أخبار وتقارير

هل يطلق وباء فيروس كورونا شرارة إصلاح التعليم العالي العربي؟

تسبب التحول المفاجئ إلى التعليم الإلكتروني في تسريع بعض التغييرات التي يسعى إليها الأساتذة العرب منذ سنوات، بحيث باتوا يعتقدون الآن بإمكانية إصلاح التعليم العالي العربي على المدى القريب.

تقول يُسُر حفّاني، الأستاذة المشاركة لمادة علم الجينوم بجامعة منوبة، وهي مؤسسة حكومية تونسية كبيرة، “غيرنا عاداتنا. في وقت سابق، لم يكن الأساتذة يعملون عبر الإنترنت. الآن الجميع ملزم بذلك.” وأضافت “لا أرى أن [الاضطراب الذي تسبب فيه] الوباء سلبيًا.”

على مدى عقد من الزمان، واجه عدد قليل من دعاة التعليم الإلكتروني مقاومة شديدة. حتى أن ما يسمى بالجامعات المفتوحة اكتشفت أن عليها إمتلاك مبانٍ فعلية للفوز بحقها في منح طلابها درجات علمية معترف بها في الدول العربية. وبالمثل، قال منتقدو التعليم العربي لسنوات إنه اعتمد بشكل كبير على المحاضرات والحفظ، ولا يعتمد بما يكفي على المشاريع والمقالات القائمة على التفكير التحليلي والتي تُظهر أن بإمكان الطلاب تجميع ما تعلموه.

الآن، وبعد أن أُجبر الاضطراب الناجم عن المرض القائمين على التعليم بإجراء تطوير سريع في التعليم، وفي محاولة لمعرفة كيفية اختبار الطلاب دون القلق بشأن الغش، يبحث الأساتذة بشكل متكرر عن أدلة على أن في الإمكان استخدام المعرفة بدلاً من مجرد استرجاعها. (اقرأ التقرير ذاو الصلة: الامتحانات ومنع الغش: تحديات التحول نحو التعليم الإلكتروني).

في جميع أنحاء المنطقة، يقول القادة الأكاديميون ودعاة الإصلاح إن الإغلاق القسري للجامعات قد حفز الجهود لتطوير التدريس عبر الإنترنت. يقول عمر حنيش، نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية والطلاب في جامعة محمد الخامس في الرباط، أكبر مؤسسة تعليمية في المغرب، “قبل الوباء، كنا نرغب في تطوير التعليم عن بعد ولكن كانت هناك مقاومة دائمة من بعض المدرسين.”

وأضاف “لكن صدقوني – خلال هذين الشهرين من الوباء تمكنا من القيام بأكثر مما قمنا بفعله على مدى السنوات العشر الماضية.”

لماذا ندخل أنفسنا في إشكالية تطوير التعليم عبر الإنترنت؟ يقول بعض القادة الأكاديميين إنها توفر المرونة في مواجهة الكوارث المستقبلية، ويمكنها بذلك توصيل التعليم إلى الطلاب الذين لا يمتلكون الوقت الكافي للتنقل الطويل وصولا إلى الفصول الدراسية، ويمكنهم الاستفادة من أفضل المعلمين في المنطقة للوصول إلى السكان الشباب الذين يتزايدون بسرعة.

يعتقد علي الجيار، الأستاذ ورئيس ضمان الجودة في كلية الهندسة بجامعة بنغازي في ليبيا، إن النموذج “المختلط”، الذي يجمع بين التعليم الشخصي والتعليم عبر الإنترنت، يمثل مفتاح هذا التحول على المدى الطويل.

“غيرنا عاداتنا. في وقت سابق، لم يكن الأساتذة يعملون عبر الإنترنت. الآن الجميع ملزم بذلك.”

يُسُر حفّاني
 الأستاذة المشاركة لمادة علم الجينوم بجامعة منوبة

يمكن أن يُبعد هذ الإصلاح التدريس عن الأساليب التي تركز على الأستاذة، وهي أساليب شائعة في العديد من البلدان العربية، حيث يعتمد تعلم الطلاب في الغالب بشكل كبير على الجلوس كمستمعين بشكل سلبي في الفصول الدراسية أو في القاعات.

عوضًا عن ذلك، يمكن أن يجعل النهج الجديد، الذي يُشار إليه أحيانًا باسم “التعلم المعكوس”، الطلاب يتابعون المحاضرات في أوقات فراغهم عبر الإنترنت – من الناحية المثالية على الأنظمة الأساسية التي تدمج الموارد الداعمة الأخرى، مثل النصوص ومقاطع الفيديو والاختبارات التفاعلية. فيما يأتي الطلاب إلى الحرم الجامعي لحضور ورش العمل والندوات الصغيرة وفصول المختبر.

يعتقد الجيار أن حقيقة كون العديد من الجامعات في المنطقة ترى إنها ستعيد فتح أبوابها في البداية بدون فصول أو محاضرات كبيرة كإجراء احترازي ضد عودة فيروس كورونا سيزيد الضغط من أجل هذا النوع من الإصلاح. قال “التعلم النشط في الفصول الصغيرة، وتحت إشراف المعلمين، أكثر فعالية من التدريس التقليدي. إذا تعلم الطلاب شيئًا ما بأنفسهم، فلن ينسوه.”

ردّد هذا الرأي عدد من قادة التعليم العالي في المنطقة. إذ يقول إيهاب عبد الرحمن، عميد الجامعة الأميركية في القاهرة، إن الوباء يجعل أعضاء هيئة التدريس “يفكرون أكثر في الأصول التربوية للتدريس”، ويفكرون في اعتماد التعلم المختلط. “تتمثل الطريقة الأكثر فعالية في تقديم محاضرات عبر الإنترنت وقدوم الطلاب إلى الصف لإجراء مناقشات أكثر عمقًا حول الموضوعات. أعتقد أن الجامعات الحكومية سوف تستغرق وقتًا أطول، ولكن في النهاية سيتعيّن عليها القيام بذلك أيضًا.”

يعتقد عماد الدين شاهين، عميد كلية الدراسات الإسلامية والوكيل المؤقت لجامعة حمد بن خليفة في قطر، أن مؤسسته الخاصة بالدراسات العليا تعمل على تطوير دورات عبر الإنترنت لعدة سنوات وتعتزم استخدام نهج مختلط بشكل أكبر عندما يُعاد افتتاح الحرم الجامعي.

قال “نحن مضطرون للقيام بذلك الآن، ولكننا بحاجة جدية للتفكير في ما إذا كنا نريد في المستقبل القيام بذلك على نطاق أوسع”. من بين مزايا تطوير الدورات الجامعية عن بعد القدرة على تسجيل الطلاب خارج قطر. قال، “يمكننا الوصول إليهم عن طريق التعلم الرقمي.”

“التعلم النشط في الفصول الصغيرة، وتحت إشراف المعلمين، أكثر فعالية من التدريس التقليدي. إذا تعلم الطلاب شيئًا ما بأنفسهم، فلن ينسوه.”

علي الجيار
 الأستاذ ورئيس ضمان الجودة في كلية الهندسة بجامعة بنغازي في ليبيا

بدوره، يعتقد دومينيك ميتشيلز، أستاذ علوم الكمبيوتر والرياضيات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وهي مؤسسة خاصة بالدراسات العليا في المملكة العربية السعودية، أن توفير المزيد من التعليم عبر الإنترنت سيسهل استخدام الخبراء الأجانب دون الحاجة إلى سفرهم.

قال “أقوم أحيانًا بدعوة محاضرين من جامعات أخرى حول العالم. أرى أن [الاعتماد القسري على التعليم عبر الإنترنت] أكثر إيجابية من منظور الفرص التي أتاحها.”

يقول المدرسون أن تعزيز قدرة الجامعات على التدريس عبر الإنترنت يخلق مرونة أكبر في حالة حدوث اضطرابات طبيعية أو من صنع الإنسان في المستقبل. تتوقّع حفّاني من جامعة منوبة بتونس أن “فيروس [كورونا] سيبقى لفترة طويلة. قد يكون لدينا إغلاق مرة أخرى.”

في النهاية، يقول أباهر السقا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت، وهي مؤسسة فلسطينية رائدة، إن الإغلاق الحالي للمؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة يجبرها على التخطيط لاستثمارات أكبر في قدرتها على التدريس عبر الإنترنت، حيث أنها “تدفع الأساتذة الذين يتبنون مواقف تقليدية في التدريس للانفتاح على التقنيات الجديدة.”

قال “بالنسبة لمجتمع مُحتل مثل فلسطين، ومع وجود العديد من المشاكل في التنقل، مثل حظر التجول وحواجز الطرق، يعتبر هذا [التحوّل] أمرًا جيدًا.”

Countries

‫2 تعليقات

  1. بالفعل فيروس كورونا اطلق الشراره الاولي للتعليم عن بعد وبدون اي مقاومه بل ووجد استحسان وسباق بين الجميع في انشاء المنصات التعليميه ومواقع الكترونيه والسباق في تخويل المقررات الورقيه الي الكترونيه كما رغب البعض واضطر البعض الآخر للتدريس عن بعض خاصه لطلاب الجامعات وطلاب المرحله قبل الجامعيه (الثانوي و الاعدادي والثلاث او الاربع صفوف الاخيره من التعليم الابتدائي ماتعلمه الطلاب والمعلمون بسبب كورونا بالاضافه الي اولياء الامور لايمكن ان يتم في سنوات وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فرص نجاح ( التعليم الإلكتروني ) يعتمد بالأساس علي خطط وزارة التعليم ومدي استعدادها لدعم المعلمين والمؤسسات التعليمية، مع التطور الحاصل في الأجهزة الإلكترونية ( ايباد _ تابلت _ لاب توب _ موبايل) وتنوع المنتديات التعليمية ومواقع التواصل الإجتماعي وبراعة هذه الاجيال في إستخدام التكنولوجيا، فمن السهل استقطاب المتعلمين للتعلم بإستخدام ( التعليم الإلكتروني) ويبقي التحدي هو مدي قدرة المؤسسات التعليمية والمعلمين لإنجاح هذه العملية وابتكار سبل أنجع وطرق تقييم مناسبة للوصول بنتائج حقيقية للتعليم الإلكتروني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى