مقالات رأي

كاتب سعودي يسلط الضوء على تاريخ السود المهمل في الخليج

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

تركز الرواية السعودية ميمونة على قصص نادراً ما يتم تناولها في الأدب المعاصر. إذ وصفت الدكتورة والشاعرة منى كريم الكتاب، المنشور في عام 2001، بأنه “أهم عمل أدبي معاصر عن الأفارقة المستعبدين في الخليج العربي. وبذات القدر من الأهمية، أن العمل مكتوب من قبل كاتب أسود: محمود تراوري.”

يشكل السعوديون السود مجتمعًا كبيراً، حيث أن نسبة 10 في المئة من سكان المملكة العربية السعودية من أصول أفريقية، ويعيش معظم السعوديين السود في الجزء الغربي من البلاد، حول مكة. مع ذلك، كان هناك عدد قليل من الكتب التي تركز على قصص وتاريخ السعوديين السود.

في السنوات التي تلت نشر ميمونة، أصبحت الرواية تماثل ظاهرة عقائدية. إذ طُبعت الرواية لأول مرة في الشارقة، ومن ثم في القاهرة وبيروت، ولم تظهر بعد نسخة سعودية مع ذلك. كتب طاهر الزهراني، أحد المعجبين السعوديين بالرواية، على موقع GoodReads في عام 2009 أن عملية العثور على نسخة مطبوعة في السعودية كانت مرهقة، ” لا أدري ما سبب ذلك! لكن بطريقة أو بأخرى حصلت على الرواية من مكتبة في الرياض متخصصة في بيع الكتب الخارجة عن القانون. ولا أدري ما إذا كانت رواية ميمونة من ضمنها؟”

قال تراوري، في رسالة بالبريد الإلكتروني إن كتابه ليس محظورًا، لكن هذا التوزيع يتطلب تصريحًا من وزارة الإعلام، و “أنا لا أجيد فعل هذه الأشياء”. وأوضح أنه لا يزال يتلقى طلبات الحصول على نسخ من ميمونة الآن، بعد حوالي 20 سنة على نشرها. في الآونة الأخيرة، يطلب تراوري من الأصدقاء الذين يسافرون إلى الخارج جلب بعض النسخ معهم في حقائبهم.

‘أردت أن أكون مثلهم’

بدأ تراوري مسيرته في الكتابة في سن مبكرة عندما كان في الثانية عشرة من عمره عن طريق إرسال التعليقات إلى الصحف والمجلات المحلية. نشأ الكاتب في مكة، حيث يتذكر رؤية صور بعض الأشخاص المحليين في الصحيفة، إلى جانب أعمدتهم. وكان يسعد بشكل خاص لرؤية صورة الناقد والمترجم السعودي البارز فايز بن محمود أبا في الصحيفة. قال “ربما في اللاوعي، أردت أن أكون مثلهم.”

في الخامسة عشرة من عمره بدأ بالعمل في صحيفة الندوة في مكّة. على الرغم من كتابة رسائل لوالده، إلا أن عائلته لم تكن على علم بمهنته المزدهرة، لكنهم اكتشفوا ذلك عندما انتقد مدربًا رياضيًا محليًا في الصحيفة، وجاء الناس إلى والديه للشكوى. لحسن الحظ، حظي بدعم أسرته.

طوال طفولته، كان تراوري قارئًا متعطشًا للأدب الكلاسيكي والمعاصر. في منتصف الثمانينيات، عندما كان مراهقًا، بدأ في كتابة قصصه القصيرة ونصوصه المسرحية. في عام 1998، ومع إطلاق قناة اقرأ الفضائية، بدأ الكتابة للتلفزيون.

لكنه، كما يقول “كان مهووسًا بالرواية”، التي طغت بشكل كبير على المشهد الإبداعي السعودي في الثمانينيات والتسعينيات. عندما كان شابًا، كان مراقبًا شديدًا لما يسميه بـ “نهضة الرواية التالية” في مطلع التسعينات. وقد كان ذلك هو الوقت الذي بدأت تظهر فيه كتب رئيسية مثل رجاء عالم وغازي القصيبي وتركي الحمد وعبده خال في الصحف.

كتابة تاريخٍ مهمل

لكن، وبينما كانت البيئة مثيرة للروائيين السعوديين، وجد تراوري أيضًا “مناخات تعج بالإقصاء والتمييز البغيض الذي أخذ يستشري في واقعنا في الثلاثة عقود الأخيرة بشكل مريع ومؤلم، يتنافى وأبسط القيم الإنسانية، فما بالك بالمبادئ الدينية التي دعت إلى المساواة بين كل البشر دون تمييز.”

“كتبتُ الفصل الأول، ثم توقفت حين وجدت أن العمل شائك، وضخم في ابعاده فيما يتصل بالتاريخ. فعدت أبحث، أراجع معظم ما كتب في تاريخ المنطقة، واستقيت معلومات شفهية من كبار السن، وتعاظمت الأسئلة في خاطري.”

في عام 1996، اتخذ تراوري قرارًا بكتابة رواية عن حياة المهاجرين الأفارقة في المملكة العربية السعودية، وسرعان ما أدرك مدى التحدي الكبير الذي سيكون عليه مواجهته.

قال “كتبتُ الفصل الأول، ثم توقفت حين وجدت أن العمل شائك، وضخم في أبعاده فيما يتصل بالتاريخ. فعدت أبحث، أراجع معظم ما كتب في تاريخ المنطقة، واستقيت معلومات شفهية من كبار السن، وتعاظمت الأسئلة في فكري.”

أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص

خلال بحثه، كشف تراوري عن التاريخ العميق للشعوب الأفريقية في شبه الجزيرة العربية ومحيطها، التي أصبحت، كما قال “مكونًا أساسيًا في مجتمع الحجاز”، لكنه أضاف أن قصص معظم المسلمين الأفارقة اختفت من تاريخ الخليج.

في السنوات الأخيرة، ظهرت العبودية كموضوع في العديد من الأعمال الأدبية الخليجية، بما في ذلك رواية “سيدات القمر” لجوخة الحارثي، التي فازت بجائزة مان بوكر الدولية عام 2019 بترجمة مارلين بوث. لاحظت منى كريم أن معظم هذه الروايات يتم وضعها في المقام الأول بعد انتهاء العبودية، لكن رواية تراوري تركز على حياة الشخصيات المستعبدة. إذ يتتبع أحد خطوط القصة المركزية شخصية، عمر المسك، الذي تم اختطافه واستعباده.

تمتلك الشخصيات في رواية ميمونة – مثل العديد من السعوديين السود – جذوراً من غرب أفريقيا. إذ جاء العديد من السعوديين السود من المجتمعات الإسلامية في تشاد وبوركينا فاسو وغامبيا ومالي والسنغال وشمال نيجيريا. وكما هو حال شخصيات ميمونة، فر الكثيرون من الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر واتجهوا إلى مكة، حيث كانوا يأملون في العثور على مكان آمن للعيش وممارسة دينهم.

بحسب المؤرخ جوناثان ميران، فقد نمت مشاركة سكان غرب أفريقيا في مواسم الحج إلى مكة بشكل كبير خلال النصف الأول من القرن العشرين. ومع ذلك، فقد كانت رحلات الحج تلك محفوفة بالمخاطر، حيث لم يتم حظر الاسترقاق في المملكة العربية السعودية حتى العام 1962. لا بد أن العديد من الحجاج، مثل شخصية عمر المسك الخيالية، قد تعرضوا للخطف والاستعباد.”

“إطلالة جديدة”

أنهى تراوي كتابة رواية “ميمونة” عام 2000 وأرسلها إلى جائزة الشارقة للإبداع العربي، حيث فازت بجائزة عام 2001. وقد نُشرت هناك عام 2001، تلتها عدة طبعات في القاهرة وبيروت. لم تحدث الجائزة الأدبية تغييرًا كبيرًا في حياة تراوي كصحفي وكاتب. قال “لكنني أذكر أنني بمبلغ الجائزة سدّدتُ إيجار سكني في وقتها.”

غضب بعض القراء السعوديين من تصوير الرواية لتاجر سعودي يُتاجر بالرقيق. يقول تراوري إن القراء الآخرين دهشوا لاكتشاف تاريخ لم يعرفوه.

لقد مر وقت طويل قبل أن ينشر تراوري روايته التالية، وهي امتداد لعالم ميمونة يركز على مخرج يذهب إلى السنغال لإنتاج فيلم عن العبودية. قال “لم أتوقف عن كتابة الرواية لكنني ممّن يتأنى في الكتابة، وأؤمن تمامًا بأن غزارة الإنتاج ليست مقياسا، المهم هو الجودة، والمحتوى.”

فالفن، بحسب تراوري هو “ما يجعلنا قادرين على أن نطرح أسئلتنا بكل حمولاتها، وأن نسهم في صياغة أغنية، ولو صغيرة، تقاوم القبح الذي أشرت إليه آنفا.”

الآن، في العام 2020، يقول تراوري أن الكثير من مجتمعه الأدبي متصل بالإنترنت. لم يشعر بأنه متأثر بشكل خاص بعمليات الإغلاق التي تهدف إلى إبطاء انتشار كوفيد-19، حيث أنه إلى حد كبير وحيد ولا يغادر المنزل إلا في بعض الأحيان.

مع ذلك، يقول أنه يتخيل أن آثار الإغلاق يتم تخزينها في الداخل، وأن آثاره ستكون محسوسة في وقت لاحق. قال “سيخرج ذلك على شكل كتابة يوماً ما، بعد استيعاب عميق لهذا الحدث الكوني الهائل، الذي لم تنته تداعياته وفصوله بعد.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى