أخبار وتقارير

تحقيق استقصائي يكشف تلاعباً في الأموال المخصصة لتعليم اللاجئين في لبنان

لا يتوافق عدد الطلاب السوريين اللاجئين الملتحقين فعلياً بالمدارس الرسمية اللبنانية في الدوام المسائي مع العدد الذي تقدمه وزارة التربية للمانحين الدوليين بهدف الحصول على الدعم المالي، بحسب تحقيق استقصائي مصور نُشر الأسبوع الماضي.

وجه التقرير الذي حمل عنوان “مدارس من رمل” الاتهام للحكومات اللبنانية المتعاقبة بسرقة أموال المساعدات الخارجية المقدمة من الدول المانحة لتعليم اللاجئين السوريين في لبنان، مقدراً ذلك سنويًا بـ 9 ملايين دولار منذ العام 2014.

قال رياض قبيسي، الصحافي الاستقصائي معد التحقيق، “هناك زيادة وهمية تقدّر بما لا يقل عن 15 ألف طالب لاجئ سوري عن الأعداد الحقيقية الملتحقة بالدوام.”

بدء قبيسي تحقيقه بفرضية تقول أنّ هناك عددًا من المدارس الوهمية للاجئين السوريين في لبنان. لكنه اكتشف لاحقاً أنه لا تلاعب بعدد المدارس.

قال”لم تكن المدارس وهمية، كانت موجودة بالفعل. لكن عدد الطلاب هو الوهمي.”

حتى الأن، لم تعلق الحكومة اللبنانية  أو اي مؤسسة دولية مانحة على نتائج التقرير.

مدارس حقيقية، أرقام زائفة

عمل قبيسي على مستويين في إنجاز تحقيقه الأول ميداني والثاني يتعلق بالدراسات والتصريحات الرسمية وما تتضمنه من بيانات.

قال “لاحظت الفرق الكبير في الأرقام وأعداد الطلاب المسجلة المتناقضة، وصرتُ أسأل: لماذا لا نقوم بتعداد الطلاب يدويًا في كل مدارس؟” مشيراً إلى أنه رغم صعوبة المهمة، قام بعدّ الطلاب يديويًا مع فريقه، ورصد مداخل المدارس وأعداد باصاتها.

صور قبيسي وضع المدارس والواقع السيء لتعليم الطلاب اللاجئين، وتأكد أن هناك تضخيمًا بأعداد الطلاب بما لا يقل عن 15 ألف طلاب، كما أنّ هناك 11 ألف أستاذًا تعاقدوا مع الوزارة لتعليم الطلاب السوريين لا يحصلون على كامل المستحقات المخصصة لهم. إذ تدفع الوزارة أجور ساعاتهم التعليمية بالليرة اللبنانية وليس بالدولار الأميركي وبالتالي تقوم الحكومة بالإستفادة من الفرق الشاسع في سعر الصرف “ومن دون أن يعلم أحد أين يذهب فرق صرف العملة التي تقدر بمئات آلاف الدولارات.”

تقدم الدول المانحة، التي بدأت دعم الطلاب اللاجئين في لبنان من العام الدراسي 2014 – 2015، سنويًا لوزارة التربية اللبنانية 600 دولار أميركي عن كلّ طالب لاجئ يدرس في المرحلة المسائية، و363 دولارًا أميركياً عن كل طالب يدرس في المرحلة الصباحية.

قال قبيسي “حصلت الحكومة اللبنانية لغاية عام 2017 – 2018 على نحو مليار و800 مليون دولار أميركي لتعليم هؤلاء الطلاب اللاجئين.”

“لم تكن المدارس وهمية، كانت موجودة بالفعل. لكن عدد الطلاب هو الوهمي.”

رياض قبيسي
 صحافي استقصائي

ليس الاتهام الأول

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين للفرد الواحد، حيث تقدر الحكومة وجود 1.5 مليون لاجئ سوري. كما يستضيف 18,500 لاجئ إضافي من إثيوبيا والعراق والسودان ودول أخرى، بالإضافة إلى أكثر من 200,000 لاجئ فلسطيني خاضعين لولاية الأونروا. يعاني معظمهم من ظروف معيشية سيئة، زاد في حدتها منع الحكومة لهم من العمل، باستثناء قطاعات الزراعة والبناء والنظافة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: عمل اللاجئين في المنطقة العربية: معضلة لا تنتظر حلاً).

في شباط/فبراير 2016، تعهدت مجموعة من الدول (الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، النروج، اليابان، والاتحاد الأوروبي) في مؤتمر «دعم سوريا والمنطقة» والذي انعقد في لندن بتوفير 1.4 مليار دولار لتمويل التعليم داخل سوريا وفي البلدان المجاورة. واتفقت مع البلدان المُضيفة على حصول جميع الأطفال السوريين اللاجئين على «التعليم الجيد» بحلول نهاية العام الدراسي 2016/2017.

قدّر المؤتمر تكاليف البرنامج في لبنان بنحو 350 مليون دولار سنوياً على مدى خمس سنوات. لاحقا، قالت منظمة هيومن رايتس وتش في تقرير حمل اسم “تعقب المال: انعدام الشفافية في تمويل المانحين لتعليم اللاجئين السوريين” إن ملايين الدولارات من المساعدات التي تم التعهد بتقديمها للأطفال السوريين اللاجئين في المدارس في لبنان والأردن وتركيا لم تصل إليهم، أو وصلت متأخرة، أو لا يمكن تتبعها بسبب سوء ممارسات التوثيق. وكشف تقرير المنظمة في حينها عن تباين كبير بين المبالغ التي ذكرتها الأطراف المختلفة وتلك التي تم توثيق أنها قد وصلت أهدافها المقصودة في عام 2016. إذ نقل التقرير عن الأمم المتحدة أن لبنان تلقى عام 2016 مبلغ 253 مليون دولار في إطار خطة مُساعدات مُنسّقة من قبل الأمم المتحدة، ما يعني أن هناك «عجزاً» قدره 97 مليون دولار، فيما أفادت الجهات المانحة بأنها قدمت 223.4 مليون دولار لتمويل تعليم اللاجئين في لبنان. حاول تقرير المنظمة توثيق آليات مختلفة لتتبع المساعدات المقدمة للتعليم، لكنه قال إن معظم المعلومات العامة غامضة جدا أو غير واضحة لتتبع التمويل المقدم من جهة مانحة ما لمشاريع تعليمية في بلد مستضيف ما. كما لم يصل الكثير من تمويل التعليم الذي تم إرساله إلا بعد بداية العام الدراسي – متأخرا بذلك عن موعد تسجيل الأطفال الذين كان يهدف لمساعدتهم. في بعض الحالات، حسب المانحون الأموال التي تعهدوا بها مرتين.

حاول قبيسي الحصول على تعليق من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وطالبها بمراسلات متعددة بنشر تقارير التدقيق الخاصة بالأموال التي دفعتها الجهات المانحة لكن المفوضية رفضت بحجة أنها ليست متاحة للعموم. أما منظمة اليونسيف فقد كان ردها خلال مقابلتها لقبيسي  “أنّ الهدف كان بعدم بقاء هؤلاء الطلاب في الشارع، وأنّ أيّ شيء يقدّم لهم أهم من بقائهم الشارع.”

“هناك تفاوتًا كبيرًا يحصل كلّ عام بين أعداد الطلاب المسجلة في بداية العام الدراسي، والأعداد التي تحضر في الدوام التعليمي على مدار العام، وأنّ هناك طلابًا لم تكن تحضر إلا أثناء الامتحانات.”

معلمة لغة عربية  طلبت عدم ذكر اسمها

تعتقد أستاذة لغة عربية، تعاقدت مع وزارة التربية اللبنانية لتعليم الطلاب السوريين اللاجئين في الدوام المسائي منذ العام 2014 وطلبت عدم نشر اسمها، أنّ ماجاء في التقرير حقيقي. قالت “هناك تفاوتًا كبيرًا يحصل كلّ عام بين أعداد الطلاب المسجلة في بداية العام الدراسي، والأعداد التي تحضر في الدوام التعليمي على مدار العام، وأنّ هناك طلابًا لم تكن تحضر إلا أثناء الامتحانات.” مضيفة أنها أنّها لم تتقاضَ مع جميع الأساتذة في المدرسة التي تعلّم بها راتبها بشكل منتظم. إذ كان من المفترض أن يتقاضوا رواتبهم كلّ 3 أشهر، لكن الوزارة وإدارة المدرسة لم تلتزم بالدفع.

قالت “تخصص الجهات المانحة 30 دولار أميركي لكل أستاذ عن كلّ ساعة تعليم، بينما الوزراة كانت تدفع عن كلّ ساعة 18 ألف ليرة لبنانية، أيّ بما لا يتجاوز قيمة 16 دولارا أميركياً. كما أنّه غالبًا ما كان يحصل تناقض كبير بين عدد ساعات التعليم الفعلية وعدد الساعات التي تقوم الوزارة وإدارة المدارس بتسجيلها.”

حاولت الفنار للإعلام التواصل مع وزارة التربية اللبنانية للحصول على تعليق حول نتائج التحقيق، لكنها لم تتلق جواباً حتى الساعة.

قال قبيسي “أصبح موثقًا بالحد الأدنى أنّ هناك إدارة سيئة لبرامج تعليم الطلاب اللاجئين في لبنان، أدت إلى ضياع مئات مليارات الدولارات، لا أحد يمكن أن ينكر ذلك. لم يصدر أيّ رد من قبل المنظمات والجهات المانحة لليوم، ربما لديهم تحقيق داخلي من أجل تقديم إجابة منسجمة فيما بينهم.” موضحاً أنه لا يمكن “الجزم بالجهات المتورطة في ذلك لكن المسؤولية تقع على عاتق الجميع.”

Countries

تعليق واحد

  1. تحية طيبة
    هناك تزوير بأرقام التلاميذ وهناك اهمال للتعليم أيضاً.
    المدارس الرسمية ترفض استقبال أطفالنا صباحاً ثم توظف معلمين غير متخصصين أو بعض المعلمين الذين كانوا متواجدين أيضاً في الدوام الصباحي، مما يدفعهم لتضييع وقت التلاميذ والاستراحة في الصفوف، والنوم أحياناً، أو يستمعون إلى قصص التلاميذ الصغار ويسألونهم عن أسرار بيوتهم ليصنعوا منها قصصاً ممتعة لهم.
    والمصيبة الأكبر أن مدراء المدارس مهملين أو يتعاملون مع غالبية الأهل على أنهم رعاة بقر ولا يفهمون شيئاً.
    هذا أتحدث به عن تجربة شخصية مررت بها مع طفلي ذو الست سنوات.
    علماً أن خريج جامعي ومتخصص بالتعليم وزوجتي كذلك.
    اتمنى أن يتم توظيف معلمين من اللاجئين السوريين وبإدارة مشتركة من مديريات التربية في المناطق مع موظفين منظمة اليونسيف غير لبنانيين.
    لست أحمل حقداً تجاه أحد ولكني احترق عندما أشاهد أطفالنا مظلومين بنقص تعليمهم.
    كما أني مستعد لتقديم كل تعاون في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى