أخبار وتقارير

الجامعات السعودية على طريق الاستقلال المالي

يمنح نظام جديد، صدر منتصف الصيف الماضي، الجامعات الحكومية في المملكة العربية السعودية استقلالاً مالياً وإدارياً وأكاديمياً بغرض منحها فرصاً أكبر للتطوير بعيداً عن البيروقراطية ومحدودية التمويل الرسمي.

يشمل النظام الجديد 29 جامعة حكومية، لكنه سيطبق بصورة تدريجية وفق معايير وضعها مجلس شؤون الجامعات، وهو المؤسسة الرسمية المسؤولة عن تنظيم عمل المؤسسات الأكاديمية العليا في المملكة. إذ بدأت ثلاث جامعات فقط حتى الأن العمل وفق النظام الجديد وهي: جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، وتضم الجامعات الثلاث قرابة 145 ألف طالب في مختلف التخصصات.

قال عبد الرحمن الخريف، وكيل وزارة التعليم لشئون التعليم الجامعي بالمملكة، “يمثل النظام الجديد خطوة طموحة وجريئة نحو الإستقلالية المنضبطة، التي تعني الابتعاد عن البيروقراطية الحكومية والمرونة في اتخاذ القرارات لصالح الجامعات لكن وفق ضوابط.”

وعلى الرغم من أن النظام الجديد يسعى إلى إيقاف الإنفاق الحكومي على التعليم العالي، إلا أن التعديل حافظ على مجانية التعليم بالنسبة لطلاب البكالوريوس وأتاح فرض رسوم على الدراسات العليا فضلاً عن إمكانية القيام باستثمارات لإدخال موارد مالية بديلة.

قال الخريف ” لن يؤثر النظام الجديد على  للطلاب حيث لن تتأثر مجانية التعليم أو المنح الدراسية، لكنه سيمنح الجامعات حرية البحث عن مصادر تمويل لتعزيز مواردها. كما سيمنحها نوعاً من الاستقلال الأكاديمي بحيث بات بإمكانها على سبيل المثال استحداث تخصصات جديدة وفقاً لرؤيتها لمتطلبات سوق العمل.”

وفق النظام الجديد، تعمل الجامعات على تحقيق الاعتماد البرامجي والمؤسسي من هيئة تقويم التعليم والتدريب، أو من إحدى الهيئات الدولية التي تعتمدها الهيئة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: جودة التعليم العالي العربي: جعجعة بلا طحن).

التغيير مطلوب

يأتي التغيير الجديد متوافقاً مع رؤية المملكة 2030، وهي خطة استراتيجية تم الإعلان عنها في نيسان/ أبريل 2016، بهدف تقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد  وتطوير قطاعات الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية والترفيه والسياحة، بحسب خبراء. )اقرأ التقرير ذو الصلة: هل تغير رؤية 2030 وجه التعليم العالي السعودي).

قال عبد الرحمن سعيد، أستاذ علم النفس بجامعة أم القرى بمدينة مكة المكرمة، “يحقق النظام الجديد نقلة نوعية في مسيرة التعليم العالي السعودي، حيث يساهم في تطوير العملية البحثية والتعليمية برفع حجم الإنفاق على البحوث من خلال تنمية موارد الجامعات المالية والبشرية”.

“يحقق النظام الجديد نقلة نوعية في مسيرة التعليم العالي السعودي، حيث يساهم في تطوير العملية البحثية والتعليمية برفع حجم الإنفاق على البحوث من خلال تنمية موارد الجامعات المالية والبشرية”.

عبد الرحمن سعيد  
أستاذ علم النفس بجامعة أم القرى بمدينة مكة المكرمة

يبلغ حجم الإنفاق على التعليم في المملكة حوالي 193 مليار ريال سعودي (51,5 مليار دولار أميركي) سنويا، بما يعادل 19 في المئة من الميزانية لعام 2020 ، وتبلغ ميزانية التعليم العالي منه قرابة 9 في المئة من ميزانية الدولة بما يعادل 95 مليار ريال (25 مليار دولار أميركي)، بحسب سعيد الذي يعتقد أن النظام الجديد لا يهدف النظام الجديد إلى تخفيف أعباء الإنفاق المرتفع على الجامعات، ولكن إلى إخراج الجامعات من فكرة المؤسسات المعتمدة كليا على الدولة إلى مؤسسات قادرة على ضخ موارد مالية في ميزانيتها وبلوغ مرحلة النضج الإداري والأكاديمي.

قال “هي محاولات جادة للخروج من ثوب الدولة الريعية المعتمدة على النفط، إلى دولة تملك القدرة على إنتاج موارد متنوعة.”

ملامح النظام الجديد

منح النظام الجديد الاستقلالية للجامعات في وضع أنظمتها ولوائحها المالية والإدارية والأكاديمية، كما أتاح لها الفرصة للتوسع في إيجاد مصادر تمويل ذاتية، وأجاز افتتاح فروع في المملكة للجامعات العالمية بهدف زيادة المنافسة ليس بين الجامعات الأهلية المحلية فقط، ولكن مع الجامعات الحكومية ايضاً.

تضمن التغيير أيضاً إنشاء (مجلس الأمناء) الذي يتحمل مسؤولية الحوكمة والتأكد من فاعلية وكفاءة التعليم الذي تقدمه الجامعة، حيث سيكون ضابطاً لجميع أعمال الجامعة الأكاديمية والإدارية أسوة بما هو معمول به في الجامعات العالمية.يشرف المجلس على ترشيح رئيس للجامعة، وإنشاء الكليات الجديدة ، بالإضافة إلى مجلس للجامعة يختص بمنح الدرجات العلمية، وتعيين أعضاء هيئة التدريس، وإقرار سياسات القبول الجامعي، واعتماد خطط الابتعاث.

ومن ملامح النظام الجديد أيضاً تقليص صلاحيات مجلس الجامعة وتحويل الكثير منها إلى (مجلس الأمناء). كما تم تقليص صلاحيات منصب رئيس الجامعة حيث ستكون وظيفته إدارية بحتة بناء على توجيه ورقابة مجلس الأمناء.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

كما أعاد النظام الجامعي الجديد المجلس الأعلى للجامعات، الذي كان مسؤولاً عن التعليم الجامعي قبل إلغائه عام 2016، حيث يتولى المجلس إقرار السياسات والاستراتيجيات والتوجهات العامة للتعليم الجامعي. يحدد مجلس شؤون الجامعات برئاسة وزير التعليم وعضوية وزارات العمل والخدمة المدنية والاقتصاد درجة جهوزية الجامعات التي تصلح لتطبيق النظام الجديد وذلك استناداً على عدد من المؤشرات والمعايير ووفق ثلاثة مجالات تشمل الجوانب الأكاديمية والإدارية والمالية. تحصل الجامعات التي تم اختيارها على عام كامل كمدة انتقالية من تاريخ بدء التنفيذ، بينما تمنح باقي الجامعات فترة عامين لتطبيق النظام الجديد.

يفتح النظام الجديد الباب أمام الجامعات للاستثمار وإنشاء الشركات أو المساهمة فيها وإقامة برامج وقفية من المنح، مع ترك الحق لها في تقاضي مقابل مالي لتنمية إيراداتها كفرض رسوم دراسية لبرامج الدراسات العليا والدبلومات والدورات التدريبية والتعليمية ورسوم من الطلبة غير السعوديين ورسوم مقابل القيام ببحوث علمية أو خدمات استشارية، وفتح فروع لها خارج البلاد. من جهة أخرى، يُسمح للجامعات الأجنبية بالعمل داخل المملكة وقبول الطلاب الأجانب، وفقاً للنظام الجديد.

يتفق كثيرون على أهمية القرار الجديد، لكن الحكم على نجاعته سيحتاج بالتأكيد وقتاً.

قالت أمل الفوزان، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة الأميرة نوره بنت عبد الرحمن في الرياض، “ما يتحكم في نجاح الجامعات وفقا للنظام الجديد هو قدرتها على بناء برامج وقفية تمنحها اكتفاءا ذاتيا في الإنفاق.”

“ما يتحكم في نجاح الجامعات وفقا للنظام الجديد هو قدرتها على بناء برامج وقفية تمنحها اكتفاءا ذاتيا في الإنفاق.”

أمل الفوزان  
أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة الأميرة نوره بنت عبد الرحمن في الرياض

تعتقد الفوزان، أن الهدف الرئيسي من النظام هو تنويع دخل الجامعات وتقليل الإعتماد على الإنفاق الحكومي، لكنها ترى ان ذلك لا يمكن أن يأتي دفعة واحدة خاصة أن المخصصات الحالية للجامعات الثلاثة، التي باشرت بتطبيق القرار، تبلغ أكثر من 25 مليار ريال سعودي (6,75 مليار دولار).

قالت “بالتأكيد لا يمكن تلبية كافة الإحتياجات حاليا من خلال الإنفاق الذاتي، لكنها خطوة كبيرة على طريق الاستقلالية.”

مخاوف الأساتذة والطلاب

بالتزامن مع الترحيب بالتغيير الجديد، يبدي البعض مخاوفاً من سبل تطبيقه. إذ يعتقد البعض أن إيجاد موارد مالية جديدة للجامعات ليس بالمهمة السهلة، بينما يتساءل البعض عن حقوق الأساتذة والعاملين في المؤسسات الأكاديمية وفقاً لهذه التغييرات.

قالت الفوزان”أخشى أن يتم إلغاء التوسعات والتطوير في الجامعات أو أن يؤثر ذلك على رواتب العاملين من أعضاء هيئة التدريس والموظفين إذا ما عجزت الجامعات عن تدبير نفقاتها،” مشيرة إلى صعوبة  الحفاظ على الاستدامة المالية من خلال الاعتماد على الرسوم الدراسية لطلاب الدراسات العليا أو الطلاب الدوليين فقط.

يبدي أستاذ جامعي طلب عدم ذكر اسمه وتفاصيل عمله تخوفاً على مستقبل الأساتذة والتعيين مع تغيير نظام التعيينات.

قال “يمنح النظام الجديد الجامعات الحق في التعيين والتوظيف بنظام التعاقد، وهذا يهدد بتسريح آلاف الأكاديميين وموظفي الجامعات، وقد يساء استخدامه من قبل الإدارات التي قد تستخدمه للضغط على الأساتذة للعمل بشكل مضاعف دون مقابل مجزي.”

لكن الخريف، وكيل وزارة التعليم لشئون التعليم الجامعي بالمملكة، يبدو أكثر إطمئناناً إذ يؤكد أن مكتسبات أعضاء هيئة التدريس وحقوقهم محفوظة ضمن النظام الجديد.

قال “لا مساس بحقوق الأساتذة العاملين حالياً، لكن النظام الجديد يتيح للجامعات فرصة استقطاب أعضاء هيئة تدريس جدد من الخارج عن طريق العقود بزيادة المقابل المادي مما يعني أيضاً تحفيز أعضاء هيئة التدريس الحاليين على زيادة إنتاجهم العلمي.”

تعتقد روان الغانم، طالبة بالسنة الثالثة بكلية علوم الحاسب والمعلومات بجامعة الملك سعود،أن النظام الجديد سيطور الجامعة لتنافس الجامعات العالمية. لكنها لا تخفي قلقها.

قالت “أخشى أن تكون رسوم الدراسات العليا كبيرة، مما يعطل الكثير منا على استكمال دراساته وهو ما أطمح فيه بالفعل.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى