مقالات رأي

التعليم وسيلة لمناهضة التمييز ضد المرأة

(الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء شخصية للكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الفنار للإعلام).

فقدت أبي وأنا في عامي الأول. دفنه نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين حياً في عام 1987، وكان على والدتي أن تصبح أماً وأباً. وهكذا، صرت منذ سن مبكرة شاهداً على التحديات التي واجهتها في مجتمع أبوي، فعاهدت نفسي بالعمل على التوعية ضد جميع أنواع التمييز ضد المرأة.

من بين مجالات بحثي التعامل مع تحديات التدريس والفوارق بين الجنسين والسياسة التعليمية والعملية الثقافية. وقد عملت لعشر سنوات باحثاً ومحاضراً ومدرباً ومحللاً، ووجدت قصوراً كبيراً في الدراسات.

يعد إقليم كردستان العراق، وهو منطقة تتمتع بحكم ذاتي ومتعددة الثقافات في شمال البلاد، مجالًا بحثيًا بكراً. يقدر عدد سكانه بنحو 6 إلى 7 ملايين نسمة، بالإضافة إلى وجود 1.8 مليون لاجئ. ويشكل المسلمون قرابة 90 في المئة من الأكراد، ومعظمهم على المذهب الشافعي أو من الصوفيين. ويسكن المنطقة أيضاً نحو 200 ألف من الشيعة والأقليات الدينية؛ ومنهم المسيحيين واليزيديين والهورامي واليارسان والزرادشتيين.

في العام 2018 ، أجريت دراسة في مجموعة تركيز حول التحديات التي تواجه المعلمين من ذوي خبرة تتراوح ما بين سنة إلى ثلاث سنوات. وكان ما يقرب من نصف المشاركين من الإناث. في إحدى الجلسات، قالت السيدات، دون أي نوع من تحليل التمييز، إنهن بحاجة إلى دعم عاطفي في حياتهن المهنية، وإنهن غير راضيات عن وضعهن الاجتماعي، وإن مدرائهم يطلبون منهن ما يفوق طاقتهن.

تبين لي لاحقًا أن لتلك التحديات أصل يعود إلى أيام كن تلميذات، حيث تخرجن دون معرفة بسبل التعامل مع التحديات الاجتماعية والثقافية.

لم يكن في مدرستي الثانوية طالبات. استبعدت اللوائح الثقافية والدينية الأنشطة الأكاديمية معهن، لذلك لم نجرب كيفية التصرف مع بعضنا البعض؛ بنين وبنات. كانت الفجوة واسعة بين التلاميذ الذكور والإناث، ولذلك أثر سوء الفهم في معتقدات ومواقف وتوجهات الجنسين بقية الحياة.

“الثقافة لا تساعدنا”

كثيراً ما أطرح تساؤلاً حول التحديات التي تواجه الطالبات والمعلمات المتدربات خلال الورش أو الندوات أو المنتديات، فتكون الإجابة في الأغلب: “الثقافة لا تساعدنا”.

كثيراً ما أطرح تساؤلاً حول التحديات التي تواجه الطالبات والمعلمات المتدربات خلال الورش أو الندوات أو المنتديات، فتكون الإجابة في الأغلب: “الثقافة لا تساعدنا”.

في ثقافتنا الشعبية نماذج على تصورات الذكور عن النساء. فنجد في فيلم “الشرطي”، الذي بثته قناة كردسات الفضائية، أول قناة تلفزيونية كردية متخصصة في الثقافة، عام 2002، تصف شخصية الفتيات والبنات بأنهن “براميل بارود”. وردد الكاتب المسرحي حسين مصري (1957 – 2009) الفكرة ذاتها، عندما قال إن الرجال ينظرون إلى الإناث وكأنهن عبوات جاهزة لنسف المجتمع.

إن غياب دراسات الجندر في العملية التعليمية هو أحد العوامل الكامنة وراء مثل هذه الأفكار حول دور المرأة في المجتمع؛ أفكار تساهم في تبرير العنف ضد المرأة، تفكك الأسرة، وارتفاع معدلات الطلاق. (اقرأ المقال ذو الصلة:  مركز لدراسات الجندر يحارب الصور النمطية للمرأة في كردستان العراق).

 أعجبتك القصة؟ اشترك مجاناً في نشرتنا البريدية للحصول على المزيد من القصص.  

شهدت السنوات الأخيرة زيادة في حالات العنف الأسري والعنف القائم على النوع والعنف الجنسي وجرائم الشرف. ووفقًا للبيانات الصادرة عن المديرية الإقليمية لمناهضة العنف ضد المرأة، فقد كان هناك ارتفاع بنسبة 53.6 في المائة في حالات العنف المسجلة بين عامي 2008 و2017. وخلال تلك الفترة، تم تسجيل 56979 حالة؛ 474 حالة قتل، 504 حالة انتحار، 1254 حالة انتحار حرقاً، 2334 حالة تعرض للحرق. (هناك حالات حاولت العائلات تبريرها بأن السبب ماس كهربائي أو انفجار أنبوب غاز الطهي)، 51.213 دعوى قضائية، و1209 قضايا عنف جنسي. وفي عام 2019 وحده، لقيت 120 امرأة كردية مصرعها بسبب العنف الجندري. ونلاحظ أنه خلال عام 2020 توفيت 25 امرأة على الأقل، انتحرت 38 أخريات، 67 أحرقن أنفسهن، رفعت 10370 دعوى قضائية، وسجلت 125 حالة اعتداء جنسي.

واللافت أن المديرية لم تسجل أي أعمال عنف تقريبًا بين الهورامي؛ وهم أكراد لهم لغتهم ومعتقداتهم الدينية الخاصة ويعيشون في المنطقة الجبلية الحدودية بين إيران والعراق. يقول حميد برعام، مدير منطقة هورامان، إن تدني عدد حالات العنف ضد المرأة بين 150 ألف هورامي يعيشون على الجانب العراقي من الحدود “نفى الحاجة إلى وجود مكتب لمنظمات حقوق المرأة” هناك.  وأضاف “إنهم لا يقبلون العنف ضد المرأة، فاحترام المرأة ركيزة ثقافية في مجتمعنا نتعلمها منذ الطفولة، ونتيجة لذلك لا توجد أي حالات عنف مسجلة. هناك مساواة بين الرجل والمرأة فيما بينهم منذ عصور قديمة؛ يعملان معًا ويعيشان معًا في سلام”.

واللافت أن المديرية لم تسجل أي أعمال عنف تقريبًا بين الهورامي؛ وهم أكراد لهم لغتهم ومعتقداتهم الدينية الخاصة ويعيشون في المنطقة الجبلية الحدودية بين إيران والعراق.

تعليم الصغار المعضلة الأكبر

إذا نحينا أزمة تفشي فيروس كوفيد-19 جانباً، فإن شاغل الأكراد الرئيسي هو تعليم أطفالهم. لذلك، عقدت وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي عدة اجتماعات لتناول مشاكل المعلمين غير المؤهلين، ضعف البنية التحتية الإلكترونية، والأزمة المالية، وكان القرار هو تنفيذ أسلوب التعلم عن بعد في المنظومة التعليمية. (اقرأ المقال ذو الصلة:  وباء كورونا يعيد الاعتبار للتعليم الإلكتروني).

ولكن التجربة لم تنجح، لأنها لم تلب توقعات المعلمين. لكنني أعتقد أن أحد أسباب فشلها هو عقلية ومواقف هذا المجتمع الأبوي. فمنبين 135 طالبة شاركت في إحدى دراساتي حول “السياسة التعليمية في حقبة كوفيد-19″، ذكر 67 بالمئة منهن أن المجتمع وضع عقبات أمامهن. وكشفت مقابلات مع 25 مشاركة أن الاعتداء الجنسي والمطاردة يمثلان مشكلتين رئيسيتين لهن. وقالت عشرة عضوات في المجموعة أن آبائهن وإخوانهن الصغار منعوهن من استخدام تكنولوجيا الاجتماعات عبر الإنترنت.

 على الرغم من سجل العنف ضد المرأة، ووضع الإناث الصعب، إلا أن المنطقة تعد بيئة أكثر أمانًا للمرأة مقارنة ببقاع أخرى في العراق والدول العربية. (اقرأ المقال ذو الصلة: حملات إلكترونية تكشف ضعف سياسات حماية النساء من التحرش في الجامعات المصرية). علاوة على ذلك، فإن جهود بعض المفكرين والمراكز البحثية تدعو إلى التفاؤل بشأن مستقبل الحد من تأثير موروث التقاليد والثقافة في هذا المجتمع.

مؤمن زلمي : محلل وباحث سياسي ومستشار دبلوماسي مقيم في أربيل، كردستان العراق. يمكن متابعته على تويتر @momenzellmi

Countries

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى