أخبار وتقارير

زيادة الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة تهدد مستقبل طلابها

يواجه طلاب الجامعات الخاصة في عدد من الدول العربية عاماً دراسياً صعباً مع استمرار انتشار وباء كوفيد -19 ورفع رسوم دراستهم الجامعية. فعلى الرغم مما فرضه الوباء من تحول جزئي أو كلي في بعض الحالات إلى التعلم عبر الإنترنت، قامت بعض الجامعات الخاصة في مصر وفلسطين والأردن بزيادة الرسوم الدراسية مما أثار غضب الكثيرين من هذه الزيادة غير المبررة في ظروف اقتصادية صعبة.

قال هاني الحسيني، أستاذ الرياضيات في كلية العلوم في جامعة القاهرة الحكومية، “الزيادة في رسوم الجامعات الخاصة غير مبررة، إنها مؤسسات تجارية هدفها الربح فقط. كان لابد أن تراعي  الأزمة التي يشهدها الجميع.”

تسبب فيروس كورونا بانكماش معظم اقتصادات الدول العربية، حيث توقع صندوق النقد العربي انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية بحوالي 4 في المئة العام الحالي بسبب الجائحة. بينما أشار تقرير صدر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكو) إلى أن المنطقة العربية ستخسر نحو 1.7 مليون وظيفة خلال العام الحالي مما يزيد من الضغوط على مصاريف الأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود ويؤثر على تعليم أبنائها وبناتها. من جهة أخرى، يشكل التعليم الإلكتروني عبئاً على العديد من الأسر التي لا تمتلك الإمكانات المالية اللازمة لتوفير أجهزة كمبيوتر وحواسب شخصية لأبنائها فضلاً عن تكلفة الولوج إلى الإنترنت. (اقرأ التقرير ذو الصلة: التحول إلى التعليم عبر الإنترنت يفاقم عدم المساواة في المنطقة العربية).

تشهد بعض دول الخليج جهوداً رسمية لتخفيض الرسوم الجامعية. ففي الكويت، حيث بدأ العام الدراسي في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أعلن سعود الحربي وزير التربية والتعليم العالي عن خفض قيمة الرسوم الدراسية في الجامعات الخاصة بنسبة 20 في المئة بعد إقرار نظام التعليم عبر الإنترنت. أما في البحرين، التي أعلنت بدء موعد الدراسة 20 أيلول/ سبتمبر الماضي ثم قامت بتأجيله بعد ارتفاع اعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد ليتم اقرار التحول مجددا للتعليم عبر الإنترنت بتاريخ 11 تشرين الأول/ أكتوبر، فقد تقدم خمسة من أعضاء مجلس النواب بمقترح للحكومة لإلزام الجامعات الخاصة بتخفيض الرسوم الدراسية بنسبة 20 في المئة نظرا للظروف التي تمر بها المملكة جراء أزمة كورونا والأعباء التي سببتها على كاهل الأسرة البحرينية.

لكن الوضع يبدو مختلفاً تماما في دول أخرى كمصر وفلسطين والأردن.

زيادة غير مبررة في مصر

في مصر، لم يتمكن محمود نبيل الذي حصل على مجموع 97.8 في المئة في الثانوية العامة من الالتحاق بكليات الطب في الجامعات الحكومية. وعلى الرغم من أن مجموعه يؤهله للدراسة بكليات طب الجامعات الخاصة إلا أن ارتفاع رسوم الجامعات الخاصة هذا العام حرمه من ذلك.

قال “لطالما تمنيت أن أصبح طبيا وتفوقت في دراستي لكن معدلات القبول في الجامعات الحكومية لم تشملني ويتعذر على الالتحاق بالجامعات الخاصة بسبب رسومها المرتفعة.”

something didnt work here

يصل عدد الجامعات الخاصة في مصر إلى 25 جامعة إضافة إلى أربع جامعات أهلية جديدة تم افتتاحها هذا العام. قامت الفنار للإعلام برصد أسعار الرسوم للعام الدراسي الجديد في  6 جامعات خاصة ومقارنتها برسوم العام الماضي لتجد أن نسبة الزيادة تتراوح ما بين 19 إلى 25 في المئة في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بينما تصل أحيانا إلى 36 في المئة لبعض التخصصات كالهندسة. إذ ارتفعت رسوم الدراسة في كلية طب الأسنان في جامعة بدر(46 كم شرق القاهرة)  من 105 الف جنيه (6700 دولار أميركي) في عام 2019 إلى 130 الف جنيه (8300 دولار أميركي) للعام الحالي بزيادة تقدر بـ 23,8  في المئة. بينما ارتفعت رسوم الدراسة في كلية الهندسة في الجامعة البريطانية في القاهرة الجديدة من 91 ألف جنيه (5800 دولار أميركي)  إلى 124 ألف جنيه (7900 دولار أميركي) ألف جنيه بزيادة 36 في المئة.

يبلغ متوسط رسوم كليات الطب في الجامعات الخاصة نحو 120 الف جنيه سنويا (7600 دولار أميركي)، ويتخطى 220 الف جنيه (14 الف  دولار أميركي) في جامعات أخرى مثل جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا بمحافظة الدقهلية 146 كم شمال شرق القاهرة. في حين يبلغ متوسط دخل الأسرة السنوي في مصر حوالي 59 ألف جنيه (3760 دولار أميركي) بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018 .

يعتقد الحسيني أنه كان من الأولى تخفيض بعض الرسوم مراعاة للوضع الاقتصادي العام، خاصة وأن الجامعات الخاصة رفعت الرسوم بعد قرار تعويم الجنيه المصري عام 2016. (اقرأ التقريرين ذوي الصلة: تعويم الجنيه يغرق الجامعة الأميركية في القاهرة و  ارتفاع تكاليف الماجستير يبعد الطلاب المصريين عن دراستهم).

“الزيادة في رسوم الجامعات الخاصة غير مبررة، إنها مؤسسات تجارية هدفها الربح فقط. كان لابد أن تراعي الأزمة التي يشهدها الجميع.”

هاني الحسيني
 أستاذ الرياضيات في كلية العلوم في جامعة القاهرة الحكومية

قال “في السابق، كانت الزيادة مبررة. لكن اليوم ومع التحول نحو التعليم الإلكتروني فإن العديد من الجامعات الخاصة استغنت عن الأساتذة المساعدين ومع عدم حضور الطلاب للجامعة فإن النفقات التشغيلية أقل بالتأكيد.” مضيفاً أن “تكلفة للتعليم عبر الإنترنت لا توازي الارتفاع في الرسوم خاصة ان عدد كبير من الجامعات الخاصة بدأت في الاستغناء عن المنتدبين من الجامعات الحكومية للتدريس وهذا يعني تخفيض في النفقات في الوقت الذي سيخفض عدم وجود الطلاب من تكلفة تشغيل الجامعة”.

يعترف مصطفى كمال، رئيس جامعة بدر، بزيادة نسبة الرسوم في الجامعات الخاصة لكنه يقول إن تكلفة الاستمرار بالتعليم لم تنخفض بل على العكس ارتفعت.

قال “كنا نشترى كرسي الأسنان لتدريب الطلاب بـ 50 الف جنيه (3200 دولار أميركي) أصبح بـ120 الف جنيه (7650 دولار أميركي) كما أن أسعار المياه والكهرباء ارتفعت كثيرا، كنا ندفع 750 ألف جنيه سنويا (47 الف و800 دولار أميركي) في عام 2019 كهرباء اليوم أصبحنا ندفع 2,5  مليون جنيه (159 ألف دولار أميركي) كهرباء.”

بحسب قانون ترخيص الجامعات، لا تتدخل وزارة التعليم العالي أو أي جهة حكومية بتحديد الرسوم الجامعية للجامعات الخاصة، حيث يترك هذا الأمر لتقدير الإدارة مع “توجيه الجامعات لمراعاة ظروف المجتمع المحيط،” بحسب كمال. العام الماضي، طالب العديد من الطلاب باسترداد بعض من الرسوم التي كانوا قد سددوها سبقاً قبل إيقاف الفصول الدراسية والتحول للتعليم عبر الإنترنت، لكن محاولتهم لم تجدي.

قال سامح إبراهيم، طالب بالسنة الثانية كلية طب الأسنان جامعة النهضة بمحافظة بني سويف 90 كم جنوب القاهرة، “حاولت وزملائي المطالبة برد جزء من الرسوم لكن قرار الوزير بالعودة إلى العقود المبرمة بين الطالب والجامعة والتي لا تنص على إعادة الرسوم لم يساعدنا.” موضحاً أن الجامعات تطلب منهم تسديد رسوم مقابل خدمات وأنشطة لن تقام بسبب التحول للتعليم الإلكتروني.

قال “الإدارة هي صاحبة الكلمة العليا. نحن لا نمتلك سوى التنفيذ أو ترك الدراسة.”

الأردن ارتفاعات مستمرة

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي الشهر الماضي بخبر وفاة طالب في سنته الدراسية الأخيرة في كلية الهندسة بإحدى الجامعات الخاصة متأثرا بالجروح التي أصيب بها بعدما أحرق نفسه احتجاجاً على سياسة جامعته في ما يتعلق بدفع الأقساط. إذ حاول الطالب الملتحق بالجامعة منذ عام 2012 لقاء رئيس الجامعة للوصول إلى تسوية والسماح له بالتقدم للامتحانات النهائية رغم عدم قدرته على سداد الرسوم، لكن طلبه قوبل بالرفض مما دفعه إلى إشعال النار في جسده في مبنى رئاسة الجامعة، ما أدى إلى نقله إلى مستشفى ومن ثم وفاته بحسب ما نشرت صحف محلية.

تأتي الحادثة الأليمة بالتزامن مع رفع الجامعات الخاصة في المملكة لرسومها الدراسية للعام الجديد بنسبة وصلت في بعض الجامعات لنحو 100 في المئة، بحسب تقرير جديد صادر عن الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا”. وبحسب بيان الحملة فإن أحد أهم الأسباب فيما حصل هو قانون الجامعات الذي تم تعديله بما يخدم رأس المال على حساب العملية التعليمية. “عندما تصبح العملية التعليمية أساسها الجانب المالي والربحي أولا وأخيرا، فلا بد أن نصل إلى هذه المرحلة.”

“الجامعات الخاصة تستطيع رفع الرسوم الجامعية ووضع رسوم إضافية، كيفما تشاء دون رقيب أو حسيب فلا تقدم طلب ولا حتى إبلاغ للوزارة في حال رفع الرسوم أو فرض غرامات على الطلاب.”

فاخر دعاس
 منسق حملة ذبحتونا- الأردن

وكما هو الحال في مصر، لا تفرض وزارة التعليم العالي أي نوع من الرقابة على الأمور المالية للجامعات الخاصة أو في شكل علاقة الجامعة مع الطالب، بحسب فاخر الدعاس، منسق الحملة، الذي أوضح في اتصال هاتفي أن “الجامعات الخاصة تستطيع رفع الرسوم الجامعية ووضع رسوم إضافية، كيفما تشاء دون رقيب أو حسيب فلا تقدم طلب ولا حتى إبلاغ للوزارة في حال رفع الرسوم أو فرض غرامات على الطلاب.”

قال محمد الفقي، طالب بجامعة البتراء الخاصة في السنة الدراسية الثالثة بكلية علوم الحاسب في اتصال هاتفي، إن غالبية الطلاب تعمل وتدفع رسوم أقساطها من جيبها الخاص “يتسبب رفع الرسوم المستمر وعدم تعاون الجامعات مع الطلبة بتسهيل دفعات الأقساط في عرقلة تخرج العديد من الطلاب وترك عدد منهم لمقاعد الدراسة لعدم القدرة على الاستمرار في دفع التكاليف الباهظة للرسوم.”

تعاني الجامعات الفلسطينية الحكومية والخاصة من أزمات مالية مستمرة بسبب تأخر الحكومة في دفع مخصصات الجامعات وأجور العاملين. أعلاه ، أساتذة في مسيرة للاحتجاج على رواتبهم المنخفضة (الصورة: من تويتر).
تعاني الجامعات الفلسطينية الحكومية والخاصة من أزمات مالية مستمرة بسبب تأخر الحكومة في دفع مخصصات الجامعات وأجور العاملين. أعلاه ، أساتذة في مسيرة للاحتجاج على رواتبهم المنخفضة (الصورة: من تويتر).

أعباء متزايدة في فلسطين

تبدو قضية رفع الرسوم الجامعية في فلسطين أكثر تعقيداً، حيث تأتي مع استمرار الحصار الاسرائيلي والأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا مما يحرم الكثير من الطلاب من الالتحاق بالجامعة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: كوفيد-19 يرفع معدلات التسرب من الجامعات في غزة). كما تعاني الجامعات الفلسطينية الحكومية منها والخاصة من أزمات مالية مستمرة. إذ غالباً ما تتأخر السلطة الوطنية الفلسطينية في دفع مخصصات الجامعات الحكومية وتسليم أجور العاملين بها. كما تشهد الجامعات الخاصة ظروفاً مالية حرجة بسبب عجز الطلاب عن دفع الرسوم والأقساط المتأخرة.

تبلغ قيمة الرسوم في الجامعات الحكومية الى 700 دولاراً أميركياً سنوياً، فيما تصل في الجامعات الخاصة والأهلية الى 4000 دولار في بعض التخصصات كالطب والصيدلة وطب الأسنان.

قال أحمد عثمان، مدير التخطيط والجودة بوزارة التعليم العالي الفلسطينية، “التعليم العالي في فلسطين عملية مكلفة جداً، وتعتمد بشكل أساسي على الرسوم التي يدفعها الطلاب.” موضحاً أن الأزمة الاقتصادية للجامعات بدأت منذ عشرين عاماً وجاء الوباء ليزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية على الطلاب وذويهم.

قال “لا يحصل الموظف سوى على خمسين في المئة من راتبه، ومعظم الطلاب هم أبناء موظفين وعاملين بالمياومة يعتمدون على الرواتب بشكل كبير، ولديهم صعوبات اصلا في دفع الأقساط والرسوم.”

يتفق أيمن اليازوري، الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي لوزارة التربية والتعليم العالي بغزة  مع عثمان. قال “بعض عائلات الطلاب تجتهد لتوفير القسط الدراسي للفصل الجامعي الأول، لكنها تعجز عن مواصلة تسديد هذه الرسوم، ما يدفع الطلاب في الفصول اللاحقة للاعتذار أو تأجيل الدراسة لفترة معينة.”

تنتظر سلمى فراج الحصول على منحة لتتمكن من الالتحاق بالجامعة. فعلى الرغم من تفوقها، إلا أنها غير قادرة على تحمل تكلفة الدراسة في الجامعة. قالت “لا يوجد أمامي سوى الانتظار. سجلت في كلية الهندسة للحصول على منحة الـ50 في المئة لكنها ليست رغبتي، كنت أتمنى دراسة الطب.”

لا يبدو أن انفراجاً قريباً ممكن الحدوث خاصة في ظل الحديث عن موجة ثانية من وباء كوفيد-19 خلال فصل الشتاء القادم.

قال إبراهيم الغندور، منسق الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم  وهي حملة أهلية لدعم حق الطلاب الفلسطينيين باستكمال تعليمهم الجامعي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعاني منها المجتمع الفلسطيني، “العام الحالي سيكون الأسوأ على قدرة الطلاب في الالتحاق بالعملية التعليمية، أعتقد أن كثيرين سيضطرون ولو مؤقتاً للتوقف عن الدراسة. أتمنى أن لا يطول ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى