أخبار وتقارير

طلاب كلية الطب الوحيدة في موريتانيا يطالبون بإصلاحات

بعد أكثر من 15 عاماً على إنشاء أول كلية للطب في موريتانيا، يبدو واضحاً أن المؤسسة التعليمية التابعة لجامعة نواكشوط لا تسير بالاتجاه الصحيح نحو الهدف من تأسيسها. إذ تعاني كلية الطب الوحيدة في البلاد من ضعف في المناهج الدراسية، وقلة الأساتذة، وغياب العديد من التخصصات الطبية الأساسية، بحسب شكاوى العديد من الطلاب.

قال الدنبجة أحمد، طالب بالسنة الرابعة بالكلية في اتصال هاتفي، “خابت أمالي الكبيرة بعد 4 سنوات من الدراسة، نحن نفتقر للكثير من الأساسيات مما يجعل معارفنا ومهاراتنا محدودة جداً.”

لا تمتلك الكلية مشفى جامعي تابع لها كما هي العادة في كليات الطب، والتي تسمح عادة للطلاب بالحصول على تدريب عملي. كما تفتقر المكتبة التابعة لها للكثير من الكتب والمراجع اللازمة للطلاب، بالإضافة إلى غياب منهجية أكاديمية معتمدة لامتحانات الطلاب بحسب أحمد.

قال “مايزيد من الطين بله هو عدم تجاوب الإدارة مع الشكاوي رغم كثرتها.”

يقر السيد أحمد الدحدي، الأمين العام للكلية، بوجود مشكلات. لكنه يعتقد أن حلها سيستغرق وقتًا.

قال في اتصال هاتفي “ندرس حالياً خطة توسعية للكلية لاستيعاب عدد أكبر من الطلاب، مع مراجعة البرنامج الأكاديمي لمواكبة التطورات العلمية، ورفع كفاءة التدريب العلمي للأساتذة.”

تأسست الكلية عام 2006 كجزء من جامعة نواكشوط بهدف تكوين كادر طبي محلي في البلاد وتحسين جودة الرعاية الصحية في البلاد. تعتمد الكلية على منهج مستمد من نظام الكليات الطبية الناطقة بالفرنسية لكنه يدرس بالعربية، بينما تبلغ مدة الدراسة في الكلية ثمانية سنوات. (اقرأ التقرير ذو الصلة: موريتانيا تحتفل بتخريج أول دفعة من خريجي كلية الطب).

كوفيد-19 يزيد الضغوط على القطاع الصحي

يواجه القطاع الصحي في موريتانيا مشكلات كبيرة مع انتشار العديد من الأمراض والأوبئة كالملاريا والسل وأمراض الرئة، والتي تعد الأسباب الرئيسية للوفاة في البلاد، وفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية. (اقرأ التقرير ذو الصلة: اختلاف الأمراض المسببة للوفاة في المنطقة العربية).

Mauritania's Medical Students – Protest
يطالب طلاب في كلية الطب بجامعة نواكشوط بإصلاحات تشمل تحديث المناهج، وزيادة المنح الشهرية، وتوفير فرص للتدريب في المزيد من التخصصات. (الصورة: الدنبجة أحمد). 

ومع انتشار وباء كوفيد-19، ازدادت الضغوط على القطاع الصحي خاصة وأنه لا يوجد في البلاد سوى 691 طبيب ما بين ممارس عام وأخصائي من مجموع 4 ملايين نسمة، أي طبيب واحد لكل 5789 مواطن، بحسب السلك الوطني للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان.

في محاولة للضغط لتحسين أوضاع الكلية، شارك الطلاب في احتجاجات تطالب بالإصلاح. كما نظم الطلاب اعتصاماً مفتوحاً قبل ثلاثة أشهر، امتد لثلاثة أسابيع طالبوا خلاله  بتحديث المناهج وتوفير تخصصات متنوعة للطلاب بعد التخرج، حيث يضطر كثيرون للسفر للخارج لاستكمال دراستهم نظرا لغياب الكثير من التخصصات الطبية. كما طالبوا بزيادة المنحة المالية المخصصة لهم شهرياً والتي تصل لحوالي 100 دولار أميركي.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

لاحقاً، أنهى الطلاب اعتصامهم بتعهد الجامعة بتنفيذ مطالبهم بعد تدخل أعضاء هيئة التدريس الذين طرحوا مبادرة لإنهاء الاعتصام واستئناف الدراسة. لكن يبدو أن لا شئ من المطالب قد تحقق حتى الآن.

قال محمد محمود سيد محمد، 27 سنة المنسق العام لإضراب طلاب كلية الطب، في اتصال هاتفي “لم نشاهد بوادر تنفيذ البنود المنصوص عليها في الاتفاقية المكتوبة مع المجلس العلمي للكلية قبل ثلاثة أشهر.”

يدعم العديد من الأساتذة مطالب الطلاب. إذ يعتقدون أن الكلية تحتاج للكثير من التطوير فضلاً عن أهمية تحسين وضع الأساتذة الجامعيين أنفسهم.

قال محمد محمود الحسن، أستاذ متخصص في جراحة العظام بجامعة نواكشوط، في اتصال هاتفي “هناك الكثير من الأمور الواجب العمل على إنجازها لتحسين جودة التعليم في الكلية، على رأسها إنشاء مشفى جامعي تابع للكلية لضمان توفير تدريب عملي جيد للطلاب.”

تداخل المسؤوليات

يعتقد الحسن أن هناك تداخلا بين صلاحيات وزارتي الصحة والتعليم العالي في تسيير المؤسسة مما يتسبب في غموض كبير حول الجهة المسؤولة عن تطوير الكلية، أو المسؤولة عن تنفيذ مطالب الطلاب. في المقابل، يشير الحسن، الذي يشغل منصب الأمين العام للنقابة الموريتانية للأساتذة الباحثين الاستشفائيين الجامعيين، إلى وجود نقص في الكوادر التدريسية.

إذ بدأ التدريس داخل كلية الطب بطاقم تدريس يضم أساتذة موريتانيين وأجانب منتدبين من السنغال والجزائر لسد النقص في أعضاء هيئة التدريس. لكن منذ تأسيس الكلية عام 2006، لم تعلن الوزارة سوى مرتين عن رغبتها بتوظيف أساتذة محليين ، بحسب الحسن.

“غالبية التخصصات الطبية غير متاحة بسبب عدم وجود أساتذة مختصين يباشرون مع طلابهم دراساتهم عقب تخرجهم،”

جمال يوسف
عضو سابق في المكتب التنفيذي لنقابة الأطباء المقيمين في موريتانيا

قال “بناء الكوادر أمر أساسي لتطوير الكلية.” موضحاً أن أن غياب برنامج واضح ومستمر لتوفير كوادر محلية تدعم الهيئة التدريسية ينعكس سلباً على أوضاع الأساتذة والطلاب معاً.

حتى الأن، تم تخريج 8 دفعات من الطلاب وهو ما يعتبره كثيرون إنجاز كبير يستحق بذل المزيد من الجهود لتطوير الكلية بما يلائم الاحتياجات الصحية في البلاد. إذ يضطر غالبية الطلاب للسفر لدول عربية مجاورة كتونس والجزائر لاستكمال سنوات التخصص الدراسي بعد تخرجهم، بسبب عدم وجود أساتذة في أغلب  التخصصات بالكلية، وعدم أهلية المستشفيات للتدريب.

من بين هؤلاء الطلاب جمال يوسف، 29 عامٍ، الذي انتقل، عقب تخرجه إلى تونس لدراسة تخصص أمراض وزراعة الكلى في منحة دراسية تمتد لأربع سنوات في أحد المستشفيات التونسية.

قال يوسف، وهو عضو سابق في المكتب التنفيذي لنقابة الأطباء المقيمين في موريتانيا، في اتصال هاتفي إن غالبية التخصصات الطبية “غير متاحة بسبب عدم وجود أساتذة مختصين يباشرون مع طلابهم دراساتهم عقب تخرجهم،” موضحاً أن الحكومة فشلت أيضًا في تقديم منح دراسية لغالبية الطلاب الراغبين في استكمال تخصصهم في الخارج.

تضم أبرز التخصصات الغائبة في كلية الطب أمراض الصدر وجراحاته، والأمراض الجرثومية، والسكري، وجراحة الفك والتجميل، وأمراض وزراعة الكلي.

يستعد الطبيب الموريتاني للعودة لبلاده مع نهاية العام بعد انتهاءه من دراسته، ويأمل أن يتمكن من العثور على فرصة عمل تمكنه من دعم القطاع الصحي في بلاده.

قال “على الرغم من قلة الأطباء تفضل الحكومة دوماً التعاقد مع أطباء من جنسيات أخرى لسد العجز بأموال باهظة، تصل رواتبهم إلى 10 أضعاف مايحصل عليه الطبيب الموريتاني، ولا تعلن عن شواغر لاستيعاب الخريجين.”

بدورهم، يؤكد الطلاب إمكانية عودتهم للاعتصام مجدداً حتى تنفيذ مطالبهم.

قال محمد، المنسق العام لإضراب طلاب كلية الطب، “لقد منحناهم الوقت الكافي للتنفيذ، ونحن على أهبة الإستعداد للعودة من جديد للإضراب.”

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى