أخبار وتقارير

الأزمة الاقتصادية تعصف بمستقبل أساتذة الجامعات في لبنان

طرابلس – أثار قرار الجامعة الأميركية في بيروت بتسريح نحو 650 شخص من كوادرها القلق مجدداً حول وضع الهيئات الأكاديمية ومستقبل التعليم في البلد الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.

يبدي الكثيرون من الأساتذة العاملين بصورة جزئية في الجامعات الخاصة قلقهم بشأن مستقبلهم المهني خاصة مع توجه العديد من الجامعات لخيار الإستغناء عن خدماتهم. لا يختلف الحال كثيراً في الجامعة اللبنانية، الجامعة الحكومية الوحيدة في البلاد.

ففي 17 تموز/ يوليو، أبلغت إدارة الجامعة 650 من موظفيها داخل الحرم الجامعي والمستشفى التابع لها قرار تسريحهم، بعد إجراء تسوية لهم في وزارة العمل ومع نقابة الموظفين في الجامعة. كما لم يتم تجديد عقود 200 موظف أخرين.

وجاء في بيان فضلو خوري، رئيس الجامعة، أن “الأسبوع المنصرم كان صعباً علينا بشكل استثنائي حيث أجبرنا على خسارة ٨٥٠ شخصاً من أفراد أُسرتنا،” مشيراً إلى أنه تم بناء ” شبكة أمان اجتماعي موسعة لتسديد أجور ٦ إلى ٢٤ شهراً كتعويض إنهاء الخدمة بناءً على مقياس سنوات الخدمة للمسرحين من العمل.” بالإضافة إلى الاستمرار بدفع تكاليف التعليم في برامج البكالوريوس في الجامعة الأميركية في بيروت لأولاد الموظفين الذين غادرونا لحين تخرجهم، والحفاظ على كامل تمويل التعليم المدرسي لمدة عام واحد مع تأمين صحي.

وعلى الرغم من أنه سبق لخوري الإشارة إلى عزم الجامعة اتخاذ هذا القرار قبل نحو شهرين في رسالة موجهة إلى الأساتذة والطلاب والأهل قال فيها إن الجامعة “تواجه، على الأرجح، أكبر أزمة منذ تأسيسها عام 1860.” فإن تنفيذ القرار لاقى غضباً شديداً في صفوف العاملين في الجامعة وطلابها، حيث وصفها البعض بـ ” المجزرة الجماعية”.

قال علي شلق، رئيس اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية والذي يضم نحو 170 أستاذ/ة من الثابتين والمتعاقدين واستاذ الاقتصادي الزراعي في الجامعة، “الأزمة الحالية التي تمر بها الجامعة كشفت كثيرًا من المشاكل التي لم تكن واضحة من قبل، وأبرزها انهيار القدرة الاقتصادية للأساتذة رغم اتخاذ الإدارة بعض الاجراءات للتخفيف من وطأة الانهيار.” مشيراً إلى أن الأساتذة كانوا يطالبون بزيادة أجورهم لمساعدتهم على مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد لكنهم صدموا بقرارات الجامعة الأخيرة.

يعتقد مكرم رباح، أستاذ  مادة التاريخ الحديث في الجامعة الأميركية منذ 2016، أن الوضع السياسي في لبنان أثر سلباً على وضع الجامعة الاقتصادي. إذ تسبب عدم قدرة السلطة على تعزيز الاستقرار إلى زعزعة ثقة دول الخليج بإمكانية الاستثمار بقطاع التعليم. (اقرأ المقال ذا الصلة: هل نحن بحاجة إلى كرة بلوريّة للتنبؤ بمستقبل قطاع التعليم العالي في لبنان؟)

قال رباح “أثرت السياسة بشكل مباشر على الجامعة في ظلّ غياب السياسات التربوية والتعليمية، كانت الجامعة بحاجة إلى خفض 40 في المئة من ميزانيتها، والمشكلة الأساسية كانت تكمن في مستشفى الجامعة لأن التوظيفات فيها كانت على مدار تاريخها قائمة على المحاصصة السياسية والطائفية. في المقابل، لم يعد الطلاب قادرين على دفع أقساطهم، ودول الخليج بعد أن كانت تضخّ الأموال على الجامعة عبر أقساط  طلابها، لم يعد يأتي طلاب منها نتيجة سوء العلاقة السياسية، وتفاقمت لاحقًا المشكلة البنيوية المرتبطة بالصعوبات التي تواجه التعليم العالي في كل العالم.”

“الأزمة الحالية التي تمر بها الجامعة كشفت كثيرًا من المشاكل التي لم تكن واضحة من قبل، وأبرزها انهيار القدرة الاقتصادية للأساتذة رغم اتخاذ الإدارة بعض الاجراءات للتخفيف من وطأة الانهيار.”

علي شلق
 رئيس اتحاد أساتذة الجامعة الأميركية

البطالة تتفشى

منذ بداية العام، خسر عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. فبالتزامن مع شحّ الدولار فقدت العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها مما تسبب بارتفاع معدل التضخم وجعل قرابة نصف السكان تحت خط الفقر. دفعت هذه الأزمة مئات آلاف اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر احتجاجاً على أداء الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة، وبحسب احصاءات رسمية، ارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 35 في المئة.

ما قامت به إدارة الجامعة الأميركية لا يختلف بشكل أو بأخر عما تقوم به إدارات جامعات أخرى. إذ تم الاستغناء عن خدمات عدد كبير من الأساتذة المتعاقدين بصورة جزئية مع الجامعات الخاصة كما حدث في جامعة سيدة اللويزة.

قالت سوزان كحالة، أستاذة في علم النفس والتربية متعاقدة مع (NDU) ومع الجامعة اللبنانية الرسمية، ” يوجد توجه من إدارة الجامعة بعدم تجديد عقدي معها في العام الدراسي المقبل، وهو ما يحصل مع معظم الأساتذة المتعاقدين بدوام جزئي في الجامعات الخاصة والاستغناء عن خدماتهم، مقابل إعطاء موادهم لأساتذة متفرغين بدوام كامل.” موضحة أن الحجة غالباً ما تكون أن أعداد الطلاب المسجلة ليست كافية ” لفتح صف لهم.”

يضم لبنان 48 جامعة ومعهدا في قطاع التعليم الخاص، بحسب أرقام موقع وزارة التربية والتعليم العالي،  وهو رقم يعد ضخم نسبة لحجم لبنان وعدد سكانه الذي يناهز 5 مليون نسمة لبناني. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الجامعات في لبنان.. معركة عدد ونوعية).

فوضى انتشار الجامعات في لبنان، دفع 11 جامعة وصفت نفسها بـ “الرائدة”، إلى عقد مؤتمر عام موسع في 22 تموز/يوليو داخل حرم جامعة القدّيس يوسف في بيروت لدعوة الحكومة لاحترام رسالة الجامعات ودورها، وانتقدوا تهميش الحكومة الحالية لهم، وخصوصاً وزارة التربية. وطالب الحاضيرن برفع القيود التي تفرضها المصارف على ودائع الجامعات، وتحرير العمليات المصرفيّة والتحويلات الخارجيّة بالعملات الأجنبيّة لتغطية مصاريف الجامعات التشغيليّة ومشترياتها المطلوبة للمختبرات ومراكز البحث العلميّ وسواها، وإلغاء جميع الكفالات المصرفيّة الضامنة لتشغيل الاختصاصات الجديدة والإفراج عن الكفالات الموجودة لديها في الوقت الراهن.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

لا ينفي شلق من الجامعة الأميركية وقوع مسؤولية على الجامعات عما يواجهه الأساتذة والطلاب اليوم.

قال “بدلاً من أن يكون الهدف الحقيقي للجامعة هو هدفها المُعلن المرتكز على التعليم والبحث، نجد أنها تنزلق إلى سياق تجاري بحت، مقابل تهميش التعليم، وتفوق البعد المادي على البعد الأكاديمي، وتحويله من نشاط بحثي سامي، إلى نشاط لانتاج الأرباح وتأمين إيرادات للجامعة.” موضحاً أن غالبية “هذه الإرادات لا يُعاد تدويرها لتشمل الأساتذة “بل تصب لصالح الإدارة، التي أصبحت تضم عددا كبيرا من الوظائف القائمة على العلاقات والاستثمار. وهو ما أدى إلى تضخم القطاع الإدراي على حساب الطاقم التعليمي من الأساتذة، وهذا بالأخص في الجامعة الأميركية.”

الأزمة تطال الجامعة الحكومية

يعاني أساتذة الجامعة اللبنانية، الجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان، أيضا من ذات المشكلة خاصة الأساتذة المتعاقدين على التعليم بالساعة وغير مثبتين. (اقرأ التقرير ذو الصلة: فوارق اجتماعية واقتصادية وراء إضراب الأساتذة في الجامعة اللبنانية).

“هناك استضعاف كبير للأستاذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، نحن نعيش بقلق دائم لا نستطيع التحرر منه.”

سوزان كحاله  
أستاذة في علم النفس والتربية في الجامعة اللبنانية

قالت كحالة “هناك استضعاف كبير للأستاذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، نحن نعيش بقلق دائم لا نستطيع التحرر منه.”

تعتقد كحالة أن المشكلة ستتبلور أكثر مع بداية العام الدراسي الجديد خاصة مع توقع تحول آلاف الطلاب من الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانية نتيجة عجزهم عن تسديد الأقساط في ظل اشتداد الأزمة الاقتصادية. قالت “حينها سيظهر جليا عدم قدرتها على استيعابهم في ظل النقص الكبير في كادرها الأكاديمي.”

يعتقد كثيرون أن ما يفاقم مشكلة الأساتذة اللبنانيين اليوم يكمن في غياب الأطر القانونية الحامية لتعاقد الأساتذة مع الجامعات. إذ غالباً ما تلجأ معظم الجامعات في لبنان للتعاقد الجزئي مع الأساتذة اي عدم توقيع عقود طويلة الأجل وضمهم لكادر الجامعة بشكل كامل، ما يعني أن خيار التخلي عنهم يكون من دون قيودٍ قانونية.

قال هيثم شماس، أستاذ إخراج وتصوير متعاقد بدوام جزئي مع الجامعة بيروت العربية  والجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجية، “بعد 10 سنوات في التعليم الأكاديمي الجامعي، أجد أن البطالة المقتنعة أصبحت تتنشر على نطاق واسع في الجامعات. ففي ظل غياب أيّ نوع من السياسات التربوية، يدفع الأستاذة ثمنًا غاليًا في معيشتهم، لجأت بعض الجامعات إلى تحويل مستحقاتنا المالية من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، فصارت قيمة بعد ساعاتنا التعليمية لا تتجاوز 8 دولار أميركي.”

يفكر الكثيرون بالهجرة اليوم كحل نهائي لكل مشاكلهم في بلدهم.

قالت كحالة “أفكر جدياً بالهجرة، بطالة الأكاديميين هنا صارت واقعا معاشا يتضاعف يومًا بعد آخر، في القطاعين الخاص والرسمي.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى