مقالات رأي

كوفيد-19 يقدم فرصة لإعادة النظر في أساليب الامتحانات التقليدية

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

نقتربُ كثيرًا من الموعد السنوي الذي يتعين فيه على الطلاب إظهار مقدار ما تعلموه. إذ سيقضون أيامًا وليالٍ في الدراسة “بكد” أو بعبارة أخرى “في حفظ عن ظهر قلب ما لم يفهموه بالضرورة لمجرد أن يحصلوا على درجات جيدة أمام مدرسيهم.”

تعتبر الامتحانات بلا شك أكثر الأحداث إرهاقًا في حياة الطلاب. بغض النظر عن سنهم والمرحلة التي وصلوا إليها في تعليمهم، فهم مطالبون بتقديم أداءً بأعلى المعايير، في ظل ظروف لا تكون في بعض الأحيان طبيعية ولا تساعد على إظهار القدرات الحقيقية. إذ سيتم التدقيق في أي شيء بدءًا من اختبارات الحذف وحتى المقالات الطويلة التي تناقش الأسئلة الفلسفية مع افتراضٍ أساسي بأن النتائج تمثل حسابات معبرة بدقّة عن معرفة الطلاب وقدراتهم. وسيتم تصنيفها من حيث الدقة (صواب أو خطأ)؛ والحجة (مقنعة أو واهية)؛ والأسلوب (من المناسب إلى غير الملائم)، في ضوء قواعد التصنيف التفصيلية، التي غالبًا ما تكون غير معروفة لمن يُثبت قيمتها.

بعد ليالٍ طويلة من السهر، يقدم الطلاب امتحاناتهم ليجدوا أن كل ما اعتقدوا أنهم يعرفونه يصل إلى عقل مُتجدد، ويتضح ذلك كله أكثر عندما يكتشفون أنهم أخطأوا حتى في كتابة أسمائهم. في بعض الأحيان، قد يغادرون القاعة وهم يشعرون بأنهم قاموا بعمل رائع ليتم إبلاغهم لاحقًا بعدم نجاحهم، في أسوأ الحالات، يتجسد ذلك في علامة “F” – أو راسب – على ورقة الامتحان. بالنسبة لآخرين، سيكون عليهم قضاء بضع ليالٍ أخرى من الأرق، وهم على يقين من أنهم لم ينجحوا، ليتم إخبارهم بعد ذلك بنجاحهم، رغم كل الصعاب. نعم، الامتحانات تجارب غريبة فعلياً.

الامتحانات عبر الإنترنت

لكن وقت الامتحان مرهق بذات القدر للمعلمين أيضًا. إذ نجد أنفسنا نفكر في كيفية تصميم اختبار سيكون صعبًا بما يكفي لتحدي أفضل الطلاب، بينما يكون سهلاً بدرجة كافية بالنسبة للأغلبية لاجتيازه “ببراعة”. يماثل تحقيق مثل هذا التوازن الدقيق في صعوبته ضمان أن يكون التمرين “عصيّا” على الغش بكل الأشكال المتعددة للخداع الأكاديمي التي يمكن أن نتصورها. لتحقيق هذا، نضيف المهمة الصعبة المتمثلة في التقييم ووضع الدرجات بإنصاف تام.

أخيرًا، والأهم من ذلك، يجب أن نعلم أن إنجازات الطلاب دليل نجاح معلميهم، لدرجة أن نتائج الفصل الدراسي تؤثر في النهاية على تقييم الأداء المهني للمدرسين.

أخيرًا، والأهم من ذلك، يجب أن نعلم أن إنجازات الطلاب دليل نجاح معلميهم، لدرجة أن نتائج الفصل الدراسي تؤثر في النهاية على تقييم الأداء المهني للمدرسين.

إذا لم تكن هناك درجة من الحقيقة في الصورة المُقدّمة أعلاه، فلن نتساءل عن مدى اختلاف التقييم والاختبار في سياق التعليم الإلكتروني المستمر الآن. ما مدى اختلاف الظروف الحالية وما مدى زيادة (أو نقصان) صعوبة أن تُجري اختبارًا أو أن يتم اختبارك، عندما يكون “الفصل الدراسي” افتراضيًا، مما يعرض آليات الموثوقية الحالية للخطر؟

لم يعد بإمكان المدرسين الانقضاض فوق أكتاف الطلاب للقبض على شخص ما يغش من ملاحظات مكتوبة بدقة على قطعة صغيرة من الورق. كما لم يعد بإمكانهم التأكد من أن الشخص الذي يرونه يعمل أمامهم هو ذاته المطالب بخوض الامتحان. لم يتغير شيئا في الواقع. لا تزال مطاردة القط والفأر جارية، وكذلك المبادئ الأساسية (الخاطئة) التي تفترض “إمكانية قياس المعرفة من خلال الاختبارات” وأنها “ضرورية لجعل الطلاب يدرسون”.

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

الأنظمة الإلكترونية لا تقدر بثمن

بدلاً من اعتباره مشكلة إضافية، يمكن للتعلم عبر الإنترنت التخلص من الأنظمة القديمة المشكوك في قيمتها، عندما يتوجب على الطلاب تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين الأساسية: حل المشكلات، والتفكير النقدي، والتواصل، والتعاون، والإبداع، والذكاء العاطفي، والعزيمة، والدافع الجوهري، والتفاهم الاجتماعي والثقافي. كيف ستلتقط ممارسات الاختبار التقليدية مجمل الكفاءات المعرفية والشخصية الذاتية والشخصية مع الآخرين التي نريد أن يكتسبها الشباب؟

الأمر متروك للأنظمة التعليمية لإنشاء بيئات تعليمية تعزز الثقة والمساءلة. قد تكون هذه مساحات مادية أو رقمية، حيث يأخذ الأفراد (من جميع الأعمار) بزمام عمليات تعلمهم. بذلك ستتحدث المهارات الاجتماعية والمشاركة والإنتاجية عن معرفة الطلاب وقدراتهم. هناك، سيتم تربية القادة الذين يتسمون بالمسؤولية الذاتية والمرونة والإبداع والتعاطف؛ أي أن نتعلم بالاقتداء. كيف يمكننا الوثوق بالآخرين (أو في أنفسنا) إذا كان نظامنا التعليمي يقوم على الشك وعدم الثقة؟ يمكننا التخلص من الخوف والألم الذي يصاحب الاختبارات من خلال تنفيذ استراتيجيات المساءلة المستمرة، التي يشاركها المعلمون والمتعلمون في عمليات التقييم الذاتي الحوارية المستمرة.

الأمر متروك للأنظمة التعليمية لإنشاء بيئات تعليمية تعزز الثقة والمساءلة. قد تكون هذه مساحات مادية أو رقمية، حيث يأخذ الأفراد (من جميع الأعمار) بزمام عمليات تعلمهم.

يوفر التعلم عبر الإنترنت، في تعقيده، للمعلمين فرصًا لا تقدر بثمن لإعادة النظر في الممارسات التعليمية (والتقييمية) الحالية. يمكن لأنظمة التعلم الرقمية الحالية ببساطة دعم الأنشطة التقليدية، وإدامة عقليات القرن التاسع عشر، أو تقريب التعليم من ذلك الواقع غير المادي المتصل على الانترنت دائمًا الذي نعيش فيه.

في هذا السياق الجديد، سيكون للتعاون ونقل المعرفة أهمية تفوق النتائج القابلة للقياس للامتحانات التقليدية. عبر الإنترنت أو داخل الفصل، ربما يكون هناك صيغة جديدة: لتعرف ما أعرفه، انظر إلى من أكون. لتتعرف علي، راقب ما أفعله وقم بتقييمي بناء على قدرتي على التغيير في المستقبل.

جوزيليا نيفيس، أستاذة بمعهد دراسات الترجمة في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة في قطر، والعميد المشارك لشؤون التيسير والمشاركة الاجتماعية.

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى