أخبار وتقارير

أزمات متلاحقة تجعل تعليم اللاجئين “ترفاً”

تضطر أسر اللاجئين في الأردن ولبنان ودول أخرى في العالم العربي بشكل متزايد إلى اتخاذ خيار صعب حيال مستقبل أطفالها بسبب وباء كوفيد-19: التعليم أو البقاء على قيد الحياة.

يعود ذلك لكون هؤلاء النازحين السوريين والعراقيين وغيرهم معرضون بشكل خاص للاستبعاد من سوق العمل الرسمي وشبكات الضمان الاجتماعي والمساعدات الدولية بسبب الآثار الاقتصادية والسياسية واللوجستية للوباء، بحسب ما جاء في تقرير نُشر حديثًا.

يوضح التقرير المعنون “معزول ومُستبعد: تأثير كوفيد-19 على الإدماج الاقتصادي للاجئين”، الصادر عن منظمة اللاجئين الدولية ولجنة الإنقاذ الدولية ومركز التنمية العالمية، كيف أن هذا الاستبعاد الاقتصادي غالبًا ما يكون نتيجة الحواجز القانونية والعملية التي واجهها اللاجئون قبل الوباء، والتي تؤدي الآن إلى تفاقم وضعهم في مواجهة التضخم المتصاعد وانخفاض العمالة في البلدان المضيفة.

يشير التقرير إلى أن الانكماش الاقتصادي يضرب الدول المضيفة مثل لبنان والأردن وتركيا بشكل خاص – فضلا عن أولئك الذين لجأوا إليها.

نتيجة لذلك، أصبح التعليم على نحوٍ متزايد بمثابة رفاهية لا يستطيع الكثير تحمل تكاليفها.

قالت مارثا غيريرو بلي، من منظمة اللاجئين الدولية والمؤلفة المشاركة في كتابة التقرير، الذي صدر في 8 تموز/ يوليو، “يعطي أولياء الأمور الأولوية للاحتياجات الأساسية ويكافحون في سبيل تلبيتها بسبب تقلص فرصهم في كسب العيش.”

وأضافت “شاهدنا أولياء أمور يرسلون أبنائهم للعمل بدلاً من الدراسة لأنهم لا يكسبون ما يكفي ويحتاجون إلى دعمهم ليتمكنوا من دفع الفواتير لتغطية الاحتياجات الأساسية. ففي الوقت الذي يكافح فيه أولياء الأمور للحفاظ على وظائفهم، والحصول على المساعدة والقدرة على تحمل الأزمة فحسب، نتوقع إزدياد بعض آليات التكيف السلبية مثل عمالة الأطفال. وسوف يؤثر ذلك على قدرة (الأطفال) على الوصول إلى التعليم.”

بدأ تأثير هذا الوضع في الظهور على عائلة خالد حسين. قبل سبع سنوات، فرّ حسين، أستاذ مدرسة سابق والبالغ من العمر 42 عامًا، من منزله في حماة، غرب سوريا، ليستقر في لبنان مع أطفاله الثلاثة. مؤخراً، ازدادت معاناته المالية مع توقف عمله غير النظامي كحارس لمخازن في طرابلس بسبب عمليات الإغلاق الناجمة عن وباء كوفيد-19، بالتزامن مع الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية.

قال حسين للفنار للإعلام “لم تكن حياتنا جيدة قبل تفشي وباء فيروس كورونا، لكنها الآن أسوأ. كل شيء أغلى بعشر مرات.” وأضاف “لن يعود أطفالي إلى المدرسة بعد الآن. في البداية، حاولت تعليمهم في المنزل ولكن بعد أسابيع قليلة، توقفت عندما أصبحتُ مرهقًا للغاية. لا أعرف ماذا أفعل، أحتاج إلى المال لإطعامهم أولاً، ومن ثم سيكون في إمكاني تعليمهم.”

من سيء إلى أسوأ

يذكر التقرير أن لبنان و15 دولة غير خليجية أخرى في الجامعة العربية – البالغ عدد الدول الأعضاء فيها 22 دولة – والتي تعتبر من الدول “منخفضة ومتوسطة الدخل” تستضيف أكثر من 9 ملايين لاجئ. في الوقت ذاته، يحتل لبنان والأردن المرتبة الأولى في “الدول المضيفة الرئيسية” من بين العشرة الأوائل، إلى جانب تركيا – التي تستضيف حوالي 4 ملايين لاجئ.

“لم تكن حياتنا جيدة قبل تفشي وباء فيروس كورونا، لكنها الآن أسوأ. كل شيء أغلى بعشر مرات.”

خالد حسين
 لاجئ سوري في لبنان

كانت العديد من الدول المضيفة تكافح بالفعل لاستيعاب اللاجئين قبل الوباء. إذ يعاني لبنان، الذي يستضيف ما يقرُب من 1.4 مليون لاجئ، من حالة من الانهيار الاقتصادي منذ العام الماضي، وشهد مؤخراً انهيار عملته. ويشير التقرير إلى أن من المتوقع أن ينكمش اقتصاد لبنان بنسبة 12 بالمئة في عام 2020.

من المتوقع أن يشهد اقتصاد الأردن، الذي يستضيف ما يقرب من 3 ملايين لاجئ، انكماشاً بنسبة 4 بالمئة تقريبًا.

في هذه البلدان، يعمل معظم اللاجئين من أمثال حسين في قطاعات يراها التقرير “شديدة التأثر” بالوباء. في تركيا، يعمل 74 في المئة من اللاجئين في هذه القطاعات، والتي تشمل التصنيع (ومعظمهم في قطاع المنسوجات)، وتجارة التجزئة والخدمات، بحسب التقرير. في لبنان والأردن، يعمل أكثر من نصف اللاجئين في مثل هذه القطاعات.

غالبًا ما يكون ذلك نتيجة للقوانين التقييدية التي تدفع اللاجئين للعمل في صناعات محددة، بحسب تقرير صدر حديثًا عن منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان “أريد الاستمرار في الدراسة: عوائق التعليم الثانوي للأطفال السوريين اللاجئين في الأردن”.

على سبيل المثال، حدّد الأردن، وهو من أوائل الدول التي نفذت إصلاحات لتوسيع فرص عمل اللاجئين، 37 قطاعًا للتوظيف على اعتبارها محظورة تمامًا على الرعايا الأجانب وحدد حصصًا لما يسمى بالحقول المفتوحة. ونتيجة لذلك، يعمل اللاجئون بشكل رئيسي في مجالات التصنيع والزراعة والضيافة. كما أفاد تقرير هيومن رايتس ووتش أن الحكومة أصدرت حوالي 50 ألف تصريح عمل نشط فقط حتى العام 2018، أي أقل بعشرات الآلاف مما قالت إنها تعتزم اصداره وسدس ما هو مطلوب. (اقرأ التقرير ذو الصلة: أبواب مواربة أمام عمل السوريين في لبنان والأردن).

الآن، بدأت تلك الوظائف بالاختفاء. ففي الأردن، فقد 35 بالمئة من اللاجئين السوريين الذين كانوان يعملون قبل كوفيد-19 وظائفهم، مقارنة بـ 17 بالمئة من المواطنين الأردنيين، بحسب تقرير اللاجئين الدولي. في لبنان، تم تسريح 60 بالمئة من السوريين بشكل دائم بسبب كوفيد-19، مقارنة بـ 39 بالمئة من المواطنين اللبنانيين.

في غضون ذلك، قال الباحثون إن المساعدة المقدّمة من الحكومات المضيفة غالبا ما تكون بعيدة المنال، بسبب متطلبات الهوية أو اللوائح التي تمنع اللاجئين من الوصول إلى الحسابات المصرفية أو خدمة الهاتف المحمول، والذي غالبا ما يكون شرطا مسبقا للحصول على المساعدة.

وفي الوقت ذاته، يجعل الوباء من الصعب على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية تقديم المساعدات الإنسانية، بالنظر إلى إغلاق الحدود، وتعطيل سلاسل الإمداد والتوجيهات المتعلقة بالتباعد الاجتماعي.

قبل تفشي وباء فيروس كورونا في الأردن، كان 80 في المئة من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، على حد قول هيومن رايتس ووتش، وبينما اعتمدت معظم العائلات السورية في الأردن على الدعم المالي من الوكالات الإنسانية من أجل تأمين العيش، فقد تم قطع المبالغ التي يتلقونها أو تخفيضها بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

شقيقان أمام شاحنة صغيرة في مخيم الوحدات الفلسطيني في الأردن. توقف عملهما كسائقين نتيجة سياسة الإغلاق التي فرضها انتشار فيروس كوفيد-١٩. (الصورة: عمر عكور / AP).
شقيقان أمام شاحنة صغيرة في مخيم الوحدات الفلسطيني في الأردن. توقف عملهما كسائقين نتيجة سياسة الإغلاق التي فرضها انتشار فيروس كوفيد-١٩. (الصورة: عمر عكور / AP).

الفقر والاستبعاد من التعليم

وفقًا لأحدث تقرير عالمي لرصد التعليم لمنظمة اليونسكو، لعام 2020، يعد الفقر أحد العوامل الرئيسية في استبعاد الأطفال من التعليم في جميع أنحاء العالم وفي المنطقة العربية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: تقرير جديد يرصد إدماج الطلاب في التعليم في العالم العربي).

باستخدام مقياس يعرف باسم مؤشر تكافؤ الثروة – أي نسبة درجات الطلاب الأكثر حرمانًا مقارنة مع الأقل حرمانًا – أظهر التقرير أن أولئك الذين يعيشون في الربع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى أسوأ بكثير في التحصيل التعليمي من أولئك الممثلين في الربع الأعلى في جميع البلدان في جميع أنحاء العالم، حتى قبل تفشي الوباء.

ذكر تقرير اليونسكو إن المراهقين المولودين لأغنى الأسر في العالم العربي، وكما هو الحال في معظم المناطق باستثناء أوروبا وأميركا الشمالية، يكملون الدراسة الثانوية الدنيا بمعدل ثلاث مرات أكثر من أولئك الذين ينتمون إلى أفقر الأسر. من بين أولئك الذين أكملوا دراستهم الثانوية، فإن احتمالية امتلاك الطلاب من أبناء الأسر الأكثر ثراءًا لمهارات أساسية ضعف تلك التي يمتلكها أبناء الأسر الأكثر فقرًا. في المتوسط، يكمل 18 فقط من أفقر الشباب دراستهم الثانوية مقارنة بكل 100 من الشباب الأكثر ثراءًا.

في الأردن، يكمل أقل من 30 من أفقر الشباب دراستهم الثانوية مقارنة بكل 100 من أغنى الشباب، كما يوضح تقرير اليونسكو، الذي يشير إلى أن الفجوة مستخفٌ بها في الواقع، لأن الطلاب من الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا أكثر عرضة لمغادرة المدرسة قبل سن 15 عامًا وعدم خوض اختبار اتمام الدراسة الثانوية، وأن هذه النسبة أقل في المغرب وتونس والمملكة العربية السعودية.

في الأردن أيضًا، تشير منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن 15 بالمئة من السوريين البالغين من العمر 16 عامًا و21 بالمئة من الأشخاص البالغين من العمر 17 عامًا يلتحقون بالمدارس الثانوية، مقارنةً بأكثر من 80 بالمئة من الأطفال الأردنيين في كلا العمرين.

لا يعتبر هذا مفاجئة بالنسبة للمسؤولين والباحثين في مجال الإغاثة، الذين يقولون إن الوضع الاقتصادي الحالي الذي يواجهه اللاجئون سيزيد هذا التفاوت لأن عمالة الأطفال وزواج الأطفال من أكثر آليات المواجهة شيوعًا التي تستخدمها أسر اللاجئين السوريين في الأردن بهدف مقاومة الفقر. ومن شأن كلتا العمليتين أن تبقي الأطفال خارج المدرسة.

قالت أدريان فريك، من مشروع التعليم في الأزمات، وهو جزء من مبادرة هارفارد الإنسانية للحد من تأثير الوباء، “من الواضح جدًا أنه لن يكون من السهل على العائلات التي اضطرت بالفعل إلى اتخاذ خيارات صعبة حيال أي من أطفالهم سيذهب إلى المدرسة، وأي الأطفال سيضطر للعمل، أو إلى حد سوف يستمر أطفالهم في الذهاب إلى المدرسة. ستجعل مثل هذه الحسابات المسألة أكثر صعوبة بالنسبة لتلك العائلات.”

وأضافت “سيكون ضمان وصول الأطفال إلى التعليم أمرًا صعبا حقا. لم يكن هناك معدل وصول مرتفع قبل الوباء والآن، من المرجح أن تتعمق مشكلة الوصول.”

الإدماج والانتعاش الاقتصادي

أسفر وباء كوفيد-19 عن أزمة صحية واقتصادية، ومن المرجح أن يزيد كلاهما من كره الأجانب والعنصرية في البلدان المضيفة، بالتزامن مع تقليل جهود دعم اللاجئين والمهاجرين حيث أن البلدان المضيفة تعطي الأولوية لوصول سكانها إلى الوظائف والخدمات الاجتماعية، بحسب تقرير منظمة اللاجئين الدولية.

تعرف منار عباس، اللاجئة السورية البالغة من العمر 33 عامًا، وهي أرملة وأم لطفلين، ذلك جيدًا. كانت عباس تعمل موظفة مبيعات في متجر صغير في بيروت، لكن المحل أغلق الشهر الماضي دون دفع راتبها.

قالت “لا يمكنني تقديم شكوى (لأي جهة)، لأنني أعمل بصورة غير قانونية. الحياة صعبة هنا. نحن السوريون نتفهم معاناة اللبنانيين. أفكر في العودة إلى سوريا، لكن الحدود مغلقة وليس لدي منزل لأعود إليه هناك.”

“من الواضح جدًا أنه لن يكون من السهل على العائلات التي اضطرت بالفعل إلى اتخاذ خيارات صعبة حيال أي من أطفالهم سيذهب إلى المدرسة، وأي الأطفال سيضطر للعمل، أو إلى حد سوف يستمر أطفالهم في الذهاب إلى المدرسة. ستجعل مثل هذه الحسابات المسألة أكثر صعوبة بالنسبة لتلك العائلات.”

أدريان فريك
 من مشروع التعليم في الأزمات

تعتقد عباس أن مستقبل السوريين في لبنان قاتم. يفترض العديد من اللبنانيين أن السوريين أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا بسبب الافتقار المفترض للنظافة في المجتمع، ولاسيما في مخيمات اللاجئين المكتظة. وأضافت “من الصعب الآن أن يعثر أي سوري على عمل هنا. إنهم يخافون منا.”

قبل تفشي الوباء، كانت الجهود المبذولة لتسهيل الإدماج الاقتصادي للاجئين تتقدم، وإن كان ذلك بوتيرة بطيئة، بحسب تقرير منظمة اللاجئين الدولية. لكن آثار كوفيد-19 تهدد هذا التقدم.

لكن الباحثين في منظمة اللاجئين الدولية، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمات الإغاثة الأخرى يقولون إن زيادة الإدماج الاقتصادي للاجئين سيساعد الانتعاش الاقتصادي للدولة المضيفة من خلال الاستفادة من المهارات والقوى العاملة والإنتاجية الاقتصادية الإضافية وعائدات الضرائب التي يمكن للاجئين توليدها، مع التخفيف من استنزاف الموارد العامة.

كما أن من شأن ذلك أن يساعد الشباب من أمثال رقية، البالغة من العمر 17 عامًا، والتي تحلم بدراسة الرياضيات في الجامعة، على البقاء في المدرسة.

قالت رقية، اللاجئة السورية في الصف الثاني عشر في الأردن، لـ هيومن رايتس ووتش العام الماضي إن عائلتها لا تستطيع دفع الإيجار وأن الأمم المتحدة أوقفت الكثير من دعمها بسبب قيود الميزانية.

أما عن دوامها في المدرسة فقالت “أعلم أنه في أي وقت، يمكن أن توقفني الظروف عن الدراسة. أريد الاستمرار في دراستي لكنني أعلم أن ذلك يمكن أن يحدث في أي يوم.”

ساهمت رشا فائق في إعداد هذا التقرير.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى