أخبار وتقارير

الجامعات العربية تغيب عن تجربة الحكومات لتقنية بلوك تشين

تقع سلسلة الكتل أو مايعرف عالمياً بتقنية بلوك تشين في قلب العملات الافتراضية، مثل البيتكوين Bitcoin، التي أسرت قلوب العديد من المستثمرين. ويسود الاعتقاد بأن  هذه التقنية ستحدث ثورة في التتبع الإلكتروني لجميع المعاملات، حيث بدأت بعض الدول العربية باتخاذ خطوات باتجاه تبنيها. مع ذلك، مازالت الجامعات العربية بطيئة في تبني تدريس أساسيات هذه التكنولوجيا.

يمكن أن يكون للشفافية والثقة والسرعة والموثوقية التي تعد بها هذه التكنولوجيا تأثير تحولي على جميع جوانب الحياة الحديثة تقريبًا، بما في ذلك تقديم الخدمات الحكومية وخدمات الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، جعلت أزمة كوفيد-19 والاضطرابات العالمية التي نجمت عنها تبني التكنولوجيا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، ولاسيما في العالم العربي، كما يقول بعض التربويين وخبراء السياسة.

قالت فاطمة السبيعي، زميلة أبحاث بلوك تشين في دراسات، مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، “لم تكن التقنيات الحالية كافية لحل بعض المشكلات التي ظهرت خلال الأزمة.”

لهذه التقنية تطبيقات محتملة لكل من الدول العربية ذات الدخل المرتفع والأنظمة المالية والاقتصادية المتطورة، والدول منخفضة الدخل حيث يمكن أن يوفّر نظام تخزين البيانات اللامركزي الموثوقية في أوقات الاضطراب السياسي والاقتصادي.

مع ذلك، وبينما بدأت بعض الدول العربية في تجربة هذه التقنية، إلا أنّ القليل من مؤسسات التعليم العالي في المنطقة أدخلتها في مناهجها الدراسية. يطرح نقص الخبراء المدربين وندرة البحث الأكاديمي تحديات في تطوير هذه التكنولوجيا والاستفادة منها في العالم العربي.

محاولات لتدريس التكنولوجيا

تُعرف تقنية بلوك تشين بأنها التقنية التي تكمن وراء عملة بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى، لكن تطبيقاتها أوسع بكثير. وقد بدأت بعض الدول العربية، وخاصة في منطقة الخليج، في اعتماد تقنية بلوك تشين في تقديم الخدمات الحكومية والتجارية وإدارة أنظمة سلسلة التوريد. في عام 2018، أطلقت الإمارات العربية المتحدة استراتيجية تهدف إلى تحويل 50 في المئة من المعاملات الحكومية إلى منصة بلوك تشين بحلول عام 2021.

لكن السبيعي تقول إن جهود تدريس التكنولوجيا في العالم العربي تعتبر مبسطة وبطيئة للغاية مقارنة بسرعة تطبيقها في قطاعي الأعمال والخدمات.

في الدول العربية التي تتبنى هذه التقنية، تعتبر حداثتها وتطورها السريع ونقص الخبراء المؤهلين في هذا المجال من أسباب غيابها عن مناهج معظم الجامعات ومؤسسات البحث العلمي، رغم وجود بعض الاستثناءات في مؤسسات مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية، ومعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية.

وأضافت السبيعي أن المناهج الدراسية غير المتطورة والمبسطة في مؤسسات التعليم العالي ستؤدي إلى فجوة بين المؤهلات الأكاديمية لطلاب تكنولوجيا المعلومات واحتياجات السوق.

فصول دراسية بناءً على طلب الطلاب

قال يحيى طارق، خريج هندسة الكمبيوتر من جامعة عين شمس في مصر، إن التقنيات الجديدة يتم تقديمها في فصول انتقائية إذا ما طلب الطلاب ذلك من إدارة الجامعة. في فصل بلوك تشين الذي التحق به في الجامعة، تعلم طارق الأساسيات وتطبيقات المستوى المنخفض التي لن يستخدمها مهندس مبتدئ بعد التخرج مباشرة.

قال “إذا كنت ترغب في تعلم المهارات من أجل صنع منتج أو كسب المال، فعليك أن تتعلمها بنفسك خارج الكلية،” مضيفًا أنه يمكن تعويض الجزء العملي في مشروع التخرج، حيث يمكن للطلاب اختيار البحث عن أي تقنية جديدة يريدون دراستها.

“إذا كنت ترغب في تعلم المهارات من أجل صنع منتج أو كسب المال، فعليك أن تتعلمها بنفسك خارج الكلية،”

يحيى طارق  
خريج هندسة الكمبيوتر من جامعة عين شمس في مصر

في دول الشرق الأوسط الأخرى، أدى الخلط بين تقنية بلوك تشين كتقنية والعملة المشفرة كأحد تطبيقاتها إلى تحذّر العديد من الحكومات – خاصة تلك التي تكون عملتها الوطنية غير آمنة، مثل لبنان ومصر – بشأن استكشاف هذه التكنولوجيا وتنظيمها، وبالتالي الضغط من أجل إدراجها في برامج التعليم العالي.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.

قال إبراهيم النفرة، الباحث في تطبيقات بلوك تشين في الجامعة العربية الدولية، بالقرب من دمشق، إن انخفاض مستوى تعقيد الأنشطة الاقتصادية في العديد من الدول العربية يجعل تدريس التكنولوجيا بلا معنى، حيث لن يكون هناك أي طلب على هذا النوع من المؤهلات في السوق.

لكنه قال إن من الضروري لمؤسسات التعليم العالي العربية البدء بتدريس تقنية بلوك تشين كدورة منفصلة أو برنامج لنيل درجة الماجستير لبناء المؤهلات المطلوبة اللازمة لتطبيقها في مشاريع تخدم المجتمع والاقتصاد.

عقبات بيروقراطية

تعتبر البيروقراطية أيضا عائق في الجامعات الحكومية العربية.

قالت رند قوتلي، النائب السابق لعميد كلية تكنولوجيا المعلومات في جامعة دمشق، “هناك دائمًا مقاومة من كبار الأساتذة لأنهم يريدون تضمين ما يعرفونه فقط في المناهج.”

تعتقد قوتلي أن الأنظمة الجامعية غير مرنة في العادة، وتحتاج الدورة الجديدة لاستحصال العديد من الموافقات من قبل لجان مختلفة قد تستغرق شهورًا قبل أن يتم تدريسها في الفصول الدراسية، وهو ما قد يكون طويلًا جدًا لمثل هذا المجال سريع التطور.

دفعت ندرة التكنولوجيا في هيئات التعليم العالي الحكومية المؤسسات الأكاديمية الخاصة إلى اغتنام فرصة تدريسها، وتقديم دروس في دورات قصيرة بقيمة تصل إلى 2,000 دولار.

قال إبراهيم صبح، محلل أبحاث سعودي في مجال بلوك تشين، “تقنية بلوك تشين موضوع ساخن وعصري في الوقت الحالي. ترغب الجامعات الخاصة، بدافع الربح، في إشباع هذا التعطش للمحتوى.”

يعتقد صبح أنها مسألة وقت فقط قبل أن تدرك الجامعات العربية أهمية هذا العلم وتبدأ في تدريسه.

“تقنية بلوك تشين موضوع ساخن وعصري في الوقت الحالي. ترغب الجامعات الخاصة، بدافع الربح، في إشباع هذا التعطش للمحتوى.”

إبراهيم صبح  
محلل أبحاث سعودي في مجال بلوك تشين

أضاف “في النهاية، سيتعين عليهم القيام بذلك، لأنهم إذا لم يقوموا بتدريس تقنية بلوك تشين، فإنهم يفقدون الكثير.”

ترجمة مصطلحات بلوك تشين إلى اللغة العربية

في محاولة لسد هذه الفجوة، أطلق كرم الحمد، وهو سوري مقيم في برلين ويبلغ من العمر 30 عامًا، مع مجموعة من الأصدقاء والمهندسين، منصة تفاعلية عبر الإنترنت باسم زي.فاي لتعليم مفاهيم بلوك تشين والعملات المشفرة وتعزيز البحث في العالم العربي.

قال الحمد، خريج كلية الاقتصاد والسياسة في كلية بارد برلين، إنه انجذب إلى الحرية واللامركزية التي تقدمها تقنيات بلوك تشين والعملات المشفرة وما تقدمه من وعود ببديل للنظام المالي العالمي الحالي ونقاط ضعفه.

قرر الحمد إنشاء المنصة بعد القراءة عن العملات المشفرة من مصادر باللغة الإنجليزية، ولاحظ عدم وجود ترجمات عربية للعديد من المصطلحات الفنية التي تستند إليها التكنولوجيا.

قال “هناك العديد من التطبيقات لهذه التكنولوجيا في العالم العربي ولكن لاستهداف المنطقة، علينا أن نبدأ من الأساسيات، وهذه غير متوفرة.”

تم تصميم منهج منصة زي.فاي بناءً على الخبرة العملية للفريق في تداول العملات المشفرة وتطوير بلوك تشين، بحسب الحمد، مضيفًا أن حداثة هذا العلم وغياب المراجع يشكلان إمكانية للإبداع ولكنهما يمثلان أيضًا تحديًا مربكًا.

وأضاف أن مؤسسي المنصة لا يزعمون أنها ستصبح مرجعا لهذا العلم في العالم العربي، لكنها أكاديمية تطبيقية حيث يمكن للطلاب تعلم وتطبيق ما تعلموه.

قال “إن تطور تقنية بلوك تشين لحظي، ولا يمكن لأي جامعة تقليدية مواكبة ذلك.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى