مقالات رأي

كيف يمكن تحويل الفشل إلى قوة محفزة للعلماء

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

الفشل جزء من هويتنا، وطريقة ساهمت في نجاتنا وتطورنا. يمثل التعلم من خلال التجربة والخطأ الطريقة التي نبني من خلالها القدرة على المقاومة. قال أينشتاين أن العبقرية موهبة بنسبة 1 في المئة وعمل شاق بنسبة 99 في المئة، وهذا بحد ذاته طريقة أخرى لوصف الفشل والمضي قدمًا. بدون الفشل والإخفاق، لن تكون هناك رحلة للتقدم إلى الأمام.

يستند هذا المقال إلى تعليقات زملائي من العلماء العرب الذين شاركوا معي في حلقة نقاشية ناقشت السؤال التالي، “كعلماء، كيف يمكننا التعلم من اخفاقنا؟“. أقيمت الندوة في إطار أسبوع العلوم العربي، وهو تجمع افتراضي عُقد في آب/ أغسطس الماضي.

برهام أبو دية، مايو كلينيك 

قد يُعتبر عدم قبولك في أحد البرامج فشلاً، لكن تلك التجربة أرشدت أبو دية لمواصلة السير في طريق تكلل بالنجاح.

“قد تشبه معرفتنا كيفية حل مشكلة من خلال تخيل المسار قيادة سيارة في الظلام من نيويورك إلى ريتشموند باستخدام المصابيح الأمامية فقط.”

في كل يوم نواجه الفشل.

ليس في الإمكان التحكم بالظروف، ولكن يمكنك التحكم في ردود أفعالك. والفشل فرصة للنمو عندما تكون شغوفا فيما يتعلق بمجالك.

قال أينشتاين: “الجميع عبقري، لكن إذا حكمت على سمكة من خلال قدرتها على تسلق شجرة، فإنها ستعيش حياتها كلها مُعتقدة بأنها غبية.”

الفشل الحقيقي هو عدم قيامك بفعل ما تريد. إذا ما حدث ذلك، فهذا بمثابة إنذار لتذكيرنا بضرورة إيجاد ما نحبه، وما نشعر بالشغف حياله.

عندما لا يعجبك ما تقوم بفعله وتفشل ولا يتم تحفيزك، فهذا هو الفشل الحقيقي.

عمر ياغي، جامعة كاليفورنيا في بيركلي 

طوّر ياغي، أستاذ الكيمياء، فئة جديدة كاملة من المواد ولا يزال عاكفا على اكتشاف الخواص الكيميائية لهذه المواد. تعمل أكثر من 100 دولة على استخدام هذه المواد لخلق حياة أفضل في مجالات مثل التقاط الكربون والماء في المناطق الفقيرة بالمياه.

لاحظ ياغي أنه “ليس هناك مخطط للنجاح”.

قال “نحن جميعًا مستكشفون. ليست هناك من خريطة. نحن نتحمل الكثير من المخاطر، مما يعني أننا سنفشل.” يعرّف ياغي الفشل على أنه إضافة على طريق النجاح. تضعه نظرته لكيفية التعامل مع الإخفاق في إطار تحدٍ في رحلة الاكتشاف.

ليس لكلمة “الفشل” مكان في قاموس ياغي. الفشل هو التحدي، وحل التحدي تجربة تعليمية رائعة.

“نحن جميعًا مستكشفون. ليست هناك من خريطة. نحن نتحمل الكثير من المخاطر، مما يعني أننا سنفشل.”

عمر ياغي  
جامعة كاليفورنيا في بيركلي

على حد قول محمد علي، لا شيء مستحيل: “المستحيل ليس حقيقة، بل مجرد رأي. المستحيل ليس إعلانا، بل تحدٍ.”

يمكن اعتبار الفشل جزءاً من المنهج العلمي: التعثر في شيء ما، والتعلم بالممارسة، أن تفشل من دون تكرار الخطأ نفسه مرتين. هذا جزء من النمذجة الاقتصادية. يجب توفير مساحة آمنة للفشل من حيث توفير بيئة داعمة. يجب على مقدمي الرعاية والمعلمين دعم الفشل وعدم إلقاء اللوم على الأفراد لفشلهم. يفشل الناس ويرتكبون الأخطاء ولا يعني ذلك أنهم سيئون.

محمد بيضون، مايو كلينيك

قال بيضون، جراح الأعصاب الرائد في مجال علاج إصابات الحبل الشوكي بالخلايا الجذعية: “ينبع الحكم الجيد من الحكم السيئ. ولهذا السبب نحتاج إلى مشاركة النقاط التي نرتكب فيها الأخطاء حتى نتمكن من مساعدة الآخرين في اتخاذ حكم أفضل.

وأضاف “يوفر نشر النتائج السلبية، وليس النتائج الإيجابية فقط، الوقت والجهد للمختبرات الأخرى حتى لا تسلك هذه المسارات بسبب نقص المعرفة.”
“في وحدة العناية المركزة، حيث يكون الحكم الجيد أمرًا بالغ الأهمية في مواقف الحياة أو الموت، هناك بروتوكولات، لكننا بحاجة إلى الاستطراد. الطريقة العلمية مبنية على ذلك؛ المحاولة و الخطأ.”

إذا كان الفشل غير موجود كمفهوم، فلن تكون هناك تجربة.

قال بيضون إن أحدهم يخصص 55 دقيقة لفهم المشكلة وخمس دقائق للحل.
ووصف مجالين من تجاربه السريرية حيث نجح مفهوم المحاولة والخطأ. كان أحدهما في بدء وقيادة برنامج جراحة العمود الفقري الروبوتية.

قال “استسلم الآخرون لأن العملية بدت محبطة، لكننا واصلنا بإصرار ولم نستسلم. تمكنا من تقليص المدة من ساعات إلى 58 دقيقة، ومن أيام في المستشفى إلى 24 ساعة. تتعلق المثابرة ببذل الجهد والتعلم من الفشل.”

وكان مثاله الآخر من مختبر بيولوجيا الخلايا الجذعية في مايو كلينيك. قال، “تواجه أبحاث الخلايا الجذعية تحديات مثل عدم وجود خلايا كافية، والتجارب التي تنجح على الفئران لكنها لا تنجح على البشر. تتعدد التجارب البشرية وتتطلب صقلًا مستمرًا.”

“تتمثل الطريقة الوحيدة للنجاح في احتضان وقبول وتوقع الفشل حتى نتمكن من المضي قدمًا، وعدم الخوف من الإخفاق وبالتالي إيقاف مسيرة التقدم.”

رنا الدجاني، أستاذة البيولوجيا الجزيئية للخلية،الأردن

أحب عملي كعالمة أحياء جزيئية، وأحاول إيجاد بدائل أفضل عندما تفشل بعض الأمور أحيانًا. وبذلك يصبح الفشل حافزًا.

“تتمثل الطريقة الوحيدة للنجاح في احتضان وقبول وتوقع الفشل حتى نتمكن من المضي قدمًا، وعدم الخوف من الإخفاق وبالتالي إيقاف مسيرة التقدم.”

محمد بيضون  
مايو كلينيك

عدم الإخفاق يعني أن هناك شيئًا خاطئًا، وليست هناك متعة بغياب الفشل. يتضمن الفشل وعدًا بالنجاح. الفشل جزء لا يتجزأ من الحياة.

الطبيعة غنية وشاسعة لدرجة أنه حتى مع كل الإخفاق الموجود، لا تزال هناك فرصة جيدة للنجاح. عبّر توماس أديسون عن الأمر على هذا النحو: “العديد من حالات الفشل في الحياة لأشخاص لم يدركوا مدى اقترابهم من النجاح لحظة استسلامهم.”

يتعلق الأمر بقرارنا بشأن كيفية رؤية الحياة. أن تكون متفائلًا يعني قدرتك على رؤية المحيط في قطرة ماء.

من الذي يحدد ماهية الفشل أو النجاح؟ من له الحق في ذلك؟ الأمر نسبي. الفشل في عين الناظر.

نصيحتي أن نفشل بشكل أسرع، فكلما فشلنا، كلما أصبحنا أقوى لأننا ندرك أنه من المقبول أن نفشل وأن الجميع لا يفعل كل شيء بشكل صحيح طوال الوقت. الفشل فرصة للتعلم. هذا الموقف يجعلنا إيجابيين.

قال بيضون، من مايو كلينيك، “يستغرق التخصص في جراحة المخ والأعصاب سبع سنوات من التدريب للتعلم من الخبرات لأنه ليس هناك كتاب منهجي للتدريب. أنت بحاجة إلى مواجهة أكبر عدد ممكن من السيناريوهات غير المتوقعة لتتعلم بينما تمارس عملك. يخطط الجراح الجيد لكل الأخطاء المحتملة وكيفية التخفيف من حدتها.”

نحن بحاجة إلى إنشاء أنظمة بيئية تُمكن الفشل وتعتبره جزءًا طبيعيا من الحياة. يبدأ هذا من المنزل والمدرسة ومكان العمل. يبدأ الأمر بأن نكون قدوة لأنفسنا.

هناك مواهب بشرية ضخمة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا يُسمح لها بالازدهار وإيجاد طريقها للمضي قدمًا، ومن واجب أولئك الذين لا ينجحون تغيير طريقة تفكيرهم ليصبحوا التغيير هم أنفسهم.

هناك مواهب بشرية ضخمة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا يُسمح لها بالازدهار وإيجاد طريقها للمضي قدمًا، ومن واجب أولئك الذين لا ينجحون تغيير طريقة تفكيرهم ليصبحوا التغيير هم أنفسهم.

رنا الدجاني  
أستاذة البيولوجيا الجزيئية للخلية،الأردن

فاتن الجبشة، معهد الكويت للأبحاث العلمية

تعتقد فاتن الجبشة، الخبيرة في السياسة الصناعية والتنمية الاقتصادية، أن قبول الفشل – إذا اخترت أن تسميه “فشلاً” – مفتاح النجاح. في الواقع، هذا دليل على أنك تتعلم وتتطور لأنك تعرف بالنتيجة ما يجب استبعاده في المرة القادمة.

في البحث الاقتصادي، يعتبر “الفشل”، أو عندما يكون الوضع “غير مناسبًا”، بمثابة الدعامة الأساسية، خاصة عند تقديم دعم القرار لصنع السياسات حيث تلعب “سيناريوهات وتحليلات الاحتمالات “ماذا لو” دور ملاعب الفشل المحتمل.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

لقد كان تسريع وتسهل قبول”الفشل” والمحاولة والخطأ إطارًا عقليًا مريحًا لي طوال رحلتي لأنه منحني مجالًا وثقة للتخيل والمحاولة دون تثبيط، عند العلم بأن ذلك لا يعني نهاية المطاف. حتى لو لم تكن هذه المساحة جزءًا لا يتجزأ من كل من أنظمة التعلم و/ أو العمل لدينا، أعتقد أنه من المهم جدًا إنشاؤها لأنفسنا.

غالبًا ما تكون كلمة “فشل” بمثابة تسمية سيئة يُساء استخدامها وتوضع في غير محلها. في رحلتي في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار، كان الفشل مرادفًا لـ “استمري، أنتِ تقتربين من تحقيق الهدف”.

رنا الدجاني، أستاذة البيولوجيا الجزيئية للخلية في الجامعة الهاشمية في الأردن، وأستاذة زائرة في مدرسة جيبسون للقيادة في جامعة ريتشموند بالولايات المتحدة. كما أنها تترأس أيضًا جمعية تقدم العلوم والتكنولوجيا في الوطن العربي.ت

تشمل قائمة زملائها من أعضاء اللجنة برهام أبو دية، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي وأستاذ الطب، في مايو كلينيك، في الولايات المتحدة؛ وفاتن الجبشة مديرة إدارة الدعم العلمي والتقني بمعهد الكويت للأبحاث العلمية؛ ومحمد بيدون، جراح أعصاب ومساعد عميد التعليم، في مايو كلينيك؛ وعمر ياغي، أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا، بيركلي.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى