أخبار وتقارير

الفن يجد مكانه في الفضاء العام في قطر

تحول عرض الأعمال الفنية داخل الفضاءات العامة في قطر، بالنسبة للكثيرين إلى وسيلة مقبولة لإثارة النقاش وإصدار البيانات السياسية والاجتماعية بعد أن كان مصدرًا للقلق وإثارة الجدل في البداية.

تقول ليلى إبراهيم باشا، اختصاصية الفنون في مؤسسة قطر: ” عندما بدأت متاحف قطر تحسين المشهد الفني العام في العام 2013، كانت هناك الكثير من الأمور التي تحدث في ذات الوقت؛ إذ انتقلنا فجأة من عرض القطع الزخرفية في الساحات العامة إلى إظهار الأبقار الفاسدة والدجاج المحترق. لذلك عندما كنا نسأل الجمهور عن ردود أفعالهم على هذا، أعتقد أن الإجابة كانت بسيطة للغاية،: لقد كان ذلك صادما أكثر من اللازم .”

في عام 2013، أثارت سلسلة من أربعة عشر منحوتة برونزية توضح مراحل تطور الجنين داخل الرحم من الحمل حتى الولادة، للفنان المعاصر المثير للجدل داميان هيرست، ضجة عامة. إذ ظلت القطع، التي تم تركيبها في مرفق الرعاية الصحية بمركز السدرة الطبي، مغطاة لمدة خمس سنوات.

خلال نفس العام، استضافت قطر أول معرض فردي لهيرست في الشرق الأوسط، كان بعنوان (رُفات) أظهر قطعا فنية تمثل أبقارا متعفنة وأسماك قرش محفوظة في (الفورمالديهايد).
وفي ذات التوقيت تقريبا، تم افتتاح معرض العصر الذهبي L’age d’or  لعادل عبد الصمد في المتحف العربي للفن الحديث، وتضمن المعرض مقطع فيديو يظهر سربا من الدجاج في مواجهة جدار من النار، وأثار انتقادات كثيرة.

وبعد أسبوعين من تركيبه في منطقة الكورنيش بالدوحة، تم إنزال تمثال من البرونز بارتفاع خمسة أمتار، للاعب كرة القدم الفرنسي زين الدين زيدان وهو ينطح برأسه اللاعب الإيطالي ماركو ماتيزاري في نهائي كأس العالم لعام 2006 وهو عمل كان لنفس الفنان وسبب ردود فعل قوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

قالت باشا، المُشرفة على استراتيجيات الفن العام في مؤسسة قطر وتكليفات الأعمال الفنية الكبرى ” ليس بإمكانك فرض رأي الجمهور على العمل الفني أو كيفية تفسيرهم له، ولكن يمكنك إعطائهم السياق الذي يسهل التعاطي مع العمل.”  (اقرأ المقال ذات الصلة، ” ليلى باشا تسهم في تطوير المشهد الفني العام في قطر“.).

طريق تعلم للجميع

توضح الباشا أن مايحدث هو مسار تعليمي للجميع. والأمر كله يتعلق بالتعلم والتعلم العام وإخبار الجمهور عن سبب وجود هذه الأعمال الفنية وماهية القصص التي تمثلها. ويمكن الآن مشاهدة كيف أصبح الجمهور أكثر انفتاحًا لتقبل عرض التصاميم والسمات الجديدة بفضل كل هذه التجارب.

https://www.bue.edu.eg/
Public art in Qatar – Hirst
أثارت سلسلة من أربعة عشر منحوتة برونزية توضح مراحل تطور الجنين داخل الرحم من الحمل حتى الولادة، للفنان المعاصر المثير للجدل داميان هيرست، ضجة عامة عند تركيبها لأول مرة. (الصورة: إيمان كامل).

في عام 2016، بدأت مؤسسة قطر جولات لتقديم مجموعتها المؤلفة من حوالي 150 قطعة فنية لموظفي وطلاب المؤسسة. ، مع تزايد الاهتمام بالقطع الفنية، نظمت المؤسسة جولات للجمهور برفقة مُرشدين.
تعتقد باشا عندما نجح الأمر حَقًّا، أصبح برنامج المسار الفني لهذه القطع في متناول الجميع وتم خلق صلة بين الأعمال الفنية العامة والجمهور الذي يريد معرفة المزيد عنها

في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أطلقت متاحف قطر مشروعًا بعنوان جداري-آرت، سمح للفنانين المحليين بالتعبير عن أنفسهم على الجدران في جميع أنحاء المدينة من خلال الجداريات و فن الشارع.

مكّن المشروع مايكل أنتوني بيرونه الأستاذ المساعد في قسم الرسم والطباعة في جامعة فرجينيا كومنولث في قطر، من التواصل مع طلابه بينما كان عالقًا في الولايات المتحدة بسبب قيود كوفيد

في ذلك الوقت، كان بيرونه يرسم لوحة جدارية تجسّد خطوط الشقوق على جدار قيد التجديد في منزله في فيرمونت. وطلب من الطلاب تقليد اللوحة الجدارية داخل نفق يؤدي إلى مركز تسوق معروف في الدوحة.

قال “لقد كانت طريقة جيدة بالنسبة لي كفنان للربط بين عالميّ. باستحضار تلك اللوحة الجدارية إلى هنا، أصبح بإمكان جزء مني ومن حياتي في الولايات المتحدة التواصل مع حياتي في الدوحة.”

لطالما رغب بيرونه في مشاهدة أعماله الفنية معروضة في معرض فني أو متحف، لكن مشروع جداري-آرت جعله متحمسًا لآفاق الفن العام.

وأضاف بيرونه “أعتقد أن هدف هذا المشروع إشراك الجمهور وجعل الفن مكانًا آمنًا للجوء إليه لأن الناس في بعض الأحيان يخشون النظر إلى الفن، ويعتقدون أنهم ليسوا أذكياء بما يكفي أو ليسوا مدربين على معرفة ما يجب التفكير فيه.”

Public art in Qatar – Malwiya
الملوية للشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني، مؤسس المتحف العربي للفن الحديث، أمام جامعة كارنيجي ميلون في قطر. (الصورة: إيمان كامل).

يعتقد بيرونه أن من واجب فناني الفضاءات العامة أن يكونوا على دراية بالسياق الثقافي وأن يجعلوا العمل أكثر قبولًا وتقبلا من قبل الجمهور.

الفن العام يخاطب المجتمع

يوافق علي عبد الرؤوف، أستاذ الهندسة المعمارية والعمران ونظريات التخطيط بجامعة حمد بن خليفة، على ذلك.

قال “الفن العام يخاطب المجتمع، لذلك من الضروري أن يفهم الفنان قيم هذا المجتمع الذي يعيش فيه عندما يختار إنجاز عمل للجمهور العام.”

يحدد عبد الرؤوف، المهتم بالتفاعل بين البشر والفضاءات العامة، ثلاثة تغييرات رئيسية في المشهد الفني العام في قطر. أولاً، أن للأشخاص الذين كانوا يختارون سابقًا زيارة المتاحف والمعارض الفنية علاقة شبه إلزامية بالفن العام مما يجبرهم على التفاعل معه.

يتمثل التغيير الثاني في الانتقال من العمل الفني المباشر والبسيط إلى العمل المُثير للنقاشات ،والتساؤلات والمُلهم للمشاهدين. والتغير الثالث يكمُن في الانتقال من القطع الفنية المتناثرة إلى استراتيجية لتركيب الفن العام في أماكن تجذب الناس.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

قريبا سينشر عبد الرؤوف ورقة بحثية تبحث في أسباب نجاح محطة إطفاء تم تجديدها وتحولت إلى مركز فني ومركز لجذب سكان المدينة، سيدرس عبد الرؤوف كيف تم الجمع بين الأماكن العامة والفن العام، في الأماكن التي يذهب إليها الناس لقضاء وقت جيد.

يعتقد عبد الرؤوف أن هذا النوع من التخطيط المعماري يخلق روحًا من الانتماء لا يمكن تحقيقها إلا عندما يبدأ الناس في الشعور بأن هذه الأماكن تحتضنهم.

قال “أعلى درجات النجاح هي أن يصبح مكان الفن العام وجهة لأفراد المجتمع، وعندما يحدث ذلك، تسقط الجنسية والطبقة الاجتماعية والأحكام المسبقة من خلال شعور الناس أن هذا الفضاء يخاطبهم كبشر.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى