخدمات هو استخدام تطبيقات مؤتمرات الفيديو وأدوات التعاون الافتراضية في محاولة لمحاكاة الفصول الدراسية التقليدية. في ظل هذه الظروف، وعندما تعود الحياة إلى طبيعتها، فهل سيقول الجميع “كان هذا رائعًا، أريد المزيد منه” أم هل ستترك التجربة انطباعاً سيئاً؟

هل ستتسع فجوة الوصول إلى التعليم؟ تقدم التكنولوجيا، والتكنولوجيا التعليمية على وجه الخصوص، وعوداً بعادلة الوصول إلى الفرص. تحقق ذلك بصورة جزئية، مع ذلك، لا تزال التكنولوجيا التعليمية موردًا غير متاحاً أو سهل الوصول إليه للكثيرين.

ففي بلدي، لبنان، رفعت المدارس والجامعات الخاصة مستوى التحدي وحشدت منصاتها الإلكترونية الحالية غير المستغلة بالكامل. في المقابل، لا يمتلك مقدمو التعليم العام أي فرصة.

بغض النظر عن الأزمات ، هناك عدة أسباب لعدم اعتماد التعلم الإلكتروني، أو حتى المدمج ، بشكل كامل حتى الآن.

شاهدت سابقاً على شاشة التلفاز أستاذ في مدرسة حكومية  يقول “يريدون مني التدريس عبر الإنترنت مجانًا بينما لا يمكنني تحمل نفقات إطعام أطفالي، فضلاً عن إمكانية اتصال بالإنترنت.”

لكن إعلان منصة لكوراسيرا الأخير الخاص بتوفير مساقاتها الجامعية تحت تصرف الجامعات المتأثرة مجانًا لفترة محدودة يبدو مشجعاً، فهو يعني بشكل أساسي إذا كنت تعمل في جامعة لا تدعم تجربتك في التدريس الإلكتروني فبإمكانك الإستفادة من هذه الفرصة والحصول على اعتماد لذلك أيضاً في حال رغبت جامعتك التعاون مع كوراسيرا.

هل ستستفيد شركات تكنولوجيا التعليم ذات التوجه التجاري ومقدمو التعلم عبر الإنترنت من هذا الوضع؟ بغض النظر عن الأزمات ، هناك عدة أسباب لعدم اعتماد التعلم الإلكتروني، أو حتى المدمج ، بشكل كامل حتى الآن. قُدرت سوق تكنولوجيا التعليم الإلكتروني للعام الحالي  بـ252 مليار دولار على مستوى العالم ، لكني سمعت مرارًا وتكرارًا مقدمي الخدمات غير الربحيين وغيرهم ممن يقدرون الجودة يقولون إن الشركات ذات التوجه التجاري ذات المحتوى الرديء أو تقنيات التعلم الضعيفة تسببت في إكتساب التعليم الإلكتروني لسمعة سيئة. ربما يتسبب ذلك أيضاً في صعوبات في وضع معايير الاعتماد من قبل الحكومات ويدفعها إلى الإصرار على الحفاظ على التعليم التقليدي . هذا صحيح بشكل خاص في المنطقة العربية. ما يقلقني هو أن مزودي الخدمات ذوي الجودة الرديئة، والذين يهتمون بالمال فقط، ستزدهر أعمالهم خلال  الفوضى الحالية الناتجة عن انتشار وباء كورونا بينما الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والطلاب في وضع يائس وحساس جدا فيما يتعلق بالوقت.

هل نزيد من الضغوط على الناس؟ ورد ذلك إلى ذهني عندما قرأت منشورًا على الفيسبوك من أستاذ جامعي قبل يومين وأيضًا خلال محادثة مع صديق مدرس في مدرسة إعدادية. جوهر ما كانوا يحاولون قوله هو إننا في أزمة عالمية تهدد صحتنا الجسدية والعقلية. مع ذلك، نحن مطالبون بتعلم مهارات جديدة بسرعة، وقضاء المزيد من الوقت على الإنترنت، والذهاب إلى أبعد من ذلك لإبقاء العملية التعليمية مستمرة. يجد البعض أن هذا توقع غير واقعي ويعكس الجانب القبيح لمجتمعنا الرأسمالي المهووس بالإنتاجية.

من الواضح أن التزامي التطوعي بمبدأ “السلامة أولاً” والإقفال التام، يجعلني أفكر بشكل مكثف في دور وقيمة التعلم الإلكتروني في المنطقة العربية. اتمنى التعرف على أرائكم بخصوص أسئلتي أعلاه.

مي وزان مستشارة مستقلة، تركز على تطوير وتنفيذ البرامج في قطاعي التعليم والمجتمع. شغلت سابقاً منصب مديرة البرامج بمؤسسة عبدالله الغرير للتعليم وعملت كمستشارة للعديد من الحكومات وللبنك الدولي.

Countries

تعليق واحد

  1. انا مدير مدرسة خاصة في البقاع لبنان تأسست عام 2013.
    تعتند مدرستنا نظام التعلم الذاتي ما سمح لطلابنا بمتابعة تعلمهم في المنزل بشكل طبيعي لاعتيادهم هذه الطريقة اصلا في المدرسة.
    ورغم ذلك، ورغم ان طلابنا لم يواجهوا مشاكل تذكر فإننا لسما راضين عن هذا النوع من التعليم الذي يتناقض مع مبدأ التربية التي في جوهرها تقوم على التواصل الحسي والمباشرة بين المعلم والمتعلّم..
    إن التعلم عن بعد قد يكون صالحا للتعليم الجامعي لكنه بالنسبة للصغار لا يؤمن النمو الاجتماعي والتفاعل المطلوب من خلال الخبرات التي يك نها الطالب من جراء التجارب الحياتية المختلفة والتي تبني شخصيته.
    ايا تكن التقنيات متطورة وعالية فإن هذا النوع من التعليم يخالف جوهر التربية حتى ولو قامت به حكومات ذات قدرة وحتى لو احيط بقدرات تقنية كبيرة.
    رغم قدرة مدرستنا على مواكبة هذا النوع من التعلم فإنني لا أوافق على اعتماده في مرحلة التعليم الاساسي لمخالفته جوهر عملية التربية.
    تحياتي لك وشكرا لك على المقالة الجميلة ومستعد لأقصى حدود التعاوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى