أخبار وتقارير

ضوابط جديدة للمركز القومي للترجمة تهدد حرية الفكر في مصر

القاهرة- تسبب وضع شروط جديدة لترجمة الكتب والأعمال الأدبية في إثارة المخاوف مجدداً حول حرية الفكر في مصر. إذ أعلن المركز القومي للترجمة، مؤسسة حكومية غير ربحية، الشهر الماضي عن معايير جديدة للترجمة تتضمن عدم “التعارض مع الأديان، والقيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف” لنشر الكتب. 

تأتي هذه “الضوابط” الجديدة نتيجة “لورود مقترحات للمركز بكتب للترجمة تتضمن التطاول على رموز ومؤسسات دينية دون أن يكون هناك فكر حقيقي للترجمة طروح، بل وهناك من الأعمال ما يروج للمثلية والشذوذ والإلحاد، وهو ما لا نقبل وضع اسم المركز علي،” حسب بيان المركز. 

تتضمن الشروط الجديدة للترجمة أيضاً ألا يكون قد سبق صدور ترجمة للكتاب، وأن يكون العمل المعروض للترجمة من اللغة الأصلية وليس عبر لغة وسيطة، وأن تتراوح صفحات الكتاب بين ٦٠ وحتى ٥٠٠ صفحة – مع إمكانية استثناء هذا الشرط إن كان الكتاب جزءًا من الكتب التراثية أو في حالة ترجمة الموسوعات والمعاجم، وأيضًا أن يكون الكتاب حديثا ولم يمر على نشره أكثر من خمس سنوات، بهدف “الرغبة في طرح ما هو جديد وحث مقدمي المقترحات على متابعة المشهد الثقافي وانتقاء الأعمال القيمة،” بحسب البيان الذي تم نشره على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمركز ومن ثم تم حذفه لورود العديد من التعليقات المنتقدة له. 

لا يمثل حذف المنشور تراجعاً عن قرار المعايير الجديدة لترجمة الكتب، بحسب إنجي الأنور، المسؤولة الإعلامية في المركز القومي للترجمة، التي قالت في اتصال هاتفي “إن الحذف مرتبط، فقط، بتعليقات خرجت عن الإطار العام” من جانب متابعين عن صفحة المركز.

تصف الأنور الانتقادات “بالهجمة الغريبة غير المُبررة”، في حين رفضت رئيسة المركز التعليق على الموضوع مكتفية بالبيان الصادر.

انتقادات واسعة

تأسس المركز القومي للترجمة عام 2006 ، كجهة “حكومية خدمية لا تسعى إلى الربح هدفها فتح نوافذ المعرفة أمام القاريء بكافة اللغات والثقافات، وسد الثغرات المعرفية”، ليصبح خلال سنوات أحد أشهر دور الترجمة في الوطن العربي نظراً لتنوع الترجمات التي يقدمها سواء من ناحية المواضيع أو اللغات. خلال الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب في القاهرة مطلع العام الحالي، قدم المركز 600 عنوان مترجم لأول مرة بخصم  70 في المئة لكل جمهور المركز، بالإضافة إلى الخصم المستمر طوال العام 50 في المئة للطلبة والباحثين ورجال الشرطة والجيش والإعلاميين والمعلمين.

يعتقد كثيرون من العاملين والمهتمين بالأوساط الثقافية المصرية وقطاع الترجمة أيضاً أن التعديلات الجديدة لا تدعم تطوير الحراك الثقافي ونشر المعرفة. كما أنها تتعارض مع حرية الفكر والاختيار.

“الحجج الواهية والمزاعم الكاذبة والجُمل الأخلاقية لن تكون حائطاً للصد أمام أي أفكار يعتقد البعض أنها لاتناسب ثقافتنا.”

جابر عصفور  
وزير الثقافة الأسبق ومؤسس المركز القومي للترجمة

قال جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق ومؤسس المركز القومي للترجمة، في اتصال هاتفي إن ماصدر عن المركز من ضوابط وشروط جديدة للنشر “كلام لايستحق عناء الرد عليه”، مؤكداً أن الهدف الأساسي لتأسيس المركز هو وضع القاريء المصري والعربي عموماً وسط المجتمع المعرفي العالمي، ومنحه حرية الاختيار فيما يقرأه.

تشمل حرية الاختيار، وفقاً لجابر، إقرار المركز بأن الأراء الواردة في هذه الكُتب تعكس وجهة نظر المؤلف بما يرفع أي انتقاد موجه للمركز أو للمترجم. ويوضح جابر، الذي شغل منصب وزير الثقافة بعد ثورة 25 يناير، أهمية التفاعل مع ثقافة العالم بكافة أفكارها دون ضوابط؛ ” فالحجج الواهية والمزاعم الكاذبة والجُمل الأخلاقية لن تكون حائطاً للصد أمام أي أفكار يعتقد البعض أنها لاتناسب ثقافتنا.”

بدوره، يقول محمد البعلي مدير دار صفصافة للنشر وأحد المتعاونين مع المركز القومي في مشاريع سابقة، إن الهدف الرئيسي من تأسيس المركز القومي للترجمة هو ترجمة “الكتب من كافة أنواع العلوم خصوصاً تلك التي لاتتمكن دور النشر الخاصة ترجمتها لأسباب اقتصادية، مؤكداً أن اختيار الكتاب يكون مرتبطاً بأهميته في السياق الثقافي الذي صدر فيه، وأهمية الاطلاع عليه في الثقافة العربية، ولايمكن تطبيق ذلك وفق ضوابط تحدد ما يجوز وما لايجوز. 

قال “المعايير الجديدة ستحد على سبيل المثال من ترجمة كُتب فلسفية عميقة تتناول قضايا إنسانية معقدة منها مانحب نناقشه ومنها ما لا نحب، ولا يحق للمترجم التدخل في النص الذي يترجمه بحجة تعارضه مع قيم وأخلاق المجتمع الذي ينقل إليه.” موضحاً أن الترجمة تفرض على ممارسيها ترك قناعاتهم الشخصية والدينية والمجتمعية جانبا أثناء عملهم.

بدأت القيود والمحاذير على اختيارات “المركز القومي للترجمة” منذ أربعة أعوام، بعد ترجمة كتاب صادر عن دار نشر فرنسية  بعنوان  “مصر التحرير – ميلاد الثورة”، كتب مقدمته الأديب المصري علاء الأسواني، وصدر لاحقاً قرار بوقف بيعه، بحسب مصدر داخل المركز القومي للترجمة، طلب عدم الكشف عن اسمه. 

وقال المصدر، الذي يعمل مشرفاً على أحد الأقسام بالمركز، إن أحد مقدمي برامج التلفزيون هاجم الكتاب بوصفه “تهديداً للأمن القومي” مما تسبب في انتقادات حادة للمركز نتج عنها الإطاحة بمدير سابق له، وتزداد الرقابة الذاتية من جانب القائمين على المركز في جميع اختيارات الكتب حتى البعيدة عن المؤلفات السياسية. 

محاولات لخلق فضاء “مواز”

شهدت السنوات الخمس الأخيرة مبادرات فردية أطلقها مترجمون شباب لإيجاد منصات للترجمة لا تخضع لقيود الجهات الحكومية في الاختيارات أو معايير دور النشر الخاصة الساعية وراء الربح المادي. 

“المعايير الجديدة ستحد على سبيل المثال من ترجمة كُتب فلسفية عميقة تتناول قضايا إنسانية معقدة منها مانحب نناقشه ومنها ما لا نحب، ولا يحق للمترجم التدخل في النص الذي يترجمه بحجة تعارضه مع قيم وأخلاق المجتمع الذي ينقل إليه.”

محمد البعلي
 مدير دار صفصافة للنشر

أمير زكي، مترجم مصري شاب، وواحد من هؤلاء ممن أطلق مدونة “Boring Books“،  في النصف الثاني لعام 2018، لترجمة نصوص كتب “ممتلئة بالمعرفة والمتعة” تكون مصدر معرفة ومتعة للعديد من القراء،  بعدما أصبح المحتوى العربي على الإنترنت متشابها تحت مزاعم الإستجابة “لما يطلبه القراء”، على حد قوله. 

يعتقد زكي، الحائز على جائزة رفاعة الطهطاوي للترجمة في دورتها الخامسة فئة الشباب التي يعلنها المركز القومي للترجمة سنوياً، أن خطورة القيود الصادر عن المركز القومي في تحول قيود الرقابة من شأن داخلي ينفذه المركز بشكل غير معلن أو رسمي إلى قرار رسمي تتفاخر بها إدارة المركز بكونها وسيلة ” للحماية من الأخلاق البذيئة”. 

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

من جهة أخرى، يتسبب تحديد حجم الكتب المترجمة في إضاعة الفرصة على ترجمة الكثير من المؤلفات الهامة والتي تعزف دور الترجمة والنشر الخاصة على ترجمتها لأسباب اقتصادية. 

قال زكي “نحتاج لقوانين داعمة لحركة الترجمة والنشر بما يدعم حركة الثقافة في المنطقة وليس وضع قيود بذرائع أخلاقية تغرقنا في نقاشات غير مجدية.”

بدأت المبادرة كمدونة شخصية لزكي في عام 2010 من خلال نشر نصوص مترجمة ومراجعات له حول الكتب، قبل أن تتحول لموقع بتصميم جديدة بمشاركة زميل آخر له في عام 2018 توسع في نشر النصوص المترجمة والمقالات الفكرية من المهتمين بالترجمة، ووضع بعض المعايير والشروط للمواد المنشورة، وتنظيم عملية النشر يومياً.

قال زكي”تظل المشكلة المادية العقبة الأكبر لاستمرار الموقع لأننا أغلبنا متطوعون، ونعتمد على مساهمات الأصدقاء وبعض المهتمين بالترجمة، وكنا ننفق من أموالنا على بعض الأمور التقنية.”

لكن حصول المبادرة على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) ساعدت زكي وزميله في الدفع نحو تطوير الموقع تقنياً، ونشر النصوص كمواد مُسجلة على موقع ساوند كلاود. يعتقد زكي أن الميزة الأهم للمنحة أنها لم تضع شروطا تتعلق بطبيعة محتوى الموقع.  

تعتبر مدونة “قراءات أحمد شافعي” التي أطلقها صاحبها الشاعر والروائي والمترجم أحمد شافعي في 7 من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2007 محاولة أخرى للترجمة بعيداً عن سطوة المؤسسات الرسمية، والتي حققت زخماً كبيراً في السنوات الأخيرة، بسبب تنوع النصوص المنشورة فيها.

ينظر شافعي، الذي ترجم أكثر من عشرين كتاباً، لمدونته كمساحة شخصية تؤرشف كثيرا من ترجماته، وتتيحها للقراءة، حيث ينشر فيها ما يراه  مهما أو جميلا أو ممتعاً من ترجماته. 

مع ذلك، يعتقد شافعي أن هذه المدونة وأمثالها لا تغني بالتأكيد الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الرسمية في نشر الثقافة والمعرفة عبر الترجمة.

قال  “الترجمة هي أن نقرأ غيرنا، هي البحث عن الجديد والمختلف والصادم، هي أن ندخل أصواتا أخرى، هي بدء جدل، لكن أن يتحول ذلك لترجمة ما يتفق مع قناعاتنا وأفكارنا ورؤيتنا للعالم فأظن أن ترجمته – إن وجد – مسألة أقل أهمية.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى