أخبار وتقارير

تقرير جديد يرصد إدماج الطلاب في التعليم في العالم العربي

في الأردن، يرتاد ثلث الأطفال مدارس تفتقر للمرافق الصحية بشكل تام، ممّا يشكّل حاجزًا أمام تعليم الفتيات في سن بدء الدورة الشهرية. وفي لبنان، غالبًا ما يمنع مسؤولو المدارس الأطفال من ذوي الإعاقة من الدراسة في الفصول الإعتيادية على الرغم من القوانين التي تضمن حقهم في التعليم. في المغرب، لا يكلف بعض الأطفال المعاقين أنفسهم عناء محاولة الذهاب إلى المدرسة لأنهم يعلمون أنه لن يُسمح لهم بالدخول.

في الوقت ذاته، يخشى أكثر من نصف الطلاب المثليين في المنطقة العربية فكرة الالتحاق بالمدرسة.

في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية العالم، يُستبعد الملايين من الأطفال والشباب من التعليم لأسباب تتعلق بالجنس والدين والقدرة والميول الجنسية والفقر وعوامل أخرى، بحسب تقرير رصد التعليم العالمي لعام 2020 – الإدماج: الكل يعني الكل، الصادر هذا الأسبوع. رافق إصدار التقرير إطلاق موقع على شبكة الإنترنت، بعنوان PEER، للكشف عن القوانين والسياسات المتعلقة بمن يتم قبوله أو استبعاده في التعليم في كل دولة حول العالم.

ذكر التقرير إنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، منعت آثار وباء كوفيد-19 ملايين الأطفال والمراهقين في كل مكان من الإلتحاق بالمدارس، مما فاقم مسألة عدم المساواة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: التحول إلى التعليم عبر الإنترنت يفاقم عدم المساواة في المنطقة العربية).

ذكر المسؤولون عن التقرير أن أوجه انعدام المساواة هذه بحاجة لمعالجة عاجلة.

قالت أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، في التقرير، “بهدف مواجهة التحديات في عصرنا، من الضروري إيجاد تعليم أكثر شمولاً. كما أن إعادة التفكير في مستقبل التعليم يعدّ المسألة الأهم بعد جائحة كوفيد-19، لأنّ الوباء وسّع بشكل أكبر وسلط الضوء على عدم المساواة. من شأن الفشل في إيجاد الحلول أن يعيق تقدم المجتمعات.”

التعاريف مسألة أساسية 

يستكشف التقرير المشكلات الكامنة وراء استبعاد الطلاب ويقدم بعض الحلول.

يذكر التقرير أن نقطة البداية لتحقيق الإدماج تكمُن في وجود تعريف واسع وطموح، وإلا فإن الدولة ستبدأ بالعمل على أساس معيب. إذ يعتبر هذا التعريف المفتاح لخلق السياسات والقوانين والممارسات، التي من شأنها ضمان “شعور كل متعلم بالتقدير والاحترام، وإمكانية تمتّعه بشعور واضح بالانتماء.”

مع ذلك، غالبًا ما يُعرّف الإدماج في أرجاء المنطقة العربية بشكل ضيق – في حال تم تعريفه بالأساس. يشير التقرير إلى أن التعريف غالبًا ما يشمل المتعلمين من ذوي الإعاقات الجسدية أو العقلية فقط. ووجد الباحثون أن تسعة من أصل 22 دولة عربية تمتلك تعريف للتعليم الشامل، بما في ذلك البحرين وجزر القُمر وجيبوتي وتونس والأردن وفلسطين. لكن تعاريف خمس دول فقط – هي البحرين والصومال والأردن وفلسطين والإمارات العربية المتحدة – تشمل جميع الفئات المهمشة. لا تغطي السياسات في تونس وجزر القمر، على سبيل المثال، سوى الأشخاص من ذوي الإعاقة. وفي الوقت ذاته، لا يمتلك أي بلد عربي قانون يغطي الإدماج لجميع المتعلمين. على الصعيد العالمي، تمتلك 19 دولة بما في ذلك الدنمارك وبوليفيا وغانا، تعريفًا شاملاً.

“بهدف مواجهة التحديات في عصرنا، من الضروري إيجاد تعليم أكثر شمولاً. كما أن إعادة التفكير في مستقبل التعليم يعدّ المسألة الأهم بعد جائحة كوفيد-19، لأنّ الوباء وسّع بشكل أكبر وسلط الضوء على عدم المساواة. من شأن الفشل في إيجاد الحلول أن يعيق تقدم المجتمعات.”

أودري أزولاي
 المديرة العامة لمنظمة اليونسكو

تنص القوانين في ثلاث من دول المنطقة على الأقل على وجوب تعليم الأطفال ذوي الإعاقة في أماكن منفصلة، في حين أن قوانين أقل من 10 دول تدعو إلى دمج الأطفال المعاقين مع جميع الأطفال. يتفق التربويون، بحسب التقرير، بشكل عام على أن لعمومية التعليم نتائج تعليمية أفضل، كلما أمكن ذلك.

من بين البلدان التي تمتلك تعريفًا للتعليم الشامل، يحدد تعريف أقل من نصفها بقليل الأمر بطريقة تغطي جميع المتعلمين، دون استثناء.

يستهدف ثلث البلدان في المنطقة العربية الأشخاص ذوي الإعاقة فقط في تعريفاتهم للتعليم الشامل، ولا يأتون على ذكر المجموعات الأخرى.

يمتلك أكثر من ثلاثة أرباع الدول في المنطقة قوانين تشير إلى الأشخاص ذوي الإعاقة، في حين يشير حوالي ثلثها فقط إلى مسألة الجنس والعرق والعوز، ويشير أقل من ربعهم إلى مسألة اللغة.

المنطقة العربية فقيرة بالبيانات

يقول التقرير إن هناك نقصًا مزمنًا في البيانات الجيدة بخصوص المستبعدين في جميع أنحاء العالم، لكن العالم العربي يعدّ الأسوأ إلى حد بعيد. يرى الباحثون إن من شأن هذا أن يجعل من الصعب تصميم السياسات أو قياس مدى التغيير.
ذكر التقرير أن مصر والسودان، على سبيل المثال، لم تَمتلكا أي بيانات بشأن التعليم الشامل منذ عام 2014. في حين تم تقييد وصول الجمهور إلى البيانات في المغرب وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص.
قالت هناء عضّام الغالي، مديرة برنامج بحوث التعليم والسياسات الشبابية في معهد عصام فارس التابع للجامعة الأميركية في بيروت، أن “نقص البيانات في المنطقة أمر غير مفاجئ بالنسبة لكثير من خبراء سياسة التعليم. تكمُن المشكلة في أن الأرقام مصدر قوة، وتمكنك المعلومات من تقديم حجة معينة واستخدامها … لذا إذا لم تقم بكشف المعلومات، فستكون لديك الكثير من القوة، ولن يكون في الإمكان استخدام المعلومات ضدك.”

يشير التقرير إلى أن بعض دول المنطقة اتخذت خطوات نحو الإدماج الكامل للطلاب في المدارس العادية. فيما يجعل البعض الآخر، بما في ذلك جزر القُمر، من التعليم الشامل هدفًا بعيدًا.

حتى الآن، تقوم 14 من أصل 22 دولة عربية “بتعزيز” التعليم الشامل في تعليمهم أو خططهم الاستراتيجية العامة، أو كليهما، بما في ذلك العراق وتونس، بحسب بيانات اليونسكو.

بهدف تحقيق مزيد من الشفافية بشأن التقدم، أطلق تقرير رصد التعليم العالمي GEM في 23 حزيران/ يونيو موقع إلكتروني جديد باسم PEER.

“أعتقد أن ما تقترحه منظمة اليونسكو جيد، ولاسيما بالنسبة للإدماج، وخاصة الآن مع تفشي الوباء وتكشّف الكثير من الأمور. إنه الوقت الذي يتعين عليك فيه إعادة التفكير في الإدماج وسياسات الإدماج لأن من شأن ذلك أن يترك الكثير من الأطفال بدون تعليم.”

هناء عضّام الغالي
 مديرة برنامج بحوث التعليم والسياسات الشبابية في معهد عصام فارس التابع للجامعة الأميركية في بيروت

قال مانوس أنتونينيس، مدير تقرير رصد التعليم العالمي، “لقد شعرنا أن العالم يحتاج إلى فهم أفضل لكيفية تعامل الدول المختلفة مع هذه القضية، لذا قمنا بتحميل وصف حول كيفية تعامل كل دولة في العالم مع مسألة الإدماج في التعليم، مع ملف تعريف لكل منهما حول كيفية معالجة قوانينهم وسياساتهم لهذه القضية. من شأن هذا أن يقدم لنا خط أساس للعمل.”

https://www.bue.edu.eg/

وأضاف “أطلقنا على الموقع اسم PEER أو قرين لأننا نريد أن تتعلم الدول من نظيراتها وأقرانها. نريد الاستفادة من التعلم من الأقران لأنه من الأفضل أن تعرف ما يفعله الآخرون.”

يقول جميل السالمي، المؤلف والخبير السابق في التعليم العالي لدى البنك الدولي، إن موقع PEER الجديد يجب أن يكون مصدرًا جيدًا للبلدان التي تتطلع إلى تعزيز الإدماج التعليمي.

قال “يمكن أن يسمح لك ذلك بقياس ما تفعله الدول الأخرى التي تهتم بها أو التي تتابعها. يمكن لوجود هذا الموقع أن يدفع دول المنطقة إلى محاولة القيام بما تفعله البلدان الأخرى. ستحدد جودة البيانات ودقة البيانات مدى فائدته.”

لكن البعض أبدوا تفاؤلاً حذرًا حيال الأمر.

قالت الغالي “لستُ متأكدة من مدى إمكانية استفادة الدول العربية من ذلك”، موضحةً أن السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدول المنطقة يختلف اختلافا كبيرا. أضافت، “مع ذلك، أعتقد أن ما تقترحه منظمة اليونسكو جيد، ولاسيما بالنسبة للإدماج، وخاصة الآن مع تفشي الوباء وتكشّف الكثير من الأمور. إنه الوقت الذي يتعين عليك فيه إعادة التفكير في الإدماج وسياسات الإدماج لأن من شأن ذلك أن يترك الكثير من الأطفال بدون تعليم.”

كوفيد-19: الأزمة والفرص

يذكر التقرير إنه ومع تأثر أكثر من 90 بالمئة من الطلاب العالميين بإغلاق المدارس المرتبط بوباء كوفيد-19، فإن العالم يشهد بشكلٍ أكبر اضطرابات غير مسبوقة في تاريخ التعليم. في العالم العربي، حرمت إجراءات إغلاق كوفيد-19 17 مليون طفل ومراهق بشكل رئيسي من التعليم بسبب الفقر، الأمر الذي كشف وعمّق أوجه انعدام المساواة. كما ذكر التقرير إن 20 في المئة من دول المنطقة لم تستهدف المهمشين في استجابتها التعليمية للوباء.

مع ذلك، يضيف التقرير أن هناك فرصة في مثل هذه الأزمة، لا سيما بخصوص إعادة بناء أنظمة تعليم أكثر شمولاً.

يقول أنتونينيس إنه وبينما شكّل الوباء أزمة كبيرة لتعليم الناس الأكثر فقرًا في العالم، إلا أنه يرى في ذلك فرصة، لا سيما فيما يخص كيفية استجابة المعلمين.

قال “ربما يتمثّل الأمل الوحيد في أن العديد من هؤلاء المعلمين الواعين، ونحن نتحدث عن ملايين المعلمين الذين حاولوا جاهدين الحفاظ على الاتصال بطلابهم، قد تمكنوا من الاتصال بشكل وثيق بالظروف الوخيمة التي يعيش فيها هؤلاء الطلاب. ربما أدى ذلك في الواقع إلى مزيد من التعاطف وفهم أكبر للتحديات التي يحتاجون للتغلب عليها.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى