أخبار وتقارير

معهد التنوع في العراق يدرّس أديان الأقليات

نشر معهد جديد في العراق، أُسّس بهدف تغيير خطاب البلاد تجاه الأقليات الدينية من خلال برامج تعليمية تستهدف الطلاب ورجال الدين المسلمين، مناهجه الأولى.

أُنشئ معهد دراسات التنوع الديني، الأول من نوعه في العراق والشرق الأوسط، قبل عام تقريبًا من قبل مؤسسة “مسارات“، وهي منظمة غير ربحية وغير حكومية مقرها بغداد تُركز على الأقليات ودراسات الذاكرة الجماعية والحوار بين الأديان، بالتعاون مع عدد من الجامعات وجماعات الحقوق المدنية.

تمثل المناهج الدراسية الجديدة سلسلة من الكتب المنهجية حول الأقليات الدينية غير المسلمة، والتي تشمل المندائية والايزيدية واليهودية والمسيحية، والتي سيتم استخدامها في مساق جديد تم تدريسه لأول مرة هذا العام. وضعت جميع المناهج من قبل خبراء وأكاديميين وقادة يمثلون المجموعات التي يكتبون عنها.

في البداية، سيتم التركيز على تعليم طلاب المعاهد الإسلامية (السُنية والشيعية) في المؤسسات الدينية التقليدية وطلاب كليات العلوم الإسلامية في بعض الجامعات العراقية الحكومية. وهناك خطط لتوسيع المساق ليشمل طلاب الإعلام والصحافة أيضًا.

يأمل المعهد في أن يؤثر الفهم الأفضل للديانات المختلفة في العراق على خطاب رجال الدين المسلمين والخطاب الإسلامي الأوسع والأحكام المسبقة المتعلقة بمسألة التنوع الديني، وأن يساعد ذلك على مكافحة التطرف وخطاب الكراهية في البلاد.

قال سعد سلوم، المنسق العام لمؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية والمتخصص في العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية في بغداد، “تتجسّد الفكرة في تجنّب المعاملة التفضيلية لدينٍ معين باعتباره “الأفضل” أو”السائد” على الآخرين والعمل بنشاط ضد فكرة الاحتكارات الدينية للحقيقة.” (اقرأ التقرير ذو الصلة: باحث عراقي يدافع عن التنوع وسط ظروف حرجة).

قال سلوم “لأول مرة في تاريخنا المعاصر، نقدّم منهجًا إيزيديًا من تأليف خبير إيزيدي أمضى ثلاثة عقود في جمع وتوثيق التقاليد الشفوية لشعبه. علاوة على ذلك، بدأنا بتدريس معتقدات أديان حديثة غير مُعترف بها رسميًا، مثل العقيدة البهائية والزرادشتية، وهو دين قديم تم إحياؤه مؤخرًا في كردستان العراق بعد قرون من الاختفاء.”

مناهج دينية برؤية أتباعها

بالنسبة لقادة الأقليات الدينية، يوفّر المساق الجديد للمعهد منصة لمكافحة الصور النمطية وسوء الفهم الذين تسبّبا في معاناة الكثير من المؤمنين بهذه الأديان في الشرق الأوسط.

يقول قيس السعدي، مؤلف المنهاج المندائي، إن معظم التمييز الذي تعرض له دينه “ناتج عن الكتابة الخاطئة عنه، ولاسيما كتابات المؤلفين الذين لم يسألونا أبدًا عن ديننا أو تجربتنا الحياتية، فضلاً عن عدم كتابة المندائيين عن أنفسهم.”

قال السعدي، أستاذ التربية السابق في جامعة بغداد والمقيم في ألمانيا الآن، “بهدف عكس ذلك، وجدتُ، بصفتي مندائيًا، أن من واجبي تقديم كتاب تعليمي يوضح الجوانب الأساسية التي من شأنها أن تساعد القارئ في الحصول على صورة واضحة عن تاريخ هذا الدين ومعتقداته وأتباعه كما هم.”

كان خليل جندي، مؤلف المنهج الدراسي الايزيدي، متحمسًا لفرصة تدريس الطلاب العراقيين عن جماعة دينية نجت من محاولات تنظيم الدولة الإسلامية القضاء عليها. قام جندي، الخبير في شؤون الإيزيديين وكبير الدبلوماسيين العراقيين في الفلبين، بتدريس منهجه عن بعد.

قال “من شأن تدريس رجال الدين المسلمين عن الديانة الإيزيدية أن يحرّر عقول الأجيال الجديدة.”

يواجه كتاب جندي المنهجي الصور النمطية عن الشعب الايزيدي ودينهم من خلال شرح بعض الموضوعات العقائدية والثقافية. كتب في مقدمة كتابه، “إنها رواية أيزيدية داخلية بهدف مكافحة وتصحيح الرواية المشوهة والظالمة التي وضعها بعض المؤرخين العراقيين والمصريين. إذ خلقت الرواية القديمة التي تهيمن عليها أفكار القومية العربية والتطرف الديني صورة مشوهة للايزيديين في الثقافتين العربية والإسلامية.”

لأول مرة في تاريخنا المعاصر، نقدّم منهجًا إيزيديًا من تأليف خبير إيزيدي أمضى ثلاثة عقود في جمع وتوثيق التقاليد الشفوية لشعبه. علاوة على ذلك، بدأنا بتدريس معتقدات أديان حديثة غير مُعترف بها رسميًا، مثل العقيدة البهائية والزرادشتية.”

سعد سلوم
 المنسق العام لمؤسسة مسارات

لم يغب المجتمع المسيحي المتضائل في العراق عن المناهج الجديدة. ففي أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، انخفض عدد المسيحيين في العراق بنسبة 83 في المائة، من حوالي 1.5 مليون إلى 250,000 فقط. وفي عام 2014، اضطر 125,000 مسيحي للنزوح من مناطقهم التاريخية في سهل نينوى والموصل.

كتب الكاردينال لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك كنيسة الكلدان الكاثوليك ومؤلف المنهج الدراسي، “يمثل المنهج الدراسي الخاص بالمسيحية محاولة لتسليط الضوء على الإيمان المسيحي بأسلوب بسيط ومفهوم معاصر يتجنّب التعابير الفلسفية المعقدة والمصطلحات القديمة.” وأضاف أن “تدريس المسيحية والأديان الأخرى للمسلمين سيسهم في مواجهة الطائفية والجهل بالآخر.”

إقبال على التعلّم

مع تعليق الفصول الجامعية بسبب عمليات إغلاق كوفيد-19، يتم تدريس المساق الجديد للمعهد عبر الإنترنت هذا العام. وكان الشيخ عامر البهادلي، وهو رجل دين شيعي وطالب في جامعة الإمام الكاظم للعلوم الإسلامية في بغداد، من بين الطلاب الذين حضروا هذا المساق.

قال البهادلي “لقد كانت فرصة جيدة لدراسة أديان مثل المسيحية واليهودية من مصادرها الأصلية التي قدمها لنا القساوسة. بالتأكيد، من الأفضل الحصول على المعلومات من مصادر مباشرة. لأول مرة، درسنا ديانات جديدة لا نعرف شيئًا عنها، مثل الأيزيدية والمندائية والبهائية والزرادشتية.”

وأضاف البهادلي إن الطلاب في الفصل حريصون على معرفة المزيد عن الديانات الأخرى. قال، “كانت هناك مناقشات مثمرة وثرية. كما أن طريقة التدريس تتيح لنا القيام بأبحاثنا الخاصة.”

بالنسبة لخبراء مثل جُندي، كانت هذه تجربته الأولى في التدريس.

قال “يستكشف معظم الطلاب أشياء جديدة كليّا ولديهم أسئلة كثيرة لا يمكن تغطيتها في وقت الفصول عبر الإنترنت. لذا، فإن المنهج سوف يساعدهم على الفهم بشكلٍ أفضل.”

يعتقد جندي أن التنسيق الإلكتروني للفصول الدراسية ربما أعاق انخراط الطلاب في نقاشات حادة بشأن الصور النمطية الموجودة لديهم. قال، “لكن المحاضرة نفسها ستعكس الكثير منها. كما أن طريقة التدريس لا تقوم على أساس تحدي الآخرين، بل تهدف لتعريف الآخرين بالدين.”

دعم حكومي

وعد حسن ناظم، وزير الثقافة والآثار العراقي الجديد وأحد مؤسسي المعهد، بدعم عمل المعهد.

قال ناظم، الذي يشغل أيضا كرسي اليونسكو لدراسات حوار الأديان في العالم الإسلامي في جامعة الكوفة، “إن إنشاء معهد لتدريس التنوع الديني في العراق خطوة مهمة، إذ أن الاهتمام بهذه المسألة أمر أساسي للغاية لأن العراق بلد متعدّد الأعراق والأديان والطوائف. لقد ساهمتُ في تأسيس هذا المعهد لتناول موضوع التنوع العراقي وتحويله من مشكلة إلى عامل بناء.”

“من شأن تدريس رجال الدين المسلمين عن الديانة الإيزيدية أن يحرّر عقول الأجيال الجديدة.”

خليل جندي  
مؤلف المنهج الدراسي الايزيدي

دعا ناظم الوزارات الأخرى ذات الصلة إلى التعاون مع المعهد. قال “سندعم، كوزارة الثقافة، المعهد. وندعو وزارة التربية والتعليم إلى التعاون في تطوير مناهج لتدريس التنوع في العراق. تُعتبر مشاركتهم مسألة أساسية.”

يعتقد سلّوم أن الجهل بالأديان والثقافات الأخرى يساهم في انتشار الصور النمطية عن الأقليات الدينية ويساعد على خلق بيئة مناسبة لوقوع التمييز الديني الذي يؤدي، في نهاية المطاف، إلى التطرف والعنف والإبادة الجماعية.

حفّز هذا الأمر سلّوم على العمل مع الآخرين لتزويد الطلاب بالمعرفة المتعلقة بالتنوع بطريقة تعزز الفهم والتعايش والتسامح الديني، وإيجاد مركز يلتقي فيه الطلاب والأكاديميّون ورجال الدين بانتظام مع أبناء الأديان الأخرى.

يعتقد البهادلي أن النقاش الديني قضية حساسة. قال، “بالطبع، يعتقد أي شخص متدين أن رأيه هو الصحيح. ومع ذلك، أبدى الطلاب حرصًا على التعلم. وكان معظمهم يبحث عن المُشتركات وسُبُل فهم الآخر.”

تحدي المؤسسات الرسمية

بتدريس الديانة البهائية، يتحدى المعهد الموقف السياسي في العالم العربي القاضي بعدم الاعتراف بهذه العقيدة. إذ لا يمكن للبهائيين الحصول على بطاقات هوية تظهر إيمانهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما ويحظر القانون العراقي رقم 105 لسنة 1970 جميع الأنشطة البهائية، ولم يقم دستور 2005 وحكومة ما بعد 2003 بفعل أي شيء لرفع هذا الظلم.

تشكّل اليهودية أيضا موضوعًا حساسًا. ألّف أفرايم كبّاي، الحاخام من أصل عراقي والمقيم في نيويورك، المنهاج اليهودي، لكنه لم يُدرّس هذا العام. شكّل اليهود ذات يوم ثلث سكان بغداد، لكنهم غير موجودون في المدينة اليوم.

“كانت فرصة جيدة لدراسة أديان مثل المسيحية واليهودية من مصادرها الأصلية التي قدمها لنا القساوسة. بالتأكيد، من الأفضل الحصول على المعلومات من مصادر مباشرة. لأول مرة، درسنا ديانات جديدة لا نعرف شيئًا عنها، مثل الأيزيدية والمندائية والبهائية والزرادشتية.”

الشيخ عامر البهادلي
 رجل دين شيعي وطالب في جامعة الإمام الكاظم للعلوم الإسلامية في بغداد

المعرفة هي التغيير

يعتقد البهادلي أن التغيير قد تحقق بالفعل.

قال “هناك بالتأكيد تغيير جذري. لقد كان هناك جهل تام ببعض الديانات وصور غير صحيحة عن أديان أخرى. الآن يتم استبدال الجهل بالمعرفة وأضحَت الصورة أكثر وضوحًا.”

على الرغم من التركيز على تدريس الطلاب المسلمين حول الأقليات الدينية، إلاّ أن بعض الأعضاء المؤسسين للمعهد من الأقليات يرون أنهم بحاجة أيضًا إلى فهم أفضل للأديان الأخرى غير ديانتهم، فضلاً عن الإسلام.

قالت نادية فاضل مغامس، مسؤولة شؤون الجندر في المعهد والمديرة السابقة لديوان أوقاف المندائيين في العراق، “حضرتُ الدورة الأولى للمعهد حول الأديان، بصفتي من أبناء إحدى الأقليات الدينية. حيث وجدتُ أنني لا أعرف الكثير عن معتقدات بقية الأقليات.”

قالت “لا يقتصر الجهل على أبناء الأغلبية المسلمة. اكتشفتُ فيما بعد رغبة مشتركة بين العديد من أفراد الأقليات غير المسلمة لمعرفة المزيد عن الإسلام أيضًا. في بعض الأحيان، نقوم بطرح أسئلة محرجة عما إذا كان الدين يدعم الإرهاب والعنف. أعتقد أن من شأن تغيير هذه الصورة النمطية عن الإسلام دعم التعايش السلمي.”

بناءً على ذلك، وافقت اللجنة العلمية بالمعهد على اقتراح مغامس بتضمين كتاب منهجي جديد عن الإسلام يستهدف الأقليات غير المسلمة.

يعتقد الشيخ البهادلي أن المعهد سيترك تأثيرًا على رجال الدين وطلاب المعاهد الدينية، وكذلك الجمهور الأوسع في السنوات القادمة.

قال “شخصيًا، كان لهذه التجربة تأثير روحي كبير عليّ. إنها تجربة قيمة ويجب دعمها للوصول إلى جمهور أوسع والمساعدة في التخلص من بعض الأحكام المسبقة والتعصّب المتجذّر بعمق.”

يعتقد جندي، الخبير الايزيدي، أن المعهد سيكون ذو تأثير عالمي أيضًا. قال”إنها طريقة للحفاظ على أديان قديمة تشكل جزءًا من التراث الإنساني غير المادي في العالم.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى