أخبار وتقارير

كوفيد-19 يضيق الخناق على جهود توفير فرص العمل في الشرق الأوسط

تشهد الجهود المبذولة لخلق فرص عمل للشباب ودعم رواد الأعمال في المنطقة العربية أوقاتًا أكثر صعوبة بسبب إجراءات الإغلاق التي فرضتها العديد من البلدان بهدف إبطاء انتشار فيروس كورونا المستجد.

إذ اضطرت البرامج العديدة التي وضعت في السنوات الأخيرة بهدف معالجة معدلات البطالة المرتفعة في المنطقة إلى الانتقال عبر الإنترنت، حيث تكافح الكثير منها من أجل المحافظة على فاعليتها. نوقشت الجهود المبذولة لدعم رواد الأعمال خلال الوباء الشهر الماضي في مؤتمر عبر الإنترنت، بعنوان إعادة بناء المستقبل، والذي عقدته منظمة سبارك، وهي منظمة هولندية غير حكومية تركز على خلق وظائف أفضل للشباب في الدول الهشة، بالتعاون مع الفنار للإعلام. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تسريع التعليم الإلكتروني: دروس أزمة وباء كورونا وما بعدها).

ومع ذلك، يحذر الخبراء من أنه وبينما تشق البلدان طريقها أخيرًا لإستعادة بعض مظاهر الحياة الطبيعية، فستظل مستويات البطالة مرتفعة بدون إصلاحات لجعل الاقتصادات أكثر ديناميكية، وأقل اعتمادًا على القطاع العام لتوفير الوظائف، وأكثر ودية مع إنشاء الشركات الخاصة.

حتى قبل تفشي جائحة فيروس كورونا، كان معدل البطالة في المنطقة العربية ضعف ما هو عليه في بقية أنحاء العالم. ففي عام 2019، كان معدل البطالة في المنطقة حوالي 10.3 في المئة، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ قدره 5.4 في المئة، بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية. وبلغت نسبة البطالة بين الشباب العام الماضي 26.4 بالمئة مقابل 13.6 بالمئة على الصعيد العالمي.

نتيجة لارتفاع نسبة الشباب بين السكان في العالم، كان معدل البطالة بين الشباب في المنطقة العربية الأعلى في العالم منذ أكثر من 25 عامًا.

في الوقت ذاته، تستمر حالات الإصابة بكوفيد-19، المرض الناجم عن فيروس كورونا، في الارتفاع حول العالم. وعلى صعيد الدول العربية، سجّلت المملكة العربية السعودية العدد الأعلى من الحالات المؤكدة، وتليها قطر والإمارات العربية المتحدة.

على صعيد المنطقة ككل، يعتقد الخبراء أن الآثار المشتركة لإجراءات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، وانكماش التجارة، والانخفاض الحاد في السياحة وانخفاض أسعار النفط تسبّبت في صرف العديد من الأشخاص من عملهم فيما غرقت المنطقة في ركود عميق.

صعوبة الانتقال إلى الإنترنت

اتسمت البرامج المُعدّة لتوفير التدريب الوظيفي أو الدعم لرواد الأعمال بكونها محدودة النطاق منذ البداية، كما تفاوتت درجة نجاحها في نقل برامجها عبر الإنترنت.

تدير هالة بوقعيقيص منظمة جسور للدراسات والتنمية، وهي منظمة غير حكومية ليبية تساعد النساء على إنشاء أعمال تجارية صغيرة، ولاسيما المشاريع المنزلية في مجالات مثل تقديم الطعام والأزياء وخدمات التجميل. (اقرأ التقرير ذو الصلة: المرأة الليبية تناضل للحصول على دور أكبر في إعادة بناء البلاد).

تعتقد بوقعيقيص أن محاولات جسور لنشر حاضنة للأعمال وبرامج التدريب على المهارات على الإنترنت قد قوضت بسبب الانقطاع المتكرر والطويل للتيار الكهربائي، حتى في العاصمة طرابلس، وبسبب افتقار معظم النساء، من المستفيدات من المنظمة، لمهارات التكنولوجيا الرقمية.

“عملية التعليم الخاصة بنا تعاونية، لذا قمنا بتوفير فرص على مدار اليوم حيث يمكننا أن نكون أناسًا سوية؛ نمزح معًا، ونتأمل معًا، ونلعب الألعاب، ونتشارك بخصوص أجزاء أخرى من حياتنا.”

ستيفن فيك  
المتحدث باسم أنيرا

تعاونت جسور مع سبارك، التي تركز على خلق فرص عمل للشباب في الدول الهشة، في تنظيم بعض الورش التدريبية للنساء. تعتبر سبارك أيضًا من بين أكبر مقدمي المنح الدراسية والتدريب على مهارات العمل للاجئين السوريين في الشرق الأوسط، إذ تقدم حاليًا منحًا دراسية لـ 1,300 شاب سوري في تركيا. مع إغلاق الفصول الدراسية، منحت سبارك الحاصلين على المنح الدراسية أموالًا إضافية لدفع ثمن الاتصال بالإنترنت حتى يتمكنوا من متابعة تعليمهم عبر الإنترنت.

بدورها تعتقد عُلا أنيس، مسؤولة المشروع التابع للمنظمة في غازي عنتاب، بتركيا، أن “ضعف اتصالات الإنترنت” ونقص أجهزة الكمبيوتر المحمولة تجعل من الصعب على الكثيرين متابعة دروسهم عبر الإنترنت. لذلك، قامت سبارك بتوزيع أجهزة كمبيوتر لوحية على المستفيدين من المنح الدراسية الأشد حاجة للمساعدة بهدف تحسين فرص وصولهم للتعليم.

جهود تدريب محلية

من المنظمات الأخرى الساعية لمساعدة الشباب في العثور على وظائف، منظمة ReBootKamp، ومقرها الأردن. توفر المنظمة برامج مكثفة مدتها خمسة أشهر لتدريب الشباب على برمجة الكمبيوتر.

في العام الماضي، اشتركت منظمة ReBootKamp مع أنيرا، وهي منظمة تنموية مقرها الولايات المتحدة، لتوسيع نطاق التدريب ليشمل الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. في نيسان/ أبريل، بدأت المنظمتان في تدريب مجموعة جديدة من الطلاب عبر الإنترنت.

قالت دنيس حبش حزبون، مديرة برنامج أنيرا، إنه بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر في غزة، فقد واجه البرنامج تحدي “بناء مجتمع” من 30 طالبًا يدرسون بمفردهم في منازلهم. سعى منظمو البرنامج لإيجاد طرق من شأنها جعلهم يشعرون بكونهم جزء من مجموعة.

وأضافت “عملية التعليم الخاصة بنا تعاونية، لذا قمنا بتوفير فرص على مدار اليوم حيث يمكننا أن نكون أناسًا سوية؛ نمزح معًا، ونتأمل معًا، ونلعب الألعاب، ونتشارك بخصوص أجزاء أخرى من حياتنا.”

تعمل مبادرة أخرى، باسم شرقي، ومقرها في عمّان، على مساعدة الحرفيين السوريين الذين فروا إلى الأردن كلاجئين لتسويق أواني القهوة النحاسية، وألعاب الطاولة، والألعاب المحشوة بالقطن، وغيرها من الحرف اليدوية عالية الجودة، ولاسيما إلى المملكة العربية السعودية وأوروبا.

يقول سليم النجار، المدير المؤسس للمؤسسة الاجتماعية الربحية، إنه مع إجبار معظم الحرفيين الآن على العمل من منازلهم وعدم قدرتهم على الالتقاء بالمصورين وصانعي الأغلقة ومقدمي خدمات الدعم الآخرين، تقوم الشركة بتدريبهم على أخذ صور عالية الجودة باستخدام الهواتف المحمولة للقطع الخاصة بهم، والقيام بتسويقها عبر الإنترنت، وتغليف سلعهم بشكل احترافي للشحن.

قال “إنهم بحاجة إلى الكثير من الدعم لمساعدتهم على التحول الرقمي.”

الحاجة إلى تغييرات أكبر

حسّنت هذه البرامج سبل عيش وحياة عدد من الناس ووفرت نموذجًا بديلاً لهدف العديد من الشباب في المنطقة – الحصول على وظيفة مستعجلة طوال الحياة مع إدارة عامة أو شركة عامة. لكن الاقتصاديين يقولون إن مثل هذه المشاريع لم تفعل الكثير لتغيير طبيعة اقتصادات المنطقة، التي يهيمن عليها القطاع العام ولا يُنظر إليها على أنها ديناميكية بما فيه الكفاية.

“نحن بحاجة إلى بيئة تمكينية لإنشاء المشاريع الصغيرة. نحن بحاجة لتشجيع الناس على عدم [للحصول على وظائف] فحسب والخروج وإنشاء مشاريعهم الخاصة.”الاعتماد على القطاع العام

هالة بوقعيقيص
 منظمة جسور للدراسات والتنمية

يقول الخبراء إأن القوانين واللوائح الصارمة تجعل من الصعب إنشاء وتشغيل الشركات الخاصة، فضلاً عن النظام المصرفي غير الملائم لأصحاب المشاريع الصغيرة، وعدم قيام أنظمة التعليم القديمة بالكثير لإعداد الخريجين لوظائف اليوم أو لريادة الأعمال. بالإضافة إلى ذلك، يقول الخبراء أن المحسوبية والفساد يمتصان طاقة اقتصادات المنطقة.

قالت فيديريكا ساليولا، الخبيرة الاقتصادية البارزة في الحماية الاجتماعية والممارسات العالمية للوظائف بالبنك الدولي، “يوفر القطاع الخاص 90 في المئة تقريبًا من الوظائف في العالم، وهذا ما تفتقر إليه المنطقة.” وتضيف أن معظم الشركات الكبرى في الشرق الأوسط مملوكة للدولة.

في عام 2018، كان متوسط ترتيب الدول العربية في مسح البنك الدولي لممارسة أنشطة الأعمال 115 من أصل 190 اقتصادا من حيث سهولة فتح وتشغيل الأعمال التجارية. كما تم تصنيف الإمارات العربية المتحدة فقط من بين أفضل 50 دولة.

كان لانعدام آفاق عمل الشباب قوة دافعة ولّدت انتفاضات الربيع العربي عام 2011. يقول طارق حق، كبير أخصائي التوظيف في المنطقة العربية لدى منظمة العمل الدولية، أن الوضع لا يزال مصدر قلق رئيسي. قال، “الشباب من دون وظائف مصدر لانعدام الاستقرار.”

عقبات أمام خلق فرص العمل

لطالما تأمّل خبراء التنمية أن تؤدي زيادة مستويات التعليم في البلدان إلى زيادة نسب التوظيف. ولكن مع ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم العالي، ظلت مستويات البطالة مرتفعة بشكلٍ مزمن.

كما هو الحال في جميع أرجاء المنطقة، يواجه أصحاب الأعمال المحتملون العديد من الحواجز. وجد مسح أجرته جسور شمل 250 من سيدات الأعمال الصغيرة أن 90 في المئة منهن يعملن بشكل غير رسمي. قالت بوقعيقيص “هذا ليس جيدًا. لا تتوفّر لهنّ إمكانية الحصول على قروض ولم يكن لدى موظفاتهن ضمان اجتماعي أو حماية قانونية أخرى.”

قالت بوقعيقيص “نحن بحاجة إلى بيئة تمكينية لإنشاء المشاريع الصغيرة. نحن بحاجة لتشجيع الناس على عدم الاعتماد على القطاع العام [للحصول على وظائف] فحسب والخروج وإنشاء مشاريعهم الخاصة.”

في الواقع، يبدو أن الخبراء يشعرون على نحوٍ متزايد أنه وبينما تلعب برامج التدريب على المهارات ومساعدة أصحاب المشاريع الصغيرة دورًا قيمًا، إلا أن لدورها حدود معيّنة. قالت ساليولا “بموازاة ذلك، نحن بحاجة إلى معالجة القضايا الكبرى. ما لم نعالج المشاكل التي تحول دون تحقيق ديناميكية الاقتصاد، ستكون هذه المبادرات دائمًا بمثابة نقطة في بحر.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى