أخبار وتقارير

وباء كوفيد-19 يغير خطط الباحثين العرب

أعاد العديد من الباحثين العرب توظيف خبراتهم في مجالات متنوعة مثل تكنولوجيا النانو، وتلوث الهواء، والصحة العقلية للتركيز على جائحة فيروس كورونا. كما استخدم الكثيرون “وقت الإغلاق” لمتابعة المهام الإدارية، وكتابة مقالات باستخدام البيانات المتوفرة لديهم، وبدأوا بوضع خطط لإعادة فتح مختبراتهم.

اضطر العديد من مرافق البحث إلى إغلاق أبوابها بموجب إجراءات الإغلاق في العديد من البلدان، مما يعني أن الباحثين، وكذلك العديد من الموظفين في المكاتب، لم يتمكنوا من الدخول إلى أماكن عملهم.

لكن العديد من الأكاديميين أطلقوا مشاريع جديدة من المنزل لتطبيق خبرتهم في التعامل مع كوفيد-19، المرض الناجم عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد، وقياس طرق تأثيره على الحياة اليومية.

قالت سوسو زقير، الأستاذة المساعدة في علم الأحياء الدقيقة والمناعة بجامعة قطر، “من دواعي سروري رؤية عدد العلماء الذين انضموا لجهودنا في معرفة كيف يمكنهم المساعدة.” وأضافت لا يتوجّب على الباحثين أن يكونوا خبراء في الطب لكي يكون لديهم ما يساهمون به في هذه الأوقات. جهود الجميع نعمة خفية للخروج من أزمة كوفيد-19.”

تغيّر في جوّ بيروت

في لبنان، تدرس نجاة صليبا، أستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، قضية التلوث الحضري على مستوى المنطقة (اقرأ التقرير ذو الصلة: باحثون يحاولون معالجة مشكلة تلوث الهواء في العالم العربي). في الواقع، استغلّت إجراءات الإغلاق للقيام بالمهام الإدارية لكنها أدركت لاحقا أن الفيروس لن يتم القضاء عليه بسرعة.

قالت “تباطأ العمل في المختبر في البداية ثم توقف تمامًا خلال الذروة. ومع ذلك، استمر عملنا المكتبي حيث قمنا بتكثيف تحليل نتائج المختبر ومراجعات الأوراق البحثية والكتابات.”

لم تكن صليبا لوحدها في ذلك، حيث تقول جمانة صالح، أستاذة الكيمياء الحيوية في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عُمان، “كنتُ أقوم بجمع بيانات حالت مشاغلي الكثيرة والدائمة دون العمل عليها. إنها فرصة عظيمة للجلوس وتحليل البيانات وكتابة المخطوطات.” لكن بعض المحررين ردوا عليها قائلين إنهم غارقون في الطلبات. أضافت “العديد من المجلات العلمية غارقة بكمٍ كبير من مسودّات الأبحاث المرسلة إليهم خلال هذه الأزمة، لذلك أنا لست وحيدة في ذلك.”

في بيروت، كانت صليبا تقرأ تقارير عن تحسن جودة الهواء حول العالم نتيجة لتراجع النشاط الصناعي وحركة المرور على الطرق، وسرعان ما بدأت في فحص هذا الاتجاه في لبنان باستخدام صور الأقمار الصناعية فضلاً عن مؤشرات جودة الهواء الأخرى.

قالت “لا يزال البحث مستمرًا، ولكن بناءًا على تفسيرنا للوضع في لبنان، لم يكن الانخفاض حادًا كما كان في دول أخرى بسبب الاستخدام المكثف لمولدات الديزل، والتي يُقدر أنها تساهم بنسبة تصل إلى 40 بالمائة من تلوث الهواء في البلاد.”

بالإضافة إلى ذلك، تخلّلت فترة الإغلاق عدة أيام من هبوب رياح قادمة من الصحراء العربية جالبة معها الرمال والجسيمات الدقيقة الأخرى إلى لبنان – مما أدى إلى تراجع جودة الهواء وجعل من الصعب بمكان تحديد الآثار الجانبية المفيدة للحظر على مستويات التلوث.

“تباطأ العمل في المختبر في البداية ثم توقف تمامًا خلال الذروة. ومع ذلك، استمر عملنا المكتبي حيث قمنا بتكثيف تحليل نتائج المختبر ومراجعات الأوراق البحثية والكتابات.”

نجاة صليبا  
ستاذة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت

قالت صليبا “الإجابة ليست واضحة، لكن بالطبع تحسن مجال الرؤية بشكل كبير، وساهم غياب السيارات التام عن الشوارع بشكل كبير في الحد من تلوث الهواء في سماء بيروت.”

“الميكروبايوم” وفيروس كورونا 

يترأس وليد الزيود قسم الهندسة الطبية الحيوية في الجامعة الألمانية الأردنية، التي تقع على مشارف عمّان مباشرة. قبل الوباء، أجرى الزيود أبحاثه في المادة الوراثية للفيروسات والفطريات والبكتيريا التي تعيش داخل جسم الإنسان، والمعروفة مجتمعة باسم الميكروبايوم أو البكتريا النافعة. قال “كان بحثي يهدف إلى وصف الميكروبايوم لدى السكان الأردنيين لفهم دوره في المناعة والتغذية”. ومع ذلك، ومع تفشي فيروس كورونا واندفاع العالم لتأمين إمدادات أدوات الاختبار، طور الزيود اختبارًا جديدًا أسرع في العمل وأرخص في الإنتاج. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الأردن يطوّر اختبارًا سريعًا للكشف عن فيروس كورونا).

بمجرد أن ينقشع الغبار، يخطط الزيود للعودة إلى الميكروبايوم، ولكنه سيواصل شمول فيروس كورونا في أبحاثه. قال “هناك صلة بين دراسات الميكروبايوم ودراسات كوفيد-19”. وينوي النظر في كيفية تأثير الفيروس على الميكروبايوم.

في مصر، خصصت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمؤسسات العاملة معها ما يقرب من 70 مليون جنيه مصري (4.4 مليون دولار) لإيجاد سبل للحد من آثار الوباء. قال محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، “لدى الأكاديمية خريطة بحثية قائمة، لكننا في حالة استثنائية تتطلب تخصيص جزء من التمويل وتوجيهه لأغراض بحثية تخدم الوضع الراهن.”

يعمل محمد سلامة، الأستاذ المساعد في معهد الصحة العالمية والبيئة البشرية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، على دراسة علمية طولية لـ 50,000 مصري على مدى 10 سنوات. يراقب وزملاؤه عينات أنسجة المشاركين في الدراسة بهدف دراسة الشيخوخة، والتغيرات في صحة السكان، ومتوسط العمر المتوقع، وكيفية خدمة المشاركين في النظام الصحي للدولة.

مع اتخاذ الاحتياطات، يمكن لسلامة الوصول إلى مختبرات الحرم الجامعي لكنه يواجه صعوبة في الحصول على عينات من المرضى، حيث أن الأطباء والمستشفيات التي تساهم في توفيرها عادةً يواجهون ضغط الوباء والمرضى أنفسهم قلقون من أي اتصال غير ضروري.

التدريب والاختبار في الدوحة

قبل أزمة كوفيد-19، كانت زقير في قطر تدرس استخدام تقنية النانو لفحص بكتيريا معينة في المرضى بعد خضوعهم للجراحة. يهدف المشروع إلى الكشف عن العدوى في وقت مبكر، بينما لا تزال أعداد الكائنات المسبّبة للمرض صغيرة. تتطلب الطرق التقليدية إرسال عينة من الأنسجة إلى المختبر، حيث يجب زراعة البكتيريا واختبارها. قالت “ربما يستغرق ذلك يومين إلى 13 يومًا. لا ينتظر هذا المستشعر نمو البكتيريا.”

أجرت زقير دراسة “إثبات المفهوم” لاختبار قائم على تقنية النانو، ولكن تم تأجيل البحث. قالت “إغلاق المعمل ليس بالأمر السهل. كان علينا أن نناقش أيّ العينات يجب حفظها في الفريزر وما يجب التخلص منها. يستغرق إغلاق المختبر يومين.”

من منزلها، قررت زقير كتابة مسودّات لتحليل النتائج التي جُمعت مسبقًا. قالت، “لكن سرعان ما بدأ عدد حالات كوفيد-19 في الارتفاع في قطر. تطوع أكاديميون مثلي لإجراء دورات تدريبية عبر الإنترنت مع متطوعين من عامة الناس ممّن يساعدون الأشخاص الأكثر ضعفًا المعزولين في منازلهم.”

“لدى الأكاديمية خريطة بحثية قائمة، لكننا في حالة استثنائية تتطلب تخصيص جزء من التمويل وتوجيهه لأغراض بحثية تخدم الوضع الراهن.”

محمود صقر
 رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا

تعمل زقير أيضًا على تنسيق البحوث المتعلقة بكوفيد-19، بناءً على قدرة جامعة قطر على إجراء اختبارات الأجسام المضادة، والتي تشير إلى ما إذا كان الشخص قد أصيب سابقًا بالفيروس. قالت، “في بداية تفشي وباء كوفيد-19 كانت هناك مشكلة في التشخيص. بدأ العديد من العلماء، ولستُ أنا فقط، في توجيه بحوثنا نحو بناء القدرات لتوفير الاختبار.” وأضافت أن حكومة الدوحة زادت منذ ذلك الحين من قدرتها على الاختبار بما فيه الكفاية، لكن الجامعة تريد إبقاء مختبراتها نشطة كعامل احتياطي لوزارة الصحة.

ليست زقير الوحيدة التي أعادت توظيف مهَاراتها البحثية. قبل الوباء، كان حسن شامي، الأستاذ المساعد في الطب الباطني في الجامعة الأميركية في بيروت، يجري دراسة حول الآثار الصحية لتدخين الشيشة والتغيرات في رئتي المدخنين التي تجعلهم عرضة للإصابة بالسرطان.

قال ” حولنا تركيزنا في آذار/ مارس عندما بدأنا تسجيل حالات (كوفيد-19) في لبنان.” يبحث شامي الآن في الاختلافات بين معدلات انتقال كوفيد-19 في أجنحة العناية المركزة وأجنحة المستشفيات العادية، لتسليط الضوء على المجالات المحتملة للتحسين.

تخفيف عمليات الإغلاق

في أجزاء كثيرة من العالم العربي، بدأت إجراءات الإغلاق في التراجع. بدأ الباحثون في النظر في إعادة تشغيل مشاريعهم المُستأنفة. قالت صالح من عُمان، “اعتبارًا من هذا الأسبوع، يُسمح لنا باستئناف مهامنا مع الالتزام بقواعد السلامة. هناك عقوبات لعدم ارتداء الأقنعة.”

لسوء الحظ بالنسبة للعديد من المشاريع البحثية القائمة على المختبر، لا يمثل الأمر مجرد حالة عودة إلى العمل واستعادة المكان الذي توقفوا فيه. يمكن أن يستغرق استزراع الأنواع الصحيحة من البكتيريا والعينات البيولوجية الأخرى وقتًا طويلاً – سيتوجب إضاعة قدر معين من الوقت على إعادة فعل ما تم تدميره في عملية إغلاق المعامل.

قالت زقير “نحن على أهبة الاستعداد لإعادة الفتح بمجرد حصولنا على الضوء الأخضر. سيستغرق الأمر على الأرجح أسبوعين تقريبًا لتخطي العملية والحصول على نمو الخلايا وإعادة الوصول إلى مكان يمكننا فيه الإستمرار بسير العمل.”

لكن القلق ينتابها من فكرة أنه، وبمجرد تمكنها من تشغيل المختبر، قد يتم وقفه مرة أخرى بحلول العطلة الصيفية عندما يفر الطلاب وعمّال المختبرات من حرارة الجو في قطر. قالت “يتطلب العمل زخما وهناك سؤال عن مدى السرعة التي يمكننا بها استعادة ذلك خلال العطلة الصيفية. سيتواجد قلة قليلة من الناس هنا بحلول ذلك الوقت.”

ساهم  طارق عبد الجليل في إعداد هذا التقرير.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى